
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
إيـه يـا بلبل ما هذا الجمود
أيـن تغريـدك مـا بيـن الشجر
ابعـث الألحـان في هذا الوجود
واملأ الـدنيا نشـيدا أو سـمر
لا تطــق همــا لحـرب أو سـلام
واتـرك الـدنيا بأهليها تموج
فـي عـراك دائم أو فـي خصـام
تحت سطح البحر أو فوق المروج
ســيمرون كمــا مــر الكـرام
فـي طريـق مـا لهـم منه عروج
لهـف نفسي هل ترى الخير يسود
فيـه عـدل اللَه ما بين البشر
أم يسـود الشـر والدنيا تعود
لحيــاة ليــس فيهــا مسـتقر
إيـه يـا بلبـل قـد طال الأمد
عـن لقانـا يـوم كنا في وفاق
كنـت فـي دنيـا جمـال اسـتمد
منك وحي الشعر في حسن السياق
فغشــى بعــدك عينــي الرمـد
وأصــاب القلــب هـم لا يطـاق
وغـدا الجسـم نحيلا مثـل عـود
وكســى الــرأس بيـاض مزدهـر
هكـذا أحيـا وفكـري فـي شرود
حــائرا بيــن قضــاء وقــدر
عـن لـي يـا طيـر من لحنك ما
يبعـث الآمال في النفس اليؤوس
واحـك لـي هـل زرت قوما حكما
دهرنـا فيهـم بأحكـام المجوس
هـل رأيـت الـوكر أم قد هدما
وغــدا ســكانه تحـت الرمـوس
قـل لـي الحـق ولا تخشـى وعيد
واسـقني الكـأس بحلـو أو بمر
إنمــا الـدنيا نحـوس وسـعود
طعمهــا سـيان عنـد المصـطبر
فـانبرى البلبـل يشـدو نغمـا
لا كشـدو الطيـر أيـام الربيع
إنــه الســحر بفيـه انسـجما
بفصـيح اللفـظ فـي نظـم بديع
قــال والحـزن عليـه ارتسـما
وبـدت فـي العين آثار الدموع
ارع لــي سـمعا ومـولاي شـهيد
إن فـي القصـة ما يدمي الحجر
عشـت دهـرا وسـط غـاب لا وجود
فيــه للحــب ولا جنـس الثمـر
ذئبــه يعــوي إذا جـن الظلام
فتصـيح البـوم مثـل المنـذرة
وزئيـر الأسـد فـي تلـك الأكام
مثـل غـارات الليالي المقمرة
وإذا الشـمس رمـت بعض السهام
أصـــبحت غربـــانه منتشــرة
وعلـت فـي الجو صيحات القرود
والــذي فـي بـاطن الأرض ظهـر
عــالم لا خيــر فيــه وصـعيد
ســاءت العشـرة فيـه والمقـر
مـرت الأيـام فـي طـول السنين
حــافلات بالمآســي المؤلمــة
ذات صـبح بـرح الوجـد الكمين
فسـرت فـي الغـاب منـى نغمـه
هــي تســبيح وشــكوى وأنيـن
وهـــي للقلــب صــلاة قيمــه
تبعث الإيمان في النفس الشرود
وتعيـد الصـبر للقلـب الضـجر
ردد الغـاب صـدى ذاك النشـيد
فـي سكون الفجر كالسحر انتشر
سـمعوا اللحـن فهاجوا ثائرين
ثـم قـالوا وسـط صيحات الغضب
اقتلـوا السـاحر أيـان يكـون
ابحثـوا عنـه أذيقـوه العطـب
قبلمــا يمســخكم مستأنســين
إنــه السـاحر يـأتي بـالعجب
فــاعتراني منهـم خـوف شـديد
وتـــواريت بــأوراق الشــجر
وإذا الشـحرور يـأتي من بعيد
وينــادي يـا عصـافير السـفر
حمـت فـي الجو فألفيت الرفاق
جوقــة مــن عنــدليب وهـزار
وشــحارير ضــناها الاشــتياق
وبخـــاتي وقعـــاري وكنــار
طـرن أسـرابا غـداة الجو راق
صــادحات بأناشــيد الفخــار
مســرعات فــي هبــوط وصـعود
فـي ضياء الشمس في نور القمر
قاصـدات وطـن الشـيخ الشـهيد
فـارس الهيجـا وحاميهـا عمـر
كـــبرت أســرابنا لمــا رأت
روضــة أنهارهـا مـن سلسـبيل
جنــة أشــجارها قــد أينعـت
جوهــا صــاف وواديهـا جميـل
طيرهــا شــاد بأنغــام شـجت
ســامعيها بعـد صـمت مسـتطيل
فـدخلنا الـوكر فـي يوم سعيد
وقضـــيناها ســـويعات غــرر
بينمـا نحـن علـى الماء ورود
إذ ينـادي النحس فينا بالصدر
فــرق الـبين ولـم أقـض وداع
وتركـت القلـب في الوكر رهين
عـدت للغـاب ولو تدري السباع
أننـي عـدت لهـاجت في العرين
غيـر أن الصـمت وهو المستطاع
يخفنـي عنهـم فـبي لا يشـعرون
هكـذا الـدنيا إذا والت فعيد
وإذا ولـــت فشـــر مكفهـــر
حسـبنا الصـبر لهـا حتى تجود
بــالمنى والـدهر ولاد العـبر
أطـرق البلبـل فـي صـمت عميق
ورأيـت الدمع في العينين جال
قلـت لا تيـأس ففـي الجو بروق
لامعــات وغيــوم فـي الشـمال
فـإذا مـا ارعـدت فهـي حريـق
تسـعر الأعـداء فـي تلك التلا
وإلــى أوطاننــا ثـان نعـود
إن يشـاء اللـه فـي وقـت مسر
قـال أسـتودعك اللَـه المجيـد
وإلــى أن نلتقـي أخـرى وفـر
فتلفــــت يمينـــا وشـــمال
باحثـا عـن بلبـل فـي حيرتـي
وإذا البلبـل مـن نسج الخيال
وخيــالي حلــم فــي يقظــتي
لــم أجــد غيــر تلال ورمـال
كنـت فيهـا هائمـا فـي وحدتي
باكيـا حينا كما يبكي الوليد
صـابرا طـورا علـى وخـز الإبر
سـاخطا آنـا علـى هذا الوجود
يائســا حينـا وطـورا منتظـر
إبراهيم بن عمر الكرغلي، الأسطى.شاعر ليبي من قبيلة (الكراغلة)، كان في أطوار حياته أشعر منه في نظمه، ولد في درنة (من مدن برقة) ونشأ يتيماً فقيراً يحتطب ليعيش هو وأمه وأخوات ثلاث له، عمل خادماً في محكمة بلده، فلقنه قاضيها دروساً مهدت له السبيل لدخول مدرسة في طرابلس الغرب، فحاز شهادة (معلم) سنة 1935 ورحل إلى مصر وسورية والعراق والأردن، يعمل لكسب قوته، وأنشأ المهاجرون الليبيون في مصر جيشاً لتحرير بلادهم في أوائل الحرب العالمية الثانية، فتطوع جندياً معهم، وقاتل الإيطاليين، وترك الجيش بعد ثلاث سنوات 1942 وعاد إلى ليبيا فعين قاضياً أهلياً، في محكمة الصلح، بدرنة، وترأس جمعية (عمر المختار)، ونقل إلى مدينة (المرج) وحرّمت حكومة برقة على الموظفين الاشتغال بالسياسة، ولم يطع، فأقيل (1948) وعاد إلى درنة وانتخب نائباً في البرلمان البرقاوي (قبل اتحاد ليبيا) فحضر جلسة افتتاحه، وبعد أيام أراد السباحة في شاطئ درنة، فمات غريقاً، وأقيم له نصب تذكاري في المكان نفسه.وللسيد مصطفى المصراتي، كتاب (شاعر من ليبيا- ط) في سيرته وما اجتمع له من نظمه.