
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لَقَـد كـان شـَيخٌ بالكرامـةِ يُـذكَرُ
يــدقّ علــى عُـودٍ فَيَسـبي ويسـحُرُ
وكـان برغـدِ العيـشِ ينهَـى ويأمُرُ
فَـأخنى عَلَيـهِ الدهرُ والدهرُ يغدرُ
وَخـــانَتهُ أيــامٌ بُعَيــد مشــيبِ
فَحَــارَبَ بالصـّبرِ الجميـلِ زمـانَهُ
عسـى أنَّ هـذا الصـّبرَ يُصـلح شانَهُ
فلمّـا ابتُلـي بالوُلـدِ عَـضّ بَنانَهُ
وَفَـــارَقَهُ صــَبرٌ لَــدَيهِ وَخــانَهُ
فأصــبحَ مطــرُوداً أســيرَ خطــوبِ
فَخَلّـى عـن الـدّنيَا ومـلّ عِبَادَهـا
وتـاهَ بـأرض اللـهِ يطـوي وهادَها
فضـاقَت بـهِ الـدّنيَا فـذمّ ودادَها
ولمّــا خَلا بــالنفس رامَ رشـادَها
فقـال لهـا يـا نفـس ويحـك ذوبي
فحِينـاً تَـرَى بيـنَ الجبـالِ ظُهورَهُ
وتســمَع بالوِديـانِ طَـوراً زفيـرَهُ
يجـولُ وذاك العُـودُ أضـحى سـميرَهُ
رفيقـاً لَـهُ فـي النّائِبَـاتِ مُجِيرَهُ
علــى صــَدرِه قــد ضــَمّه كحبِيـبِ
فَجَــاءَ إِلــى نهــرٍ لِيَجلِـسَ مَـرّةً
وينفــي همومــاً ضـايقَته وحسـرةُ
فلمّــا رَأى مــاءً وصــَادفَ خُضـرَةً
وضــمّ إِلَيـهِ العـودَ أرسـلَ عَـبرَةً
وحــنّ إِلـى الماضـي حنيـنَ غريـبِ
ومــا زالَ تَـذكارَ الشـبابِ يُـرَدِّدُ
ويَــذرفُ دَمعــاً والحَشــا تَتَوَقّـدُ
يقـــولُ لِنَهـــرٍ مــاؤهُ يَتَجَعّــدُ
ســَلامٌ علــى نهــرٍ غليلـي يُبَـرِّدُ
إِذا جئتُــهُ أُنهــي عنـاء كروبـي
فلمّـا انبَـرى هـذي الحَيـاةَ يودّعُ
ويَنحــرُ نفسـاً طـالَ منهـا توَجّـعُ
وأرســلَ طَرفــاً باهتــاً يَتَطَلَّــعُ
فَشــاهَدَ مـا مِنـهُ الحَشـَا تَتَقَطّـعُ
وَيجــزَعُ منــهُ قلــبُ كــلّ رهيـبِ
رَأى غَــادةً حَسـناءَ حـارَ بأمرِهـا
تلاعــبُ أذيــال النّسـيمِ بشـعرِهَا
فَكَــفٌّ علــى خَــدٍّ وكَــفٌّ بصـَدرها
وتَنــدُبُ كالخنسـاءِ فرقَـةَ صـَخرِها
ومــا مــن سـمِيعٍ صـوتها ومجيـبِ
دنا الشيخُ منها وهوَ يَرثي جمالها
يخاطِبهــا نُصــحاً لِيُنعـمَ بالَهـا
يســائلها لُطفــاً لِتَشـرَحَ حالَهـا
لَعَــلّ هُمُومــاً يَســتطيعُ زوالَهـا
فَتَبقــى بعيــش بالحيــاة خصـيبِ
فقـال لهـا هـل أنـتِ تائِهَـةٌ هُنَا
وتَبكيـنَ مـن فَـرطِ المَشَقّةِ والعنَا
علامَ علامَ ذا البكــاء وذا الضـنى
بعيشـك قـولي هـل تقطعـت المُنـى
وأنــتِ كغصــنٍ بالرّيــاض رَطيــبِ
فـإن كـان لا هـل قـد جفـاك بصَدّه
حــبيبٌ تَجَنّــى فــي هــوَاهُ وودّه
لئن كـان ذاكَ الخِـلّ مـان بوَعـده
فصـبراً علـى حكـم الزمـانِ وكَيده
فبالصــبر تحلـو حـالُ كـل لـبيبِ
ولا ترفضـي مـن ذي الحياة سرورها
وخلّـي إِلـى وقـت المشـيب ثبورها
أمَامــك أيّــامٌ حَــذارِ غُرُورَهــا
تخُــطّ عَلَيهـا النّائِبـاتُ سـُطورَهَا
زمــان لـديه المـوت خيـر طـبيبِ
فَهَمّــت وقلـبُ الشـيخِ زادَ تَلهّبـا
وَرَاحَ إِلـى الحسـنَاءِ يَبغـي تَقَرّبا
ومَـــدّ يَــديهِ للفَتَــاةِ تأدّبــا
وقــال بصــَوتِ المُسـتَجيرِ تَحَبّبَـا
أجيــبي نــدائي يـا ملاك أجيـبي
فقـالت وَدمـعُ العيـنِ يجري بزَفرَة
أيـا شـيخ دعنـي الآن أقضي بحسرة
فمــن حـادث الأيـام أنـي بسـكرَة
لعلــي إذا م امـتّ أحظـى بنَظـرَة
هنالــك ممــن مـات وهـو نصـيبي
فَـواللهِ قـد خَلّفـتُ أهلـي ومنزلي
أرومُ انفصـالَ النفـس منـي بمعزلِ
فَوَاهـاً حبيـبي مـاتَ أمس وليس لي
ســوَى حسـرَتي مـن بعـده وتـذللي
فيـا مـا أُحَيلى الموتَ بعد حبيبي
ومـا برحـت تشكو الزمانَ وما جرى
وتَبكـي انتحابـاً والفـؤادُ تَسَعّرا
فيـا ليـتَ عَنها ما سمعتَ ولن تَرى
بكاهـا وذاك الشـيخ فيهـا تحيّرَا
وأحشـــاؤه ذابــت بحــرّ لهيــبِ
فَلَمّــا دعاهـا للمَسـنونِ المُقَـدَّرُ
رَمَت نفسَها في النَهرِ والشيخُ ينظرُ
وآخِــرُ مــا قـالت أمـوتُ وأُعـذَرُ
عسـى اللـه يعفو عن فعالي ويغفرُ
ويصـفحُ عـن مثلـي ويمحـو ذنـوبي
هـيَ النفـسُ إن مَلّـت وزادَ عَناؤها
وفـازَ علـى طيـبِ الحَيـاةِ شَقاؤهَا
يقـولُ علـى الدنيَا السلام رَجاؤها
كـذا نفـس ذاك الشـيخ عزّ عزاؤها
فـــوَدّعَ عـــوداً قــائلاً بنحيــبِ
أيـا سـَلوَةَ الأحـزانِ فيهـا تَوَلَّعَت
عَواطـفُ أهـل العشـق حيـن تضعضعت
فَلَــولاك آمــالي قــديماً تَقَطّعَـت
فكـم راحـةٍ لـي فيـك منـك توسّعَت
وكـم قلـتَ للنفـس الحزينـة طيبي
فـأنت الـذي يَبكـي بغيـر دمـوعِهِ
حُنُــوَاً وسـكنى الحـبّ طـيّ ضـلوعه
فكـم نحـتَ مُشـتاقاً قضـى بولـوعِهِ
حزينـاً تَفـانى فـي الهَوى بخضوعهِ
بلحــنٍ هــواه العاشــقون مـذيبِ
ويـا مُؤنسـي بعد انفرادي وغربتي
لقـد كنـتَ في الضّراءِ فارجَ كربتي
ولـم تـكُ إِلاّ فيـك لا عنـك رغبـتي
فـأنت مقيـمٌ فـي حضـُوري وغَيبَـتي
بصــَدرٍ إِلـى يـوم النشـور رحيـبِ
عسـى الريـح إن هَبّـت تمِيلُ وتعطفُ
وتحتــكّ بالأوتــارِ منــكَ فـترجُفُ
فيســري حنيــنٌ بـالهَواءِ ويلطُـفُ
ويلمـسُ روحـي فـي الفضـاءِ ويألفُ
فســوفَ تطيـرُ الريـحُ عمـا قريـبِ
ويـا ريشـَةٌ تُملـي معـاني شعورها
فتجلـو لنَا الأوتارُ ما في ضميرِهَا
ويُظهـر معنـى الحبّ ما في سطورها
ومـا أخفَـتِ الرّنّـاتُ عنـد مسيرها
عليــك ســلامٌ فـي الضـحى وغـروبِ
وجـادَت دمـوعُ الشيخِ تهمي بسكبها
وضـاقَت بـه الـدنيا بواسع رحبِها
فـألقى بنَفـسٍ تَبتَغـي عَفـوَ ربّهـا
تهيـمُ اشـتياقاً نحـو مركزِ قطبِها
وقلــبٍ إِلــى دارِ البقـاءِ طـروبِ
رشيد أيوب.شاعر لبناني، اشتهر في (المهجر) الأميركي، ولد في سبكتنا (من قرى لبنان) ورحل سنة 1889 م، إلى باريس، فأقام ثلاث سنوات، وانتقل إلى مانشستر فأقام نحو ذلك، وهو يتعاطى تصدير البضائع، وعاد إلى قريته، فمكث أشهراً.وهاجر إلى نيويورك، فكان من شعراء المهجر المجلين، واستمر إلى أن توفي، ودفن في بروكلن. كان ينعت بالشاعر الشاكي، لكثرة ما في نظمه من شكوى عنت الدهر.له: (الأيوبيات - ط) من نظمه، نشره سنة 1916، و(أغاني الدرويش - ط) نشره سنة 1928، و(هي الدنيا - ط) سنة 1939.