
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
تَـذَكّرتُ أَوطَـاني عَلـى شـَاطِىء النّهـرِ
فَجَـاشَ لهِيـبُ الشـّوقِ فـي مَوضـعِ السرِّ
وَأرسـلتُ دَمعـاً قَـد جَنَتـهُ يَـدُ النّوَى
عَلَــيّ فَأمســى فــيّ مُنتَحِــبَ القَطـرِ
عَــدُوّانِ مُنــذُ البَـدءِ لكـن لِشـقوَتي
قَـدِ اتّفقَـا أن أقضـيَ العمـرَ بالقَهرِ
فَلا النّــارُ فـي صـَدري تُجَفّـفُ أدمُعـي
وَلا عَبَرَاتـي تُطفِىـءُ النّـارَ فـي صَدري
كَــأنّ نَصــِيبي بَــاتَ بَحــرَ مَصــَائِبٍ
لَــهُ أَبــداً مَــدٌّ بِقَلــبي بِلا جَــزرِ
أُكَتّـــمُ صــَبري والخُطــوبُ تَنوشــني
وَهَيهـات أن تَقـوى الخُطـوبُ على صبري
يُرَوّعُنـــي بِـــالهَجرِ دهــري كَــأنّهُ
عَلِيـمٌ بـأني لَسـتُ أخشـى سـِوَى الهَجرِ
وإنــي لَـدى دُهـم اللّيـالي وَجورِهَـا
ضــَحوك المُحَيّـا غيـر مضـطرِبِ الفِكـرِ
أصــُوغُ القَــوَافي حَالِيَــاتٍ نُحورهـا
عَــرَائس أبكــارٍ بَــرَزنَ مِـن الخِـدرِ
إِذا مَــا نّسـِيمُ الشـوقِ هَـزّ قَريحَـتي
تَسـَاقَطَ منهـا الـدرّ فـي رَوضَةِ الشّعرِ
بنوهــا بُرُوجــاً خَافِقَــاتٍ بنودهــا
عَلــى قِمَـمٍ بـاتَت تعـز علـى النّسـرِ
تضــيءُ بهــا الأنــوَارُ لَيلاً كَأَنّهــا
تَلــوحُ لَنَـا بيـن الكَـواكِبِ والزّهـرِ
إِذا لَمحَتهــا الشـمسُ تبـدُو لشـنَاظِرٍ
عـرَائِس تجلـى فـي ثيـابٍ مـن التّـبرِ
وإِن ضــَحِكَ الــبرقُ الهَتُـونُ مُـداعِباً
ذُرَاهَـا انشـَني بيـنَ المَخافَةِ والذّعرِ
تَمُـرّ الرَيـاحُ الهُـوجُ غَضـبى عَوَاصـِفاً
علــى كـلِّ بُـرجٍ شـامخٍ باسـم الثغـرِ
كـــأنَّ يَــدَ الأَيَّــامِ عنــهُ قصــيرةٌ
وطـرف الليالي تاهَ في المَهمَةِ القَفرِ
كَـــأنيَ بالصــبواي يَــومَ تَجَمهَــرَت
بها الناس خلتُ الناس في موقفِ الحَشرِ
تَــرُوحُ بهــا الكــارات مَلأى خَلائِقـاً
وترجِــعُ فِيهــا مُثقَلاتٍ إِلــى الجِسـرِ
ومـــا ضــَرّهَا والكَهربــاء تَجُرّهَــا
وكـم مثلهـا مـن فوقها قد غدَت تجري
عجِبـــتُ لأرضٍ كيـــفَ غَصــّت بِشــَعبِها
ومـا برِحَـت تلقـى التهـافُتَ بالبشـرِ
فيَحسـدُ مَـن فـي الظهر مَن سارَ بطنها
ويحسدُ مَن في البَطنِ مَن سارَ في الظهرِ
ونهـــر تَمُـــرّ القَــاطِرَاتُ بِجَــوفِهِ
يَبِيــتُ خَلِــيّ البَـالِ منشـرِحَ الصـّدرِ
حَكـى القُبّـةَ الزرقـاء تسـري بَـوَاخِرٌ
عَلَيـــهِ بِــانوَارٍ كَأفلاكِهَــأ تَســري
إِذا لَعلَــعَ الرّعــدُ الهَتـونُ بِجَوّهَـا
غَضـُوباً أَجـابَتهُ للبَـوَاخِرُ فـي النّهرِ
تخــافُ اصــطدِاماً فـي دُجـاهُ كَأنّهـا
تقــولُ لَـهُ يـا رَعـدُ لا تعتمِـد ضـرّي
وَكَــم رَوضــةٍ غَنّــاءَ هَــبّ نَســِيمُها
فَأحيَــا فُــؤاداً كـانَ ظُلمَـةِ القَـبرِ
تَــرى الغِيـدَ فِيهَـا كَالظّبَـاءِ بمكّـةٍ
ســَرحنَ ولكــن صــَيدُهُنّ مِــنَ الكُفـرِ
وكـم لَليلَـةٍ فـي ظِلّهـا قـد قضـَيتُها
إِذا مـا ذكـرتُ الأهلَ أبكي لدى الذكرِ
وكَــم هَيّجَــت قَلــبَ المَشـوقِ حَمامـةٌ
بتغريـدها مـن فـوقِ أغصـَانَها الخُضرِ
كَـــأني وَإيّاهَــا غَريبَــانِ نَشــتَكي
صـُروفَ اللّيـالي واللّيـالي بنَا تُزري
فللــه مـا أحلـى اعتِزَالـي ومَـدمَعي
يُنَقِّـطُ مـا يَحلـو مِـنَ النّظـمِ والنّثرِ
وَلَيّنَــةُ الأعطـافِ منهـا أخـو الهَـوَى
يُكابِــدُ قَلبـاً قاسـِياً قُـدّ مِـن صـَخرِ
تُنَـــأدي إذا غازَلتَهـــا مُتَصـــَبّباً
ألا فَــاعجَبُوا إنــي ســَكَِرتُ بِلا خَمـرِ
تَفــوقُ الظّبــاءَ الشــارداتِ تَلَفّتـاً
وأيــن قَضـِيبُ الخيـزرَانِ مِـنَ الخَصـرِ
لهــا طَلعَــةٌ كالبَـدرِ لَـولا بَهاؤهَـا
مشـيت بلَيـلٍ حالـكٍ مـن دُجَـى الشـّعرِ
إذا حَـــدّثَت صـــَبّاً يــذوبُ صــبابَةً
وناهِيــكَ عـن غُنـجٍ هُنـاكَ وعـن سـِحرِ
فَيَـا لـكِ مـن أرضٍ تسـامَت بها النُّهَى
فَأَمسـَت بـأعلى المَجـدِ صـاحبة الأمـرِ
فَكَـم عـالم كـالبحرِ فيها إذا انبَرَى
علــى مِنبَــرٍ يَومــاً تَلَقّــظَ بِالـدُّرِّ
ومخـــترِعٍ قَـــد طَبَّــقَ الأرضَ صــِيتُهُ
وسـارَت بِـهِ الأمثَـالُ في البَرِّ والبَحرِ
رجــالٌ لهــم فــي كـلّ يـومٍ عَجَـائِبٌ
كَـانّهمُ فـي الـدهرِ فازُوا على الدّهرِ
فخاضـُوا عَجـاجَ البَحـرِ والبحـرُ صَاغِرٌ
ودّكّـوا فِجـاجَ الـبرِّ رُغمـاً عـن البَرِّ
وشــَقَت أديــمَ الجــوِّ فيهـمِ مَراكِـبٌ
ولـم يَختَشـوا فـي الجَـوِّ عاقِبَةَ الأمرِ
لهُــم هِمَــمٌ لَــو كـانَ للأرضِ مثلهـا
لَفَكّـــت قُيُــودَ الجاذبِيّــةِ والأســرِ
كــأنَّ الــذي قــد كَـوّنَ الأرضَ خصـّهُم
عَلَيهَــــا بِأيّـــامٍ مُحَجَّلَـــةٍ غُـــرِّ
فقلـت لنفسـي وهـيَ حَيـرَى بما احتَوَت
مَدِينَـةُ هـذا العَصـرِ بـل آيـة العَصرِ
مـتى يـا تـرَى السـوريّ ينضـجُ علمُـهُ
ويفخــر فــي أوطّـانِهِ سـاميَ القَـدرِ
فَيَفـــرَح مَحـــزُونٌ وَيَلتَـــذّ نَــازِحٌ
وَيَرجِــع مُشــتَاقٌ ولَــو آخـر العُمـرِ
ورُحــتُ كَــأني بيــنَ مــاضٍ وحاضــِرٍ
وَمُســــتَقبَل الأيّـــامِ أدري ولا أدري
رشيد أيوب.شاعر لبناني، اشتهر في (المهجر) الأميركي، ولد في سبكتنا (من قرى لبنان) ورحل سنة 1889 م، إلى باريس، فأقام ثلاث سنوات، وانتقل إلى مانشستر فأقام نحو ذلك، وهو يتعاطى تصدير البضائع، وعاد إلى قريته، فمكث أشهراً.وهاجر إلى نيويورك، فكان من شعراء المهجر المجلين، واستمر إلى أن توفي، ودفن في بروكلن. كان ينعت بالشاعر الشاكي، لكثرة ما في نظمه من شكوى عنت الدهر.له: (الأيوبيات - ط) من نظمه، نشره سنة 1916، و(أغاني الدرويش - ط) نشره سنة 1928، و(هي الدنيا - ط) سنة 1939.