
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
سـلَّمتَ بعـد سـُرَى الحيـاةِ وَوَدَّعُـوا
أســفى عليـكَ حفظـتَ قومـاً ضـيّعوا
ذهبـوا بقلبـك عنـكَ يـوم ترَحَّلُـوا
فبـــأى قلـــبٍ بعـــدهم تتوجَّــع
ذهبـوا ولـو نَظـر والقَطين لأَبصروا
ظمــأى حشاشــاتٍ ســقتها الأدمــع
فكــأنهم يـوم الرحيـلِ اليـكَ مـن
إسـرافهم فـى البخـلِ لـم يتطلَّعوا
وكــأنَّ قلبَــكَ فــى دموعِــك ذائبٌ
وكــأن لحمــكَ عــن عظامِـك يُنـزع
وكــأن ظِلَّــك عنــكَ أصـبَح سـائِلاً
وكــأنَّ صــبرَك كــاد مثلـك يجـزع
أتراهمــو ذكــروا زمانَـك حينمـا
كنــتَ الأَريـجَ مـتى سـطعتَ تضـوَّعوا
فــالآنَ ينسـون الـذى صـنع الهـوى
بهـم وهـل ينسـى الهـوى مـا يَصنَع
فاربــأ بنفســك لا يمتـكَ غرامُهـم
إنَّ الغــــرام ســـحابةٌ تتقشـــَّع
لـو كـان ينفـع صـاحبٌ كـان الـذى
أخلقـــتُ أيَّـــامى عليــه ينفــع
قــد كــان يُرتِعُنــى بأنضـرَ جنـةٍ
مــن خُلَقــه يـوم اللقـاءَِ فـأرتع
حتَّــى اذا خــفَّ الزمــان بكفَّــتى
لــم ألــقَ منـه غيـر مـا أَتوقَّـع
حَســبُ الشــبيبةِ أننــى جرَّعتُهــا
لعـــبى وبـــتُّ لجــدِّها أتجنــرع
فــي خيـرِ أعضـاءِ الفـتى شـرٌ لـه
أُذنٌ تنِفّــــرُهُ وعيــــنٌ تُوقــــع
تصـفو الحيـاةُ لجاهـل يُمسـى بهـا
أعمــى أصــمَّ فلا يــرى أو يســمع
ولســـالكٍ ســُبُلَ البلاهــةِ غافــلٍ
لا النــاسُ تردعــهُ ولا هــوَ يُـردع
كـم واقـف لـى فـى الحيـاة بمرصدٍ
ســببَ الوفــاءِ لــه أمـدُّ ويقطـعُ
فنزعــتُ شـيطانَ الخنـا فـى رأسـه
وتركتــــهُ متخبِّطــــاً يتفــــزَّع
شــرُّ الأنــام فــتى يبيحـك عرضـَه
وتصــونُ عرضــَك وهــو فيـه يرتـع
كــثر الحواســد فاســتزدت جلالـةً
وعلمــتُ أنــى مــن يضــرُّ وينفـع
وصـرفتُ نفسـى فـى الحياة الى منًى
لا بــدَّ تُــدرك أو يحيــنَ المصـرعُ
دنيــا كرســتوف الجديـدة أعلنـى
مــا أضـمرته مـن الفضـاء الأضـلعُ
مـاذا يكـون غـداً ومـا هـو كـائن
خلـفَ السـماءِ ومـا الجهـات الأربع
أعرقــتِ مــن عُمـدٍ لهـا أو غايـةٍ
حــتى يحــدَّ بهـا الفضـاء الأوسـع
أبنـــوك جــنٌ أم رجــالٌ مثلنــا
أم هــم حديــدٌ أم لظًــى تتــدفَّع
مـن كـل مقتبـلِ الصـبا فـى بُـردِه
يَســــتقبلُ الأَيـــامَ شـــَيخٌ أروَع
صــــبٌّ بأبكـــارِ العلا غرمـــاتُه
أشــــراكُهنَّ وطيرهــــنَّ الوُقَّـــع
ولــه بظهــر الغيــب أذنٌ تقتفِـى
أَثَــرَ القضــاءِ ومقلــةٌ لا تهجــع
وعليــه يعــرض كــلُّ وحــىٍ نفسـَه
ضــَرِعاً علــى بـابِ النهَـى يتشـفَّع
قــوم مـن الجنَّـان تختطـف الـدَجى
مــن حجــر أُمِ الليـلِ وهـو مَـدرَّعُ
المرهفــونَ مــن الحديــد مرجِّعـاً
يمضــى المغنــى والحديــدُ يرَجِّـعُ
البـالغوا أهـلَ الشـَّمالِ وسـاكنوا
عــرضَ الهــواءَِ فكــلُّ جــوٍّ مرتـع
رفعـوا المعـارجَ للسـماواتِ العلا
وتفرَّقــوا فــى عرضــِها وتجمَّعـوا
وزَنُـوا الريـاحَ ووزَّعوا شمس الضحى
ليلاً فأمســت فــى الــديار تُـوزَّع
طـاروا بأمثـال القصور الى السها
تخِـذوا الهـواء مقاعـداً وتربَّعـوا
رصــدوا المنـاجمَ والنجـومَ فهـذه
تنشـــقُّ طيِّعـــةً وهـــذي أطـــوَعُ
رفعواالـبيوتَ الـى السماكِ فأصبحت
عُمُــداً يشـدُّ بهـا السـماكُ ويرفَـع
بسطوا المطامعَ فى البحار وأنفَذُوا
رُسـُلَ الرِّيـاحِ الى المحالِ وأرجعوا
ركبـوا الحديـد فهـل لصـالح ناقةٌ
تَمضــى فتحســدها الـبروقُ اللمَّـع
شــقُّوا البحـارَ فهـل لموسـى آيـةٌ
بعصـــاه يتلوهــا فتــاه يوشــع
بـل أنطقـوا المـوتَى وعيسـى شاهد
بــالغيب يبصـرُ مـا يكـونُ ويسـمعُ
تلــك الطبيعـةُ مـا تكـون فإنهـا
اُمٌّ لنــا تَلِــدُ العقــولَ وتُرضــِع
تلـك الحقـول ومـا الذى تنميه بل
مــا هــؤلاء الجــن فيهــا تـزرعُ
بـل كيـف هـذا النـاسُ يخلُـقُ نفسَه
ويحــلُّ معقــود القضــاءِ ويصــدَع
بـل كيـف سـادَ المعجزيـن وأصـبحت
تخشــَى عزائمَــه الســيوف القُطَّـع
بــل كيـف صـار مهيمنـاً ومسـيطرا
ينهَــى ويــأمر والمقــادر طُيَّــع
يـا رب هـل أمسـى ابـنُ آدَمَ قائما
بـالأَمر يحفـضُ فـى الوجـود ويرفـع
آمنـــتُ بــالله الــذى لا غيــره
فـى الكـون يُعطـى مـن يشاء ويمنع
أرضٌ بهــا الســُّورىُّ أكــبرُ همــةً
منـــه بشـــرقيِّ الشــآم وأشــجع
يمضــي اليهــا والعزيمــةُ عــدَّةٌ
شـــَبِقاً بـــادراك العلا لا يقنــع
غُصـــَّت بـــه فكــأنَّ كــلَّ ثنيــةٍ
يشـــدو بمنبرهــا خطيــب مصــقع
لــــم ينــــسَ أن بلاده عربيـــةٌ
وجــدودهُ القــدماء فيهــا تُبَّــعُ
وكــرائمُ الأحجــار أيــن وضـعتَها
ليســت تحـول ولـو يحـولُ الموضـع
وتسـابقت فيهـا النسـاءُ علـى هدًى
فطريقهــنَّ الــى الأمــانى مَهيــع
مــن كـلِّ بكـرٍ تُيِّمـت بـابن العلا
ومــن العفـافِ علـى سـناها بُرقـع
شـــرقيَّةٌ فـــى طبعهـــا غربيــةٌ
فـــى فعلهــا وحريصــةٌ لا تُخــدع
واذا تقنَّعـــت الأوانــسُ بــالتُّقى
فلأى شـــــيءٍ بعــــده تتقَنَّــــع
ولقـد جهلـتُ كيـانَ مصـرَ فهـل ترى
بابــاً الـى تلـك الطريـقِ فتقـرع
لا ديــنَ فــى مصــرٍ فيهـديها ولا
خُلُــــقٌ يكونهــــا ورأىٌ يجمـــع
مــا هــذه الأيــام غيــر ضـيافةٍ
والنـــاس فيهــا راحــلٌ ومــودّع
عبد الحليم حلمي بن إسماعيل حسني المصري.شاعر، قارب النبوغ وحالت منيته دونه.ولد في قرية (فيشا) من دمنهور (بمصر) والتحق بالمدرسة العسكرية.ثم توظف بالسودان، واستقال، وكانت له في أواخر أيامه حظوة عند الملك أحمد فؤاد حتى دعي شاعره، وتوفى بالقاهرة.له (ديوان شعر-ط) ثلاثة أجزاء صغيرة، و(الرحلة السلطانية-ط) جزآن.