
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
مَعْنُ بنُ أَوْسٍ، مِنْ قَبِيلَةِ مُزَينَةَ، شاعِرٌ فَحْلٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ وَالإِسْلامَ، وَكانَ مُعاوِيَةُ وَعَبْدُ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ يُقَدِّمانِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ، وَلَهُ مَدائِحُ فِي جَماعَةٍ مِن الصَّحابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبّاسٍ وَعَبْدُ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طالِبٍ، وَكانَ يَعِيشُ فِي ضَيْعَةٍ قُرْبَ المَدِينَةِ، وَرَحَلَ إِلَى الشّامِ وَالبَصْرَةِ فِي تِجارَتِهِ، وَكُفَّ بَصَرَهُ فِي أَواخِرِ أَيّامِهِ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
مَعْنُ بنُ أَوْسِ بنِ نَصْرِ بنِ زِيادِ بنِ أَسْعَدَ بنِ سُحَيْمِ بنِ عَدِيِّ بنِ ثَعْلَبَةَ بنِ ذُؤَيْبِ بنِ سَعْدِ بنِ عِداءِ بنِ عُثْمانَ بنِ عَمْرِو بنِ اُدِّ بنِ طابِخَةَ بنِ إِلْياسَ بنِ مُضَرَ.
وَأُمُّ عُثْمانَ بنِ عَمْرِو مُزَينَةُ بِنتُ كَلْبِ بنِ وَبرَةَ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ فَنُسِبُوا إِلَيْها. وَقَبِيلَةُ مُزَينَةَ نَبَغَ فِيها غَيْرُ شاعِرٍ أَشْهَرَهُمْ زُهَيْرُ بنُ أَبِي سُلْمَى وَابْنُهُ كَعْبٌ، وَكانَ مُعاوِيَةُ يَقُولُ: كانَ أَشْعَرُ أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ مِنْهُمْ وَهُوَ زُهَيْرٌ وَأَشْعَرُ أَهْلِ الإِسْلامِ مِنْهُمْ وَهُوَ ابْنُهُ كَعْبٌ وَمَعْنُ بنُ أَوْسٍ.
وَلمعنٍ عدّةُ زوجاتٍ ذكر مِنهنَّ أُمُّ حقَّة وثور، وَقَدْ تَزَوَّجَ أُخْرَى حِينَ سافَرَ إِلَى البَصْرَةِ وَهِيَ لَيْلَى ثُمَّ طَلَّقَها. وَرُوِيَ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَةً لَهُ وَكانَتْ أُخْتَ صَدِيقٍ لَهُ، فَآلَى صَدِيقُهُ أَنْ لا يُكَلِّمَهُ أَبَداً فَقالَ مَعْنٌ قَصِيدَتَهُ:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ عَلَى أَيِّنَا تَعدُو الْمَنِيَّةُ أَوَّلُ
ورَوى صَاحبُ (الأَغانِي) أَنَّ مَعْنَ بنِ أَوْسٍ كانَ مِئْناثاً وَكانَ يُحْسِنُ صُحْبَةَ بَناتِهِ وَتَرْبِيَتِهِنَّ، فَوُلِدَ لِبَعْضِ عَشِيرَتِهِ بِنْتَ فَكَرِهَها وَأَظْهَرَ جَزَعاً مِنْ ذلِكَ فَقالَ مَعنٌ:
رَأَيْتُ رِجالاً يَكْرَهُونَ بَناتِهِمْ وَفِيهِنَّ لا تَكْذِبْ نِساءٌ صَوالِحُ
وَفِيهِنَّ وَالأَيّامُ يَعْثُرْنَ بِالفَتَى نَوادِبُ لا يَملَلْنَهُ وَنَوائِحُ
عاشَ مَعنُ بنُ أوْسٍ فِي بَلْدَةِ عَمْقٍ مَوضِعٌ قُربَ المَدينةِ وهو من بلاد مزينة وَكانَتْ لَهُ فيها ضَيْعَةٌ مِنْ النَّخِيلِ، وَهُوَ شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ فَقَدْ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَلا تَذْكُرُ المَصادِرُ ظُرُوفَ إِسْلامِهِ وَتارِيخَهُ، وَوَرَدَ أَنَّهُ لَمْ يَكَدْ يَأْخُذُ بِنَصِيبٍ مِنْ الغَزَواتِ والفُتُوحِ كَما أَشارَ بروكلمان فِي (تارِيخِ الأَدَبِ العَرَبِيِّ). وَلكِنَّهُ كَما وَرَدَ فِي (الأَغانِي) لَهُ مَدائِحُ كَثِيرَةٌ فِي أَصْحابِ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَفَدَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطّابِ مُسْتَعِيناً بِهِ عَلَى بَعْضِ أَمْرِهِ وَخاطَبَهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُها:
تَأَوَّبَهُ طَيْفٌ بِذاتِ الجَراثِمِ فَنامَ رَفِيقاهُ وَلَيْسَ بِنائِمِ
وَكانَ مَعنُ مِمَّنْ يَتَكَسَّبُ بِشِعْرِهِ وَيَرْحَلُ لِمَدْحِ السّادَةِ وَالأَشْرافِ، يُرْوَى أَنَّهُ قَدمَ مَكَّةَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمْ يُحْسِنْ ضِيافَتَهُ فَتَرَكَهُ وَذَهَبَ إِلَى عُبَيدِ اللّٰهِ بنِ العَبّاسِ، فَقَراهُ وَحَمَلَهُ وَكَساهُ، ثُمَّ أَتَى عَبْدَ اللّٰهِ بْنَ جَعْفَرٍ وَحَدَّثَهُ حَدِيثُهُ، فَأَعْطاهُ حَتَّى أَرْضاهُ، وَأَقامَ عِنْدَهُ ثَلاثاً ثُمَّ رَحَلَ. فَقالَ يَهْجُو ابْنُ الزُّبَيْرِ وَيَمْدَحُ ابنَ جَعْفَرٍ وَابنَ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّٰهُ تَعالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ:
ظَلِلْنــا بِمُسْــتَنِّ الرِّيـاحِ غُدّيَّـة إلى أَنْ تَعالى اليَومُ فِي شَرِّ مَحضَرِ
لَدى ابـن الزُّبَيرِ حابِسينَ بِمَنزِلٍ مِنَ الخَيرِ وَالمَعْروفِ وَالرَّفْدِ مُقْفِرِ
رَمانـا أَبـو بَكرٍ وَقَد طالَ يَومُنا بِتَيـسٍ مِـنَ الشَّاءِ الحِجازِيِّ أَعفَرِ
وَيَبْدُو أَنَّ مَعناً كانَ كَثِيرَ الأَسْفارِ سَواءٌ فِي تِجارَتِهِ أَمْ لِلتَّكَسُّبِ مِن شِعْرِهِ، وَفِي إِحْدَى أَسْفارِهِ إِلَى الشَّامِ خَلّفَ ابْنَتَهُ لَيْلَى فِي جِوارِ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ -وَأُمُّهُ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللّٰهُ تَعالَى عَنْها- وَفِي جِوارِ عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ تَعالَى عَنْهُ. فَقالَ لَهُ بَعْضُ عَشِيرَتِهِ: عَلَى مَنْ خَلَّفْتَ ابْنَتَكَ لَيْلَى بِالحِجازِ وَهِيَ صِبِيَّةٌ لَيْسَ لَها مَنْ يَكْفَلُها؟ فَقالَ مَعنٌ رَحِمَهُ اللّٰهُ تَعالَى:
لَعَمْـرُكَ مـا لَيلى بِـدارِ مَضِيعَةٍ وَما بَعْلُها إِنْ غابَ عَنْها بِخائِفِ
إِنَّ لَهـا جـارَيْنِ لَن يَغدِرا بِها رَبِيـبَ النَّبيِّ وَابنَ خَيرِ الخَلائِفِ
وَسافَرَ مَعْنٌ كَذلِكَ إِلَى البَصْرَةِ، وَيُرْوَى أَنَّهُ عِنْدَما قَدمَ البَصْرَةَ قَعَدَ يُنْشِدُ فِي المربَدِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ الفَرَزْدَقُ فَقالَ: يا مَعنُ مَن الَّذِي يَقُولُ:
لِعَمْرُكَ ما مُزَيْنَةُ رَهْطُ مَعنٍ بِأَخْفافٍ يَطَأْنَ وَلا سَنامِ
فَقالَ مَعنٌ: أَتَعْرِفُ يا فَرَزْدَقُ الَّذِي يَقُولُ:
لِعَمْرُكَ ما تَمِيمٌ أَهْلُ فَلجٍ بِأَرْدافِ المُلُوكِ وَلا كِرامُ
فَقالَ الفَرَزْدَقُ: حَسْبُكَ إِنَّما جَرَّبْتُكَ. قالَ قَدْ جَرَّبْتَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ. فَانْصَرَفَ وَتَرَكَهُ.
وَقصدَ البَصْرَةَ لِيَمْتارَ مِنْها وَيَبِيعَ إِبِلاً لَهُ، فَلَمّا قَدمَها نَزَلَ بِقَوْمٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ، فَتَوَلَّتْ ضِيافَتُهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ يُقالُ لَها لَيْلَى، وَكانَتْ ذاتَ جَمالٍ وَيَسارٍ، فَخَطَبَها فَأَجابَتْهُ فَتَزَوَّجَها، وَأَقامَ عِنْدَها مُدَّةً ثُمَّ أَرادَ العَوْدَةَ لِأَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنَها أَنْ يَعُودَ بَعْدَ سَنَةٍ، فَلَمّا أَبْطَأَ عَلَيْها رَحَلَتْ إِلَى المَدِينَةِ، وَهُناكَ الْتَقَتْهُ وَعَلَيْهِ مُدرعَةٌ مِنْ صُوفٍ وَبتٌّ مِنْ صُوفٍ أَخْضَرَ، فَغَسَلَتْ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ، وَأَلْبَسَتْهُ ثِياباً لَيِّنَةً، وَطَيِّبَتَهُ، وَأَقامَ مَعَها لَيْلَتَهُ. ثُمَّ غَدا إِلَى عَمْقٍ فَجَهَّزَ لَها طَعاماً وَنَحَرَ ناقَةً وَغَنَماً وَقَدمَتْ عَلَى الحَيِّ وَكانَتْ لِمَعْنٍ امْرَأَةٌ بِعَمْقٍ يُقالُ لَها أُمُّ حقّة. فَقالَتْ لِمَعنٍ: هذِهِ وَاللّٰهِ خَيْرٌ لَكَ مِنِّي، فَطَلِّقْنِي، وَكانَتْ قَدْ حَمَلَتْ فَدَخَلَهُ مِنْ ذلِكَ وَقامَ. ثُمَّ إِنَّ لَيْلَى رَحَلَتْ إِلَى مَكَّةَ حاجَّةً، فَلَمّا رَجَعْتُ قالَ لَها مَعنٌ: لَوْ أَقَمْتِ سَنَتَنا هذِهِ حَتَّى نَحجَّ مِنْ قابِلٍ ثُمَّ نَرْحَلُ إِلَى البَصْرَةِ، فَقالَتْ: ما أَنا بِبارِحَةٍ مَكانِي حَتَّى تَرْحَلَ مَعِي إِلَى البَصْرَةِ أَوْ تُطْلِّقَنِي. فَقالَ: أَما إِذْ ذَكَرْتِ الطَّلاقَ فَأَنْتَ طالِقٌ. فَمَضَتْ إِلَى البَصْرَةِ، وَمَضَى إِلَى عَمْقٍ، فَلَمّا فارَقَتْهُ وَتَبِعَتْها نَفْسَهُ، فَقالَ فِي ذلِكَ:
تَــوَهَّمتُ رَبْعـاً بِـالمَعبِّرِ واضـِحاً أَبَـتْ قَرَّتـاهُ اليَـومَ إِلّا تَراوَحـا
أَرَبَّـــتْ عَلَيـــهِ رادَةٌ حَضــرَمِيَّةٌ وَمُرتَجِــزٌ كَــأَنَّ فيـهِ المَصابِحا
فَقـولا لِلَيلـَى هَـل تُعَـوِّضُ نادِمـاً لَــهُ رَجْعَـةٌ قـالَ الطَّلاقَ مُمازِحـا
فَـاِن هِـيَ قـالَت لا فَقولا لَها بَلى أَلا تَتَّقيـنَ الجارِيـاتِ الـذَّوابِحا
فَلَمّا رَجَعَ قالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حقّة: ما فَعَلَتْ لَيْلَى؟ قالَ: طَلَّقْتُها. قالَتْ وَاللّٰهِ لَوْ كانَ فِيكَ خَيْرٌ ما فَعَلْتَ ذلِكَ، فَطَلِّقنِي أَنا أَيْضاً. فَقالَ لَها مَعْنٌ:
أَعـاذِلَ أَقْصِري وَدَعِي بَياتِي فَإِنَّــكَ ذاتُ لَومـاتٍ حُمـاتِ
فَـإِنَّ الصُّـبْحَ مُنتَظَـرٌ قَريبٌ وَإِنَّـكِ بِالمَلامَـةِ لَن تُفاتِي
نَـأَتْ لَيلَى فَلَيلَى لا تُواتِي وَضَـنَّت بِـالمَوَدَّةِ وَالبَنـاتِ
وَقَدْ ساءَتْ حالُ مَعنٍ حِينَ كَبِرَ فَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ وَافْتَقَرَ، ذَكَرَ صاحِبُ (الأَغانِي) أَنَّ عُبَيدَ اللّٰهِ بنَ العَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ مَرَّ بِمَعْنِ بنِ أَوْسٍ المُزَنِيِّ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ فَقالَ لَهُ: يا مَعنُ، كَيْفَ حالُكَ؟ فَقالَ لَهُ: ضَعُفُ بَصَرِي وَكَثُرَ عِيالِي وَغَلَبَنِي الدَّينُ. قالَ: وَكَمْ دَينُكَ؟ قالَ عَشَرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ. فَبَعَثَ بِها إِلَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِهِ مِنْ الغَدِ فَقالَ لَهُ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ يا مَعنُ؟ فَقالَ:
أَخَذْتُ بِعَيْنِ المَـالِ حَتّـى نَهِكْتُهُ وَبالَــدَّينِ حَتّـى مـا أَكـادُ أُدانُ
وَحَتّى سَأَلْتُ القَرْضَ عِندَ ذَوي الغِنَى وَرَدَّ فُلانٌ حاجَتِي وَفُلانُ
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللهِ: اللهُ المُسْتَعانُ، إِنَّا بَعَثْنا إِلَيْكَ بِالأَمْسِ لُقْمَةً فَما لُكْتَها حَتَّى انْتُزِعَتْ مِنْ يَدِكَ، فَأَيُّ شَيءٍ لِلأَهْلِ وَالقَرابَةِ وَالجِيرانِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ أُخْرَى. فَقالَ مَعْنٌ يَمْدَحُهُ:
وإِنَّــكَ فَــرعٌ مِـن قُرَيـشٍ وَإِنَّمـا تَمُجُّ النَدى مِنها البُحورُ الفَوارِعُ
ثَـوَوا قـادَةً لِلنـاسِ بَطحـاءُ مَكَّةٍ لَهُـم وَسـِقاياتُ الحَجيـجِ الدَوافِعُ
فَلَمّـا دُعـوا لِلمَوتِ لَم تَبكِ مِنهُمُ عَلى حادِثِ الدَهرِ العُيونُ الدَوامِعُ
وَعُمِّرَ بَعدَ ذَلِك إِلَى أَيَّام الْفِتْنَةِ بَينَ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ ومَروانَ بنِ الحَكَمِ.
حدَّدَ الزَّركليُّ فِي (الأَعلام) تَاريخَ وَفاةِ مَعنِ بنِ أَوسٍ بِنحوِ سَنَةِ 64 لِلهِجرَةِ.
وَذِي رَحِمٍ قَلَّمْتُ أَظْفارَ ضِغْنِهِ بِحِلْمِيَ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ لَهُ حِلْمُ
وَذَكَرَ مِنْها أَبْياتاً، فَقالُوا: وَمَنْ قائِلُها يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قالَ: مَعنُ بنُ أَوْسٍ المُزَنِيُّ.
(أبو الفرج الأصفهانيّ/ الأغاني).