
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
زُهيرُ بنُ جَنابٍ الكَلبِيُّ، سَيِّدُ بَنِي كَلْبٍ وَقائِدُهُمْ فِي حُرُوبِهِمْ وَخَطِيبُهمْ وَشاعِرُهُمْ وَوافِدُهُمْ عِنْدَ المُلُوكِ وَطَبِيبُهُمْ وَكاهِنُهُمْ. وَكانَ زُهَيْرٌ مُنادِماً لِبَعْضِ مُلُوكِ الغَساسِنَةِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُ لَقِيَ أَبْرَهَةَ حِينَ قدمَ يُرِيدُ هَدْمَ البَيْتِ، فَأَكْرَمَهُ أَبْرَهَةُ وَوَجَّهَهُ ناحِيَةَ العِراقِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي طاعَتِهِ، فَلَمّا صارَ فِي أَرْضِ بَكرِ بنِ وائِلٍ لَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ، لكِنَّهُ نَجا وَفرَّ هارِباً، وَعُمِّرَ طَوِيلاً وَقَدْ ماتَ مُنْتَحِراً فَقَدْ شَرِبَ الخَمْرَ صِرْفاً حَتَّى قَتَلَتْهُ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هُوَ زُهَيرُ بنُ جَنابِ بنِ هُبَلَ بنِ عَبدِ اللّٰهِ بنِ كِنانَةَ بنِ بِكرِ بنِ عَوفِ بنِ عُذْرَةَ بنِ زَيْدِ اللّاتِ بنِ رُفَيْدَةَ بنِ ثَورِ بنِ كَلبِ بنِ وَبرَةَ بنِ تَغلِبَ بنِ حُلْوانَ بنِ عِمْرانَ بنِ الحافِي بنِ قُضاعَةَ.
وَذَكَرَ ابنُ دُرَيْدٍ فِي (الاشْتِقاق) أَنَّ بَنِي جَنابِ بنِ هُبَلَ، قَبِيلٌ عَظِيمٌ فِيهِم شَرَفُ كَلبٍ. وَفِي (جَمهَرة أَنْسابِ العَرَبِ) أَنَّ مِن بَنِي جَنابٍ: بَنُو عَديّ، وَزُهَيْرٍ، وَعُلَيمٍ، وَهُمْ بُطُونٌ ضَخْمَةٌ. وَقَدْ كَثُرَتْ ذُرِّيَّةُ زُهَيْرِ بنِ جَنابٍ وَكَثُرَ فِيهِمْ الشُّعَراءُ حَتَّى قالَ الأَصْفَهانِيُّ: وَلَمْ يُوجَدْ شاعِرٌ فِي الجاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ وَلَدَ مِن الشُّعَراءِ أَكْثَرَ مِمَّنْ وَلَدَ زُهَيْرٌ.
وَذَكَرَ ابنُ الكَلْبِيِّ فِي كِتابِ (نَسَب مَعَدٍّ وَالقَبائِلِ اليَمَنِيَّةِ) أَنَّ مِن أَوْلادِ زُهَيْرٍ امرَأَ القَيْسِ، أُمُّهُ: لَمِيسُ بِنْتُ عَمِيتِ بنُ عَدِيِّ بنِ عَبدِ بنِ كِنانَةَ. وَأَبا النُُّعْمانِ، وَأَبا جابِرٍ، وَعامِراً، أُمُّهُمْ: عاتِكَةُ بِنْتُ عَبدِ مَناةَ بنِ هُبَلَ بِها يُعْرَفُونَ، وَلَها يَقُولُ زُهَيرُ بنُ جَنابٍ:
أَلا قُـولا لِعاتِكَـةَ اعْـذُرِيني وَلَوْ فِي جَيْشِ ما عِنْدَ الْقِبابِ
وقزعةُ بنُ زُهيرٍ، وهو عبدُ اللهِ، وخُداشاً، وأُمُّهما لَميسُ الإرأشيَّةُ، ولَها يقولُ زُهيرُ بنُ جَنابٍ:
طالَ الثَّواءُ وَمـا وَقَـفْ تُ عَلــى لَمِيـسَ الْإِرْأَشـِيَّةْ
وسَعدُ بنُ زُهيرٍ أُمُّه العُتيبةُ.
عاشَ زُهيرُ بنُ جَنابٍ طَويلاً، وقد وَردَ أنَّهُ عاشَ أَربعمئةٍ وخَمسينَ عاماً وقِيلَ مئتينِ وخَمسينَ عاماً، وقد ذَكرَ فِي شِعرِهِ طُولَ عُمرِهِ وشَكواهُ مِن الكِبرِ والعَجزِ، يَقولُ:
لَقَـدْ عُمِّـرْتُ حَتَّـى لا أُبَـالِي أَحَتْفِـي فِي صَباحِيَ أَمْ مَسائِي
وَحُـقَّ لِمَـنْ أَتَتْ مِئِتانِ عامًا عَلَيْـهِ أَنْ يَمَـلَّ مِـنَ الثَّواءِ
شـَهِدْتُ الْمُوقِـدِينَ عَلى خَزازٍ وَبِالســُّلَّانِ جَمْعـاً ذا زُهـاءِ
وَنادَمْتُ الْمُلُوكَ مِنَ الِ عَمْرٍو وَبَعْـدَهُمُ بَنِـي مـاءِ السَّماءِ
وَيَتَّضِحُ مِن أَبْياتِهِ هذِهِ أَنَّهُ كانَ ذا شَأْنٍ وَمَكانَةٍ، إِذ كانَ يُنادِمُ المُلُوكَ الغساسنةَ، وَكانَ زُهَيْرٌ سَيِّدَ قَوْمِهِ بَنِي كَلْبٍ فِي وَقْتِهِ، وَقائِدَهُمْ فِي مَعارِكِهِمْ، وَخَطِيبَهُمْ وَشاعِرَهُمْ، قالَ أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي): "لَمْ تَجْتَمِعْ قُضاعَةُ إِلّا عَلَيْهِ وَعَلَى حُنِّ بنِ زَيدٍ العُذْرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ فِي اليَمَنِ أَشْجَعُ وَلا أَخْطَبُ وَلا أَوْجَهُ عِنْدَ المُلُوكِ مِن زُهَيْرٍ، وَكانَ يُدْعَى الكاهِنَ، لِصِحَّةِ رَأْيِهِ.
وَمِن أَخْبارِهِ ما ذُكِرَ عَنْهُ فِي كِتابِ (أَسْماءِ المُغْتالِينَ) أَنَّهُ كانَ فارِساً فِي جَيْشِ داوُودَ بنِ هُبالَةَ، وَداوُدُ بنُ هُبالَةَ كانَ أَوَّلَ مَلِكٍ لِلعَرَبِ فِي بِلادِ الشَّامِ، فَغَلَبَهُ مَلِكُ الرُّومِ عَلَى مُلْكِهِ، فَصالَحَهُ داوُدُ عَلَى أَنْ يُقِرَّهُ فِي مَنازِلِهِ وَيَدَعَهُ فَيَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ، فَفَعَلَ. فَكانَ يُغِيرُ بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ تَنَصَّرَ، ثُمَّ إِنَّ مَلِكَ الرُّومِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَغْزُوَ بِمَنْ مَعَهُ مِن العَرَبِ، فَفَعَلَ وَكانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ زُهَيْرُ بنُ جَنابٍ. فَقَتَلَ زُهَيْرُ بنُ جَنابٍ هَدّاجَ بنَ مالِكٍ سَيِّدَ عَبدِ القَيْسِ.
وَمِنْ أَشْهَرِ الوَقائِعِ الَّتِي خاضَها زُهيرٌ مَعَ قَوْمِهِ حربُهُ مع غَطَفانَ حِينَ أَرادَتْ أَنْ تَتَّخِذَ لِنَفْسِها حَرَماً مِثْلَ حَرَمِ مَكَّةَ، فَقاتَلَهُمْ فَظَفِرَ بِهِمْ زُهَيْرٌ وَأَصابَ حاجَتَهُ فِيهِمْ، وَقالَ فِي ذلِكَ:
وَلَـمْ تَصـْبِرْ لَنـا غَطَفـانُ لَمَّا تَلاقَيْنــا وَأُحْــرِزَتِ النِّســاءُ
فَلَـوْلا الْفَضـْلُ مِنَّـا ما رَجَعْتُمْ إِلـى عَـذْراءَ شـِيمَتُها الْحَياءُ
وَمِمّا يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى أَبْرَهَةَ الحَبَشِيَّ حِينَ كانَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى هَدْمِ الكَعْبَةِ، فَأَكْرَمَهُ أَبْرَهَةُ وَفَضَّلَهُ عَلَى مَنْ أَتاهُ مِن العَرَبِ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى العِراقِ يَدْعُوهُمْ لِلدُّخُولِ فِي طاعَتِهِ، وَقِيلَ أَمَّرَهُ عَلَى ابْنِيْ وائِلٍ: تَغلِبَ وَبَكرٍ، فَوَلِيهُمْ حَتَّى أَصابَتْهُمْ سَنَةٌ شَدِيدَةٌ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ ما يَطْلُبُ مِنْهُمْ زُهَيْرٌ، فَأَقامَ بِهِمْ زُهَيْرٌ فِي الجَدْبِ، وَمَنَعَهُمْ مِن النُّجْعَةِ حَتَّى يُؤَدُّوا ما عَلَيْهِمْ، فَكادَتْ مَواشِيهِمْ تَهْلكُ. فأتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ اسْمُهُ ابنُ زِيَّابَةَ التَّيْمِي وَكانَ رَجُلاً فاتِكاً، فَدَخَلَ فَأَلْفَى زُهَيْراً نائِماً، وَكانَ رَجُلاً عَظِيمَ البَطْنِ، فَاعْتَمَدَ بِالسَّيْفِ عَلَى بَطْنِ زُهَيْرٍ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مارِقاً بَيْنَ الصِّفاقِ، وَسَلِمَتْ أَعْفاجُ بَطْنِهِ، وَظَنَّ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ، وَعَلِمَ زُهَيْرٌ أَنَّهُ قَدْ سَلِمَ، فَتَخَوَّفَ أَنْ يَتَحَرَّكَ فَيُجْهِزُ عَلَيْهِ، فَسَكَتَ. وَانْصَرَفَ ابنُ زيَّابَةَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقالَ لَهُمْ: قَدْ وَاللّٰهِ قَتَلْتُ زُهَيْراً وَكَفَيْتُكُمُوهُ، فَسَرَّهُمْ ذلِكَ. وَاحْتالَ عَلَيْهِمْ زُهَيْرٌ فَأَمَرَ قَوْمَهُ فَغَيَّبُوهُ بَيْنَ عَمُودَيْنِ فِي ثِيابٍ ثُمَّ أَتَوا القَوْمَ فَقالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ قَدْ فَعَلْتُمْ بِصاحِبِنا ما فَعَلْتُمْ، فَأْذَنُوا لَنا فِي دَفْنِهِ، فَفَعَلُوا. فَحَمَلُوا زُهَيْراً مَلْفُوفاً فِي عَمُودَيْنِ وَالثِّيابُ عَلَيْهِ، حَتَّى إِذا بَعُدُوا عَنْ القَوْمِ أَخْرَجُوهُ فَلَفَّفُوهُ فِي ثِيابِهِ، ثُمَّ حَفَرُوا حُفَيرَةً وَعَمَّقُوا، وَدَفَنُوا فِيها العَمُودَيْنِ، ثُمَّ سارُوا وَمَعَهُمْ زُهَيْرٌ، فَلَمّا بَلَغَ زُهَيْرُ أَرْضَ قَوْمِهِ جَمَعَ لِبَكْرٍ وَتَغلِبَ الجُمُوعَ، وَبَلَغَهُمْ أَنَّ زُهَيْراً حَيٌّ، فَقالَ ابنُ زيَّابَةَ:
طَعْنَةً ما طَعَنتُ في غَبَش اللَّيل زُهَيراً وقد تَوافَى الخُصومُ
حين تَجْبِي له المواسِمَ بَكرٌ أَينَ بَكْر وأَيْنَ منها الحُلومُ
خانَنِي السَّيفُ إذ طَعنتُ زُهَيْراً وهو سيفٌ مُضلِّل مَشؤومُ
وَجَمَعَ زُهَيْرٌ بَنِي كَلْبٍ وَمَنْ تَجَمَّعَ لَهُ مِن شُذّاذِ العَرَبِ وَالقَبائِلِ، وَمَن أَطاعَهُ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، فَغَزا بَكْراً وَتَغلِبَ ابنِي وائِلَ، فَقاتَلَهُمْ قِتالاً شَدِيداً، ثُمَّ فانْهزَمُوا، وَأَسَرَ كُلَيْب وَمُهَلْهِلَ ابنا رَبِيعَةَ، وَقالَ زُهَيْرٌ فِي ذلِكَ:
تَبّـاً لِتَغْلِـبَ إِذْ تُساقُ نِساؤُهُمْ سَوْقَ الْإِماءِ إِلى الْمَواسِمِ عُطَّلا
لَحِقَـتْ أَوائِلُ خَيْلِنـا سَرَعانَهُمْ حَتَّـى أَسَرْنَ عَلى الْحُبَيِّ مُهَلْهِلا
وَقالَ أَيْضاً يُعَيِّرُ بَنِي تَغلِبَ بِهذِهِ الواقِعَةِ:
أَيْـنَ أَيْـنَ الْمَفَرُّ مِنْ حَذَرِ الْمَوْ تِ وَإِذْ يَتَّقُـــــونَ بِالْأَســــْلابِ
إِذْ أَســــَرْنا مُهَلْهِلاً وَأَخـــاهُ وَابْنَ عَمْرٍو فِي الْقِدِّ وَابْنُ شِهابِ
ويُرْوَى عن زهيرٍ أَنَّه كانَ نازلاً عندَ الجُلاحِ بنِ عَوفٍ السَّحْمِي، فَلَمْ يَزَلْ فِي جَناحِهِ حَتَّى كَثُرَ مالُهُ وَوَلَدُهُ، وَكانَتْ أُخْتُ زُهَيْرٍ مُتَزَوِّجَةً فِي بَنِي القَيْنِ بنِ جسرٍ، فَجاءَ رَسُولُها إِلَى زُهَيْرٍ وَمَعَهُ بُردٌ فِيهِ صِرارُ رَمْلٍ وَشَوْكَةُ قَتادٍ، فَقالَ زُهَيْرٌ لِأَصْحابِهِ: أَتَتْكُمْ شَوْكَةٌ شَدِيدَةٌ، وَعَدَدٌ كَثِيرٌ فَاحْتَمِلُوا، فَقالَ لَهُ الجُلاحُ: أَنَحْتَمِلُ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، وَاللّٰهِ لا نَفْعَلُ، فَقالَ زُهَيْرٌ:
أَمَّــا الْجُلَاحُ فَــإِنَّنِي فــارَقْتُهُ لا عَنْ قِلىً، وَلَقَدْ تَشُطُّ بِنا النَّوَى
فَلَئِنْ ظَعَنْـــتُ لَأُصــْبِحَنَّ مُخَيِّمــاً وَلَئِنْ أَقَمْــتُ لَأَظْعَنَـنَّ عَلـى هَـوَى
قالَ: فَأَقامَ الجُلاحُ، وَظَعَنَ زُهَيْرٌ، وَصَبَّحَهُمْ الجَيْشُ فَقَتَلَ عامَّةَ قَوْمِ الجُلاحِ وَذَهَبُوا بِمالِهِ.
وَمَضَى زُهَيْرٌ لِوَجْهِهِ حَتَّى اجْتَمَعَ مَعَ عَشِيرَتِهِ مِن بَنِي جَنابٍ، وَبَلَغَ الجَيْشَ خَبَرُهُ فَقَصَدُوهُ، فَحارَبَهُمْ وَثَبَتَ لَهُمْ فَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَ رَئِيساً مِنْهُمْ، فَانْصَرَفُوا عَنْهُ خائِبِينَ، فَقالَ زُهَيْرٌ قَصِيدَتَهُ الَّتِي مَطْلَعُها:
أَمِـنْ آلِ سـَلْمَى ذا الْخَيـالُ الْمُـؤَرِّقُ وَقَـدْ يَمِـقُ الطَّيْـفَ الطَّـرُوبُ الْمُشـَوَّقُ
وَمِنْ أَخْبارٍ وَفادَتِهِ عَلَى الغَساسِنَةِ أَنَّهُ وَفَدَ وَأَخُوهُ حارِثَةُ عَلَى بَعْضِ مُلُوكِ غَسّانَ، فَلَمّا دَخَلا عَلَيْهِ حَدَّثاهُ وَأَنْشَداهُ، فَأُعْجِبَ بِهِما وَنادَمَهُما. وَرُوِيَ أَيْضاً أَنَّ الحارِثَ بن مارِيَةَ الغَسّانِيَّ الجَفْنِيَّ كانَ مُكرِماً لِزُهَيْرِ بنِ جَناب يُنادِمُهُ وَيُحادِثُهُ، فَقدمَ عَلَى المَلِكِ رَجُلانِ مِن بَنِي نَهْدِ بنِ زَيْدٍ يُقالُ لَهُما حَزنٌ وَسَهْلَ ابنا رِزاحٍ، وَكانَ عِنْدَهُما حَدِيثٌ مِن أَحادِيثِ العَرَبِ، فَاجْتَباهُما المَلِكُ وَنَزَلا بِالمَكانِ الأَثِيرِ مِنْهُ، فَحَسَدَهُما زُهَيْرُ بنُ جَنابٍ، فَقالَ: أَيُّها المَلِكُ، هُما وَاللّٰهُ عَيْنٌ لِذِي القرنينِ عَلَيْكَ (يَعْنِي المُنْذِرَ الأَكْبَرَ جَدَّ النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ)، وَهُما يَكْتُبانِ إِلَيْهِ بِعَوْرَتِكَ وَخَلَلِ ما يَرَيانِ مِنْكَ، قالَ: كَلّا، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ زُهَيْرٌ حَتَّى أَوْغَرَ صَدْرَهُ فقتلهما الملكُ، ثُمَّ بَحَثَ عَن أَمْرِهِما بَعْدَ ذلِكَ فَوَجَدَهُ باطِلاً فَشَتَمَ زُهَيْراً وَطَرَدَهُ، فَانْصَرَفَ إِلَى بِلادِ قَوْمِهِ، وَقَدمَ رِزاحُ أَبُو الغُلامِينِ إِلَى المَلِكِ، وَكانَ شَيْخاً عالِماً مُجَرِّباً، فَأَكْرَمَهُ المَلِكُ وَأَعْطاهُ دِيَةَ ابْنَيْهِ، وَبَلَغَ زُهَيْراً مَكانُهُ، فَدَعا ابْناً لَهُ يُقالُ لَهُ عامِرٌ، وَكانَ مِنْ فِتْيانِ العَرَبِ لِساناً وَبَياناً، فَقالَ لَهُ: إِنَّ رِزاحاً قَدْ قَدمَ عَلَى المَلِكِ، فَالْحَقْ بِهِ وَاحْتَلْ فِي أَنْ تَكْفِينِيهِ، وَقالَ لَهُ: اذْمُمْنِي عِنْدَ المَلِكِ وَنَلْ مِنِّي، فَخَرَجَ الغُلامُ حَتَّى قَدمَ الشَّامَ، فَتَلَطَّفَ لِلدُّخُولِ عَلَى المَلِكِ حَتَّى وَصَلَ إِلَيْهِ، فَأَعْجَبَهُ ما رَأَى مِنْهُ، فَقالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قالَ: أَنا عامِرُ بنُ زُهَيرِ بنِ جَنابٍ، قالَ: فَلا حَيّاكَ اللّٰهُ وَلا حَيّا أَباكَ الغادِرَ الكُذُوبَ السَّاعِي، فَقالَ الغُلامُ: نَعَمْ، فَلا حَيَّاهُ اللّٰهُ، انظُرْ أَيُّها المَلِكُ ما صَنَعَ بِظَهْرِي، وَأَراهُ آثارَ الضَّرْبِ، فَقَبْلَ ذلِكَ مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ فِي نُدَمائِهِ، فَبَيْنا هُوَ يُحَدِّثُهُ يَوْماً إِذْ قالَ لَهُ: أَيُّها المَلِكُ، إِنَّ أَبِي وَإِنْ كانَ مُسِيئاً فَلَسْتُ أَدَعُ أَنْ أَقُولَ الحَقَّ، قَدْ وَاللّٰهِ نَصَحَكَ أَبِي، ثُمَّ أَنْشَأُ يَقُولُ:
فيا لَكَ نُصحةً لَمّا نَذُقها أَراها نُصحةً ذَهَبتْ ضَلالا
ثُمَّ تَرَكَهُ أَيّاماً، وَقالَ لَهُ بَعْدَ ذلِكَ: أَيُّها المَلِكُ، ما تَقُولُ فِي حَيَّةٍ قَدْ قُطِعَ ذَنَبُها وَبَقِيَ رَأْسُها؟ قالَ: ذاكَ أَبُوكَ وَصَنِيعُهُ بِالرَّجُلَيْنِ ما صَنَعَ، قالَ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَاللّٰهِ ما قَدمَ رِزاحٌ إِلّا لِيَثْأَرَ بِهِما، فَقالَ لَهُ: وَما آيَةُ ذلِكَ؟ قالَ: اسْقِهِ الخَمْرَ ثُمَّ ابْعَثْ إِلَيْهِ عَيْناً يَأْتِكَ بِخَبَرِهِ، فَلَمّا انْتَشَى صَرْفُهُ إِلَى قُبَّتِهِ وَمَعَهُ بِنْتٌ لَهُ، وَبَعَثَ عَلَيْهِ عُيُوناً، فَلَمّا دَخَلَ قُبَّتَهُ قامَتْ إِلَيْهِ ابْنَتُهُ تُسانِدُهُ فَقالَ:
دَعِينِـي مِنْ سِنادِكِ إِنَّ حَزْناً وَسـَهْلاً لَيْـسَ بَعْـدَهُما رُقُودُ
أَلَا تَسـَلِينَ عَـنْ شِبْلَيَّ ماذا أَصابَهُما إِذا اهْتَرَشَ الْأُسُودُ
فَإِنِّي لَوْ ثَأَرْتُ الْمَرْءَ حَزْناً وَسـَهْلاً قَدْ بَدا لَكِ ما أُرِيدُ
فَرَجَعَ القَوْمُ إِلَى المَلِكِ فَأَخْبَرُوهُ بِما سَمِعُوا، فَأَمَرَ بِقَتْلِ النَّهْدِيِّ رِزاحٍ، وَرَدَّ زُهَيْراً إِلَى مَوْضِعِهِ.
وَقد امتدَّ العمرُ بزُهَيْرٍ وفي آخر حياتِهِ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَكانَ يَخْرُجُ تائِهاً لا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، فَتَلْحَقُهُ المَرْأَةُ مِنْ أَهْلِهِ وَالصَّبِيِّ، فَتَرُدُّهُ وَتَقُولُ لَهُ: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكَ الذِّئْبَ أَنْ يَأْكُلَكَ. وَذَكَرَ حَمّادُ الرَّاوِيَةُ أَنَّ زُهَيْراً عاشَ أَرْبَعَمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، فَرَأَتْهُ ابْنَةٌ لَهُ فَقالَتْ لاِبْنِ ابنِها: خُذْ بِيَدِ جَدِّكَ، فَقالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقالَ: فُلانُ بنُ فُلانِ بنِ فُلانَةٍ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أَبَـــنِـــيَّ إِن أَهــلِك فَــإِنّ ي قَـد بَـنَـيـتُ لَكُـم بَـنِيَّه
وَالمَــوتُ خَــيــرٌ لِلفَــتــى وَليَهـــلِكَـــن وَبِهِ بَــقِــيَّه
مِن أَن يُرى الشَيخَ البَجا لَ وَقَـد يُهـادى بِـالعَـشِيَّه
ماتَ زُهَيْرٌ مُنتحِراً، فَقَدْ وَرَدَ فِي (الشِعْرِ وَالشُعَراءِ) أَنَّهُ أَحَدُ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ شَرِبُوا الخَمْرَ صِرْفاً حَتَّى ماتُوا، وَهُمْ: زُهَيْرُ بنُ جَنابٍ، وَأَبُو بَراء عامِرٌ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ عَمٌّ لَبِيدٍ، وَعَمْرُو بنُ كُلْثُومٍ التَّغْلِبِيُّ. فَأَمّا زُهَيْرٌ فَإِنَّهُ قالَ ذاتَ يَوْمٍ: إِنَّ الحَيَّ ظاعِنٌ، فَقالَ عَبدُ اللّٰهِ بنُ عُليْمٍ بنِ جَنابٍ ابنُ أَخِيهِ: إِنَّ الحَيَّ مُقِيمٌ، فَقالَ زُهَيْرٌ: مَنْ هذا المُخالِفُ لِي؟ قالُوا: ابنُ أَخِيكَ، قالَ: فَما أَحَدٌ يَنْهاهُ، قالُوا: لا، قالَ: أَرانِي قَدْ خُولِفْتُ، فَدَعا بِالخَمْرِ فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُها صِرْفاً حَتَّى قَتَلَتْهُ.
وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 60ق.هـ/564م.
كانَ زهيرُ بنُ جَنابٍ سَيّدَ قَومهِ وقائِدَهم فِي حُروبِهم، فِأكثرُ شِعرِهِ في الحَماسَةِ والفِخرِ وذِكرِ الوَقائِعِ والمَعاركِ.
عُمِّرَ زُهيرٌ طَويلاً، وفِي شِعرِهِ ذِكرٌ لِطولِ عُمرِهِ وذَمٌّ لِلكبرِ وطُولِ الحَياةِ، مِن ذلكَ قَولُهُ:
أَبَـــنِـــيَّ إِن أَهــلِك فَــإِنّ ي قَـد بَـنَـيـتُ لَكُـم بَـنِيَّه
وَالمَــوتُ خَــيــرٌ لِلفَــتــى وَليَهـــلِكَـــن وَبِهِ بَــقِــيَّه
مِن أَن يُرى الشَيخَ البَجا لَ وَقَـد يُهـادى بِـالعَـشِيَّه
وقوله:
لَقَـدْ عُمِّـرْتُ حَتَّـى لا أُبَـالِي أَحَتْفِـي فِي صَباحِيَ أَمْ مَسائِي
وَحُـقَّ لِمَـنْ أَتَتْ مِئِتانِ عامًا عَلَيْـهِ أَنْ يَمَـلَّ مِـنَ الثَّواءِ
ارْفَـعْ ضـَعِيفَكَ لا يُحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ يَوْماً فَتُدْرِكَهُ الْعَواقِبُ قَدْ نَما
يَجْزِيـكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ أَثنى عَلَيْكَ بِما فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى
وقد ذكرَ ابنُ قُتيبةَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سَمعَ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها وهي تَتمثَّلُ بِهِ، فَكانَ يَقولُ لَها: "كَيفَ الشِّعرُ الَّذي كُنتِ تَتمثَّلينَ بِهِ" فإِذا أنْشدتْهُ إيّاهُ قالَ: "يا عائشةُ إنَّهُ لَا يَشكُر اللهَ مَن لا يَشكر النَّاسَ"
(ابنُ سلّام الجُمحيّ/ طبقاتُ فُحولِ الشُّعراء).
(أبو القاسم الآمديّ/ المُؤتلف والمُختلف من أسماء الشُّعراء)
(ابن سعيد الأندلسيّ/نشوة الطرب).
(أبُو الفرجِ الأَصفهانِيّ/ الأَغاني).
(أَبو الفَرجِ الأَصفهانِيّ/ الأَغاني).