
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سَعْيَةُ بنُ غَرِيْضٍ، مِنْ شُعراءِ اليَهودِ المَشهُورِينَ، وَهوَ أَخو السَّمَوْأَلِ الشَّاعِرِ وقِيلَ ابنُهُ، شاعِرٌ مُجيدٌ اختارَ لَهُ الأَصمَعيُّ قَصيدَةً فِي مُختاراتِهِ مَطلَعُها: (أَلا إِنِّــي بَلِيــتُ وَقَـدْ بَقِيـتُ / وَإِنِّـي لَـنْ أَعُـودَ كَمـا غَنِيـتُ) أدرَكَ سَعيةُ الإِسلامَ وأَسلَمَ، وعُمِّرَ طَويلاً، فقد ذُكِرَ أَنَّهُ ماتَ فِي آخِرِ خِلافَةِ مُعاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفيانَ.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هوَ سَعْيَةُ بنُ غَرِيْضٍ (وقِيلَ عَرِيض) بنِ عادِياءَ اليَهودِيِّ، وفِي اسم الشاعر خلاف في المصادر الأدبية ففي (تارِيخ دِمَشق) لِابنِ عَساكرَ وَردَ بِاسمِ سَعيدِ بنِ عَرِيْضٍ، وفي (المُؤتلف والمُختلف مِن أَسماءِ الشُّعراءِ) للآمديِّ ورد اسمه شَعيَة. كما أنَّ هناكَ اختِلافٌ حَولَ صِلَتِهِ بِالسَّموأَلِ الشَّاعِرِ المَعروفِ بِالوفاءِ، فَقد وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ غَريضاً أبا سعيةَ هُو السَّموأَلُ، ووَردَ فِي مَوضِعٍ آخرَ مِنَ (الأَغانِي) أَنَّ السَّموأَلَ جدُّ سَعيةَ، وذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابة) أنَّ سَعْيَةَ هُو ابنُ أَخِي السَّموأَلِ، لكنَّ أَغلَبَ المَصادِرِ الأَدبيَّةِ تَكادُ تُجمِعُ أَنَّ سَعيَةَ هُوَ أَخُو السَّموأَلِ.
ويَنتَسِبُ سَعيةُ إِلى بِيتٍ اشْتُهِرَ بِالمَكانَةِ والسِّيادَةِ، فَقَدْ كانَ أَبُوهُ مَلِكَ تَيْماءَ، وَقَدْ وَرِثَ أَبُوهُ مُلكَ دُومَةِ الجَنْدَلِ وَأَرْضَ تَيْماءَ عَنْ سَلَفِهِ الَّذِينَ دَخَلُوا بِلادَ العَرَبِ مِنْ الشَّامِ، وَكانَ لِجَدِّهِ عادِياءُ حِصْنٌ مَنِيعٌ اشْتُهِرَ بِالأَبْلَقِ، وَبِئْرٌ رَوِيَّةٌ عَذْبَةٌ احْتُفِرَتْ فِيهِ، وَهو أخو السَّمَوْأَلِ الذي مَلَكَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَكان سعيةُ مِنْ بَيْتِ شِعْرٍ كَذلِكَ فَهُوَ شاعِرٌ وَأَبُوهُ شاعِرٌ، وَأَخُوهُ السموأل شاعِرٌ.
ومِن أَبناءِ سَعيةَ أَسِيدٌ وثَعلبةَ، ذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ فِي (الاستيعاب) أَنَّهُما ابنا سَعْيَةَ بنِ عَرِيضٍ وأَنَّهُما مِن الثَّلاثَةِ الَذينَ أَسلَمُوا يومَ قُريظَةَ فَأَحرَزُوا دِماءَهُم وأَموالَهُم.
سَعْيَةُ بنُ غَرِيْضٍ شاعِرٌ يَهُودِيٌّ، عاشَ فِي تَيْماءَ الَّتِي بَيْنَ الحِجازِ وَالشَّامِ، وَكانَتْ مِنَ المَناطِقِ الَّتِي تَمَرْكِزُ فِيها اليَهُودُ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَقَدْ نَشَأَ سَعْيَةُ فِي بَيْتٍ حازَ سِيادَةَ قَوْمِهِ وَاشْتُهِرَ بِالشِّعْرِ، فَأَبُوهُ غَرِيضٌ كانَ شاعِراً وَهُوَ مَلِكٌ تَيْماءَ قَبْلَ أَنْ ينتَقِلَ الملكُ إِلى أَخِيهِ السَّمَوْأَلِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي (نَشْوَة الطَّرَبِ) أَنَّ سَعْيَةَ مَلَكَ كَذلِكَ بَعْدَ أَبِيهِ.
وَأَخْبارُ سَعْيَةَ قَلِيلَةٌ، إِذْ لَمْ يَبْلُغْ مِنَ الشُّهْرَةِ ما بَلَغَهُ أَخُوهُ السَّمُوأَلُ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَأَسْلَمَ، وَعُمِّرَ حَتَّى تُوُفِّيَ فِي أَواخِرِ خِلافَةِ مُعاوِيَةَ كَما ذُكِرَ فِي (الأَغانِي)، وَهذا رُبَّما يُرَجِّحُ أَنَّهُ ابنُ السَّمَوْأَلِ أَوْ حَفِيدُهُ، فَقَدْ تُوُفِّيَ السَّمَوأَلُ حوالي سَنَةَ 65 ق.هـ.
وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو الفَرَج فِي (الأَغانِي) قِصَّةً لِسَعيَةَ مَعَ مُعاوِيَةَ أَثْناءَ خِلافَتِهِ، فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ مُعاوِيَةَ حَجَّ فَرَأَى شَيْخاً يُصَلِّي فِي المَسْجِدِ الحَرامِ عَلَيْهِ ثَوْبانِ أَبْيَضانِ، فَقالَ: مَنْ هذا؟ قالُوا: سَعْيَةُ بنُ غَرِيضٍ، وَكانَ مِنَ اليَهُودِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَدْعُوهُ، فَأَتاهُ رَسُولُهُ فَقالَ: أَجِبْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ ماتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، قِيلَ: فَأَجِبْ مُعاوِيَةَ، فَأَتاهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالخِلافَةِ، فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ: ما فَعَلَتْ أَرْضُكَ الَّتِي بِتَيْماءَ؟ قالَ: يُكْسَى مِنْها العارِي وَيُرَدُّ فَضْلُها عَلَى الجارِ، قالَ: أَفَتَبِيعُها؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: بِكَمْ؟ قالَ: بِسِتِّينَ أَلْفَ دِينارٍ، وَلَوْلا خَلَّةٌ أَصابَتْ الحَيَّ لَمْ أَبِعْها، قالَ: لَقَدْ أُغْلَيْتَ، قالَ: أَمّا لَوْ كانَتْ لِبَعْضِ أَصْحابِكَ لَأَخَذْتَها بِسِتِّمِئَةِ أَلْفِ دِينارٍ ثُمَّ لَمْ تُبَلْ، قالَ: أَجَلْ، وَإِذْ بَخِلْتَ بِأَرْضِكَ فَأَنْشِدْنِي شِعْرَ أَبِيكَ يَرْثِي [بِهِ] نَفْسَهُ، فَقالَ: قالَ أَبِي:
يا لَيْتَ شِعْرِي حِينَ أَنْدُبُ هالِكاً ماذا تُؤَبِّنُنِي بِهِ أَنْواحِي
فَقالَ: أَنا كُنْتُ بِهذا الشِّعْرِ أَوْلَى مِنْ أَبِيكَ، قالَ: كَذَبْتَ وَلَؤُمْتَ، قالَ: أَمّا كَذَبْتُ فَنْعَمْ، وَأَمّا لَؤُمْتُ فَلِمَ، قالَ: لِأَنَّكَ كُنْتَ مَيِّتَ الحَقِّ فِي الجاهِلِيَّةِ وَمَيِّتَهُ فِي الإِسْلامِ، أَمّا فِي الجاهِلِيَّةِ فَقاتَلْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالوَحي حَتَّى جَعَلَ اللّٰهُ عَزَّ وَجَلَّ كَيْدَكَ المَرْدُودَ، وَأَمّا فِي الإِسْلامِ فَمَنَعْتَ وَلَدَ رَسُولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخِلافَةَ، وَما أَنْتَ وَهِيَ، وَأَنْتَ طَلِيقُ ابنُ طَلِيقٍ، فَقالَ مُعاوِيَةُ: قَدْ خَرِفَ الشَّيْخُ فَأُقِيمُوهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأُقِيمَ.
ذكرَ أبو الفرجِ الأَصفهانِيُّ في (الأَغانِي) أَنَّ سَعيةَ تُوفِيَ فِي آخر خِلافةِ مُعاويةَ بنِ أبِي سُفيانَ، وقد عُمّرَ طويلاً، ولمْ يَردْ تاريخٌ مُحدَّدٌ لِوفاتِهِ.
سَعيةُ بنُ الغَريضِ شاعِرٌ يَهودِيٌّ مُقلٌّ وكانَ مِن المُجيدينَ فِي شِعرِهِ، ولَهُ مِن الأَبياتِ الّتي تُنسبُ لهُ يُستشهدُ بِها ويُتمثَّلُ بِها، فَقد وَردَ أَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ كانَ يَستَنشِدُ عائِشةَ رضيَ الله عنها أَبياتَ سعيةَ الَّتي يَقولُ فِيها:
ارْفَـعْ ضـَعِيفَكَ لا يُحِرْ بِكَ ضَعْفُهُ يَوْماً فَتُدْرِكَهُ الْعَواقِبُ قَدْ نَما
يَجْزِيـكَ أَوْ يُثْنِي عَلَيْكَ وَإِنَّ مَنْ أَثنى عَلَيْكَ بِما فَعَلْتَ فَقَدْ جَزَى
وقدْ رُويتْ هذهِ الأَبياتُ لِغيرِهِ مِن الشُّعراءِ. وكَانَ مُعاويةُ يَتمثَّلُ بِقولِهِ:
إِنَّـا إِذا جارَتْ دَواعِي الْهَوَى وَأَنْصــَتَ الســَّامِعُ لِلْقــائِلِ
وَاعْتَلَــجَ الْقَـوْمُ بِأَلْبـابِهِمْ فِـي الْمَنْطِقِ الْفاصِلِ وَالنَّائِلِ
لا نَجْعَــلُ الْباطِـلَ حَقّـاً وَلا نَلِــظُّ دُونَ الْحَــقِّ بِالْباطِـلِ
نَخــافُ أَنْ تَســْفَهَ أَحْلامُنــا فَنَخْمُـلَ الـدَّهْرَ مَـعَ الْخامِـلِ
"وبيتُ السَّموألِ بيتُ الشِّعرِ في يَهود، فإنَّه شاعِرٌ وأَبوهُ شاعِرٌ وأَخوهُ سعيةُ بنُ غَريضٍ شاعرٌ مُتقدِّم مُجيدٌ"
(أبو عبيدة البكري/ سمط اللآلي في شرح أمالي القالي).