
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
تِلْـــكَ الدُّجُنَّـــةُ آذَنَـــتْ بِجَلاَءِ
وَبَـدَا الصـَّبَاحُ فَحَـيِّ وَجْـهَ ذُكَـاءِ
أَلعَـــدْلُ يَجْلُوهَــا مُقِلاًّ عَرشــَهَا
وَالظُّلــمُ يَعْثُـرُ عَثْـرَةَ الظَّلْمَـاءِ
يَـا أَيُّهَـا اليَـومُ العَظِيـمُ تَحِيَّةً
فُــكَّ الأَســَارَى بَعْـدَ طُـولِ عَنـاءِ
أَوْشـَكْتُ فيـكَ وَقَـدْ نَسـَيتُ شـَكِيَّتِي
أَنْ أُوســِعَ الأَيَّــامَ طِيــبَ ثَنَـاءِ
حَسـْبَي اعتِذَارُكَ عَن مَسَاءَةِ مَا مَضَى
بِمَبَــــــرَّةٍ مَوْفُــــــورَةِ الآلاَءِ
أَلشــَّمْسُ يَـزدَادُ ائتِلاقـاً نُورُهَـا
بَعــدَ اعْتَكــارِ اللَّيْلَـةِ اللَّيْلاَءِ
ويُضــَاعِفُ السـَّرَّاءَ فِـي إِقْبَالِهَـا
تَــذْكَارُ مَــا وَلَّـى مِـنَ الضـَّرَّاءِ
لاَ كَـانَتِ الحِجَـجُ الَّتِـي كَابَـدْتُهَا
مِـنْ بَـدْءِ تِلـكَ الغـارةِ الشّعوَاءِ
ألحـزنُ حيـثُ أبيـتُ ملـءُ جوانحي
والنــارُ مِلـءُ جَـوَانِبِ الغَبْـرَاءِ
دَامِـي الْحُشَاشـَةِ لَمْ أَخَلْنِي صَابِراً
بَعْــدَ الفِــرَاقِ فَظَـافِراً بِلِقَـاءِ
مُنْهَـدُّ أَرْكَـانِ العَزِيمَـةِ لَـمْ أَكدْ
يَأْســاً أُمَنِّــي مُهْجَتِــي بِشــِفاءِ
حجَـج بَلَـوْتُ المَـوْتَ حِيـنَ بَلَوْتُهَا
مُتَعَرِّضــاً لِــي فِـي صـُنُوفِ شـَقَاءِ
لَكِنَّهَــا وَالْحَمْــدُ لِلــهِ انقْضـَتْ
وَتَكَشــــَّفَتْ كَتكشـــفِ الغَمَّـــاءِ
وَغَــدَا الْخَلِيــلُ مُهَنِّئاً وَمُهَنَّــأً
بَعْــدَ الأَســَى وتَعَــذُّرِ التَّأْسـَاءِ
جَــذْلاَنَ كَالطِّفْـلِ السـَّعِيد بِعِيـدِهِ
مُسْتَرْســِلاً فِــي اللَّفْـظِ وَالإِيمَـاءِ
يَقْضــِي وَذلِــكَ نَـذْرُهُ فِـي يَـوْمِهِ
حَاجَـــاتِ ســـَائِلِهِ بِلاَ إِبْطَـــاءِ
مَــا كَـانَ أَجْـوَدَهُ عَلَـى بُشـَرَائِهِ
بِثَــرَائِهِ لَــوْ كَــانَ رَبَّ ثَــرَاءِ
عَـادَ الْحَبِيـبُ الْمُفْتَـدَى مِنْ غُرْبَةٍ
أَعْلَــتْ مَكَــانَتَهُ عَــنِ الْجَـوْزَاءِ
إِنَّ الأَدِيـــبَ وَقَــدْ ســَمَا بِبَلاَئِهِ
غيْـــرُ الأَدِيـــبِ وَلَيْــسَ رَبَّ بَلاَءِ
فِــي بَرْشـَلُونَةَ نَـازِحٌ عَـنْ قَـوْمِهِ
وَدِيَـــارِهِ وَالأَهْـــلِ وَالقُرْبَــاءِ
نَـاءٍ وَلَـوْ أَغْنَتْ مِنَ المُقَلِ النُّهى
مَـا كَـانَ عَنْهُـمْ لَحْظَـةً بِالنَّـائِي
بـالأَمْسِ فِيـهِ العَيـنُ تَحسُدُ قَلْبَهَا
وَاليَــومَ يَلتَقِيَــانِ فِـي نَعْمَـاءِ
أَهلاً بِنَابِغَـــةِ البِلاَدِ وَمَرْحَبـــاً
بِــالعَبْقَرِيِّ الفَاقِــدِ النُّظَــرَاءِ
شـَوقِي أَمِيـرِ بِيانِهَـا شـَوقِي فَتَى
فِتيانِهَـا فِـي الوَقْفَـةِ النَّكْـرَاءِ
شـَوقِي وَهَـلْ بَعْـدَ اسـمِهِ شَرَفٌ إِذَا
شــَرُفَتْ رِجَــالُ النُّبْـلِ بِالأَسـْمَاءِ
وَافَـى وَمَـنْ لِلفَـاتِحينَ بِمِثـلِ مَا
لاَقَـــى مِـــنَ الإِعْظَـــام وَالإِعْلاَءِ
مِصـــْرٌ تُحَيِّيـــهِ بِــدَمعٍ دَافِــقٍ
فَرَحــاً وَأَحْــدَاقٍ إِلَيْــهِ ظِمَــاءِ
مِصـــْرٌ تُحَيِّيـــهِ بِقَلْــبٍ وَاحِــدٍ
مُــوفٍ هَــواهُ بِـهِ عَلَـى الأَهْـوَاءِ
جَــذْلَى بعَــوْدِ ذَكِيِّهَــا وَسـَرِيِّهَا
جَــذْلَى بِعَــوْدِ كَمِيِّهَــا الأَبَــاءِ
حَــامِي حَقِيقَتَهَـا وَمُعْلِـي صـَوتَهَا
أَيَّــامَ كَــانَ الصــَّوتُ لِلأَعْــدَاءِ
أَلمُنْشـِيءِ اللَّبِـقِ الحَفِيـلِ نَظيمُهُ
وَنَثِيـــرُهُ بِـــرَوَائِعِ الأَبْـــدَاءِ
أَلْبَـالِغِ الخَطَـرَ الَّـذِي لَـمْ يَعْلُهُ
خَطَــــــرٌ بِلاَ زَهْـــــوٍ وَلاَ خُيَلاَءِ
أَلصـَّادِقِ السـَّمْحِ السَّريرَةِ حَيْثُ لاَ
تَعْـدُو الرِّيَـاءَ مَظَـاهِرُ السـُّمَحَاءِ
أَلرَّاحِـمِ المِسـْكِينَ وَالْمَلْهُوفَ وَالْ
مَظْلُــومَ حِيــنَ تَعَــذُّرِ الرُّحَمَـاءِ
عِلْمــاً بِــأَنَّ الأَقْوِيَـاءَ لِيَـوْمِهِمْ
هُـمْ فِـي غَـدَاةِ غَـدٍ مِـن الضُّعَفَاءِ
أَلطَّيِّــبِ النَّفَّـسِ الكَريـمِ بِمَـالِهِ
فِــي ضــِنَّةٍ مِـنْ أَنْفُـسِ الكُرَمَـاءِ
أَلكَـاظِمِ الغَيْـظَ الْغَفُـورَ تَفَضـُّلاً
وَتَطَـــــوُّلاً لِجِهَالَـــــةِ الْجُهَلاَءِ
جِـــدِّ الْــوَفِيِّ لِصــَحْبِهِ وَلأَهْلِــهِ
وَلِقَـــوْمِهِ إِنْ عَــزَّ جِــدُّ وَفَــاءِ
أَلمفْتَـدِي الْـوَطَنَ الْعزِيـزَ بِرُوحِهِ
هَــلْ يَرْتَقِــي وَطَـنٌ بِغَيْـرِ فِـدَاءِ
مُتَصــَدِّياً لِلْقُـدْوَةِ المُثْلَـىَ وَمَـا
زَالَ الســَّرَاةُ مَنَــائِرَ الـدَّهْنَاءِ
هَــذِي ضـُرُوبٌ مِـنْ فَضـَائِلِهِ الَّتِـي
رَفَعَتْــهُ فَــوْقَ مَنَــازِلِ الأُمَـرَاءِ
جَمَعَـتْ حَـوَالَيْهِ القُلُـوبَ وَأَطْلَقَـتْ
بَعْــدَ اعْتِقَــالٍ أَلْسـُنَ الْفُصـَحَاءِ
مَـا كَـانَ لِلإِطْـراءِ ذِكْـرَى بَعْضـَهَا
وَهْــيَ الَّتِـي تَسـْمُو عَـنِ الإِطْـرَاءِ
قُلـتُ اليَسِيرَ مِنَ الكَثِيرِ وَلَمْ أَزِدْ
شـَيْئاً وَكَـمْ فِـي النَّفْسِ مِنْ أَشْيَاءِ
أَرْعَـى اتِّضـَاعَ أَخِـي فَأُوجِزُ وَالَّذِي
يُرْضــِي تَوَاضــُعَهُ يَســُوءُ إِخـائِي
إِنَّ البِلاَدَ أَبـــا عَلِــيٍّ كَابَــدَتْ
وَجْــداً عَلَيْــكَ حَـرَارَةَ البُرَحَـاءِ
وَزَكَــا إِلَـى مَحبُوبِهَـا تَحْنَانُهَـا
بِتَبَغُّـــــضِ الأَحْــــدَاثِ وَالأَرْزَاءِ
لاَ بِـدْعَ فِـي إِبْـدَائِهَا لَـكَ حُبَّهَـا
بِنِهَايَــةِ الإِبَــدَاعِ فِـي الإِبْـدَاءِ
فَالْمُنْجِبَـاتُ مِـنَ الـدِّيَارِ بِطَبْعِهَا
أحَنَــى عَلَـى أَبْنَائِهَـا العُظَمَـاءِ
أَلقُطْــرُ مُهْتَــزُّ الجَـوانِبِ غِبْطَـةً
فِيمَــا دَنَـا وَنَـأَى مِـنَ الأَرْجَـاءِ
رَوِيَ العِطَاشُ إِلى اللِّقَاءِ وَأَصبَحُوا
بَعْــدَ الجَـوَى فِـي بَهْجَـةٍ وَصـَفَاءِ
وَبِجَــانِبِ الفُســْطَاطِ حَــيٌّ مُـوْحِشٌ
هُـوَ مَـوْطِنُ المَـوْتَى مِـنَ الأَحْيَـاءِ
فِيـهِ فُـؤادٌ لَـم يَقَـرَّ عَلَى الرَّدَى
لأَبَــــرِّ أُمٍّ عُــــوجِلَتْ بِقَضـــَاءِ
لاَحَ الرَّجَـاءُ لَهَا بِأَنْ تَلْقَى ابنَهَا
وَقَضـَتْ فَجَـاءَ اليَـأْسُ حِيـنَ رَجَـاءِ
أَوْدَى بِهَـا فَـرْطُ السـَّعَادَةِ عِنْدَمَا
شــَامَتْ لِطَلْعَتِــهِ بَشــِيرَ ضــِيَاءِ
لَكِنَّمَــا عَــوْدُ الْحَبِيــبِ وَعِيـدُهُ
رَدَّا إِلَيهَــا الْحــسَّ مِـنْ إِغْفَـاءِ
فَفُؤادُهُــا يَقِــظٌ لَــهُ فَـرَحٌ بِـهِ
وَبِفَرْقَـــدَيْهِ مِــنْ أَبَــرِّ ســَمَاءِ
يَرْعَــى خُطَـى حُفَـدَائِهَا وَيُعِيـذُهُمْ
فِــي كُــلِّ نُقْلَــةِ خُطْـوَةٍ بِـدُعَاءِ
فِـي رَحْمَـةِ الرِّحْمَـنِ قَـرِّي وَاشْهَدِي
تَمْجِيــدَ أَحْمَـدَ فَهْـوَ خَيْـرُ عَـزَاءِ
وَلأُمِّــهِ الكُبْــرَى وَأُمِّــكَ قَبْلَــهُ
خَلِّــي وَلِيــدَكِ وَارْقــدِي بِهَنَـاءِ
مصــْرُ بشـَوْقِي قَـدْ أُقِـرَّ مَكَانُهَـا
فِــي الـذُّرْوَةِ الأَدَبِيَّـةِ الْعَصـْمَاءِ
هُـوَ أَوْحَـدُ الشـَّرقَيْنِ مِـنْ مُتَقَارِبٍ
مُتَكَلِّـــمٍ بِالضــَّادِ أَوْ مُتَنَــائِي
مَــا زَالَ خَلاَّقــاً لِكُــلِّ خَرِيــدَة
تُصــْبِي الْحَلِيــمَ بِرَوْعَـةٍ وَبَهَـاءِ
كَــالبَحْرِ يُهْــدِي كُــلَّ يَـوْمٍ دُرَّةَ
أَزْهَـى سـَنىً مِـنْ أُخْتِهَـا الْحَسْنَاءِ
قُــلْ لِلْمُشــَبِّهِ إِنْ يُشـَبِّهْ أَحْمَـداً
يَوْمــاً بَمَعْــدُودٍ مِــنَ الأُدَبَــاءِ
مَـنْ جَـال مِـن أَهلِ اليَرَاعِ مَجالَهُ
فِــي كُــلِّ مِضــْمارٍ مِـنَ الإِنْشـَاءِ
مَـنْ صـَالَ فِـي فَلَكِ الخَيَالِ مَصَالَهُ
فَـــأَتَي بِكُـــلِّ ســَبِيَّةٍ عَــذْرَاءِ
أَصــَحِبْتَهُ وَالنجْــمُ نُصـْبَ عُيُـونِهِ
وَالشــَّأْوُ أَوْجَ القُبَّــةِ الزَّرْقَـاءِ
إِذا بَـاتَ يَسـْتَوحِي فَأَوْغَـلَ صَاعِداً
حَتَّـــى أَلــمَّ بِمَصــْدَرِ الإِيحَــاءِ
أَقَـرَأْتَ فِـي الطَّيَـرَانِ آيَـاتٍ لَـهُ
يَجْـــدُرْنَ بِالتَّرتِيــلِ وَالإِقْــرَاءِ
فَرَأَيـتَ أَبـدَعَ مَـا يُـرَى مِنْ مَنْظَرٍ
عَــالٍ وَلَــمْ تَرْكَــبْ مَطِـيَّ هَـوَاءِ
وَشــَهِدتَ إِفشـاءَ الطَّبيعَـةِ سـِرَّهَا
لِلعَقــلِ بَعــدَ الضــَّنِّ بِالإِفْشـَاءِ
أَشــَفَيْتَ قَلْبَـكَ مِـن مَحَاسـِنِ فَنِّـهِ
فِــي شــُكْرِ مَـا لِلنِّيـلِ مِـنْ آلاَءِ
يَـا حُسـْنَهُ شـَكراً مِـنِ ابـنٍ مُخِلصٍ
لأَبٍ هُــــوَ المَفْـــدِيُّ بِالآبَـــاءِ
أَغْلَـى عَلَـى مَـاءِ الَّلآلِيـءِ صَافياً
مَـا فَـاضَ ثَمَّـةَ مِـنْ مَشـُوبِ المَاءِ
أَتَهَــادَتِ الأَهْــرَامُ وَهْـيَ طَرُوبَـةٌ
لِمَــــديحِهِ تَهْتَـــزُّ كَالأَفْيَـــاءِ
فَعَــذَرْتُ خَفَّتَهَــا لِشــِعْرٍ زَادَهَـا
بِجَمَــالِهِ البَــاقِي جَمـالَ بَقَـاءِ
أَنَظَـرْتَ كَيْفَ حَبَا الْهَيَاكِلَ وَالدُّمَى
بِحُلــىً تُقَلِّــدُهَا لِغَيْــرِ فَنَــاءِ
فكَأَنَّهــا بُعِثَــتْ بِــهِ أَرْوَاحُهَـا
وَنَجَـــتْ بِقُــوَّتِه مِــنَ الإِقْــوَاءِ
أَتَمَثَّلَــتْ لَـكَ مِصـْرُ فِـي تَصـْوِيرهِ
بِضــَفَافِهَا وَجِنَانِهَــا الْفيْحَــاءِ
وَبَـدَا لِوَهْمِـكَ مِـنْ حُلِـيِّ نَبَاتِهَـا
أَثَــرٌ بِوَشــْيِ بَيَــانِهِ مُتَــرَائِي
أَسـَمِعْتَ شـَدْوَ الْبُلْبُـلِ الصَّدَّاحِ فِي
أَيْكَاتِهَـــا وَمَنَاحَــةَ الَوَرْقَــاءِ
فَعَجِبْـتَ أَنَّـي صـَاغَ مِنْ تِلْكَ اللُّغَى
كَلِمَــاتِ إِنْشــَادٍ وَلَفْــظَ غِنَــاءِ
للــهِ يَـا شـَوْقِي بَـدَائِعُكَ الَّتِـي
لَــوْ عُـدِّدَتْ أَرْبَـتْ عَلَـى الإِحْصـَاءِ
مَـنْ قَـالَ قَبْلَـكَ فِـي رِثَـاءٍ نِقْسُهُ
يَجْـرِي دَمـاً مَـا قُلْتَ فِي الْحَمْرَاءِ
فِــي أَرضِ أَنْـدُلُسٍ وَفِـي تَارِيخِهَـا
وَغَرِيـبِ مَـا تُـوحِي إِلـى الغُرَبَاءِ
جَـارَيْتَ نَفْسـَكَ مُبْـدِعاً فِيهَـا وَفِي
آثَــارِ مِصــْرَ فَظَلْـتَ أَوْصـَفَ رَائِي
وَبَلَغْــتَ شــَأْوَ الْبُحْتُـرِيِّ فَصـَاحَةً
وَشـــَأَوْتَهُ مَعْنـــىً وَجَــزْلَ أَدَاءِ
بَـلْ كُنْـتَ أَبْلَـغَ إِذْ تَعَـارِضُ وَصْفَهُ
وَتَفُـــوقُ بِالتَّمْثِيــلِ وَالإِحْيَــاءِ
يَـا عِبْـرَةَ الدُّنْيَا كَفَانا مَا مَضَى
مِــنْ شــأْنِ أَنْـدُلُسٍ مَـدىً لِبُكَـاءِ
مَا كَان ذَنْبُ الْعُربِ مَا فَعَلُوا بِهَا
حَتَّــى جَلَــوْا عَنْهَــا أَمَــرَّ جَلاَءِ
خَرَجُـوا وَهُـمْ خُرْسُ الْخُطَى أَكْبَادُهُمْ
حَــرَّى عَلَــى غَرْنَاطَــةَ الْغَنَّــاءِ
أَلْفُلْـكُ وَهْـيَ الْعَـرْشُ أَمْسِ لِمَجْدِهِمْ
حَمَلَــتْ جَنَــازَتَهُ عَلَـى الـدَّأْمَاءِ
أَوْجَـزْتَ حِيـنَ بَلَغْـتَ ذِكْـرَى غِبِّهِـمْ
إِيجَــــازَ لاَ عِـــيٍّ وَلاَ إِعْيَـــاءِ
بَعْــضُ السـُّكُوتِ يَفُـوقُ كُـلَّ بَلاَغـةٍ
فِــي أَنْفُــسِ الفَهِمِيـنَ وَالأُرَبَـاءِ
وَمِـنَ التَّنَاهِي فِي الْفَصَاحَةِ تَرْكُهَا
وَالْـوَقْتُ وَقْـتُ الخُطْبَـةِ الْخَرْسـَاءِ
قَـدْ سـُقْتَهَا لِلشـَّرْقِ دَرْسـاً حَافِلاً
بِمَـــوَاعِظِ الأَمْـــوَاتِ لِلأحْيَـــاءِ
هَــلْ تُصــْلِحُ الأَقْــوَامَ إِلاَّ مُثْلَـةٌ
فَــدَحَتْ كَتِلْـكَ المُثْلَـةِ الشـَّنْعَاءِ
يَـا بُلْبُلَ الْبَلَدِ الأَمِينِ وَمُؤنِسَ الْ
لَيْــلِ الْحَزِيــنِ بِمُطْـرِبِ الأَصـْدَاءِ
غَـبرَتْ وَقَـائِعُ لَـمْ تَكُـنْ مُسْتَنْشَداً
فِيهَـا وَلاَ اسـْمُكَ مَـالِيءَ الأَنْبَـاءِ
لَكِــنْ بِوَحْيِــكَ فَــاهَ كُـلُّ مُفَـوَّهٍ
وَبِرَأْيِــكَ اســْتَهْدَى أُولُـو الآرَاءِ
هِــيَ أُمَّـةٌ أَلْقَيْـتَ فِـي تَوحِيـدَهَا
أُســًّا فَقَــامَ عَلْيِـه خَيْـرُ بِنَـاءِ
وَبَــذَرْتَ فِــي أَخلاَقِهَــا وَخِلاَلِهَـا
أَزْكَــى البُــذُورِ فَـآذَنَتْ بِنَمَـاءِ
أَمَّـا الرِّفَـاقُ فَمَـا عَهِـدْتِ وَلاَؤُهُمْ
بَــلْ زَادَهُـمْ مَـا سـَاءَ حُسـنَ وَلاَءِ
وشـَبَابُ مِصـْرَ يَـروَنَ مِنْكَ لَهُمْ أَباً
ويَــرَوْنَ مِنْــكَ بِمَنــزِلِ الأَبنَـاءِ
مِـنْ قَوْلِـكَ الحُـرِّ الجَرِيءِ تَعَلَّمُوا
نَبَــرَاتِ تِلْــكَ العِـزَّةِ القَعْسـَاءِ
لا فَضـلَ إِلاَّ فَضـلُهُم فِيمَـا انْتَهَـي
أَمُــــر البِلاَدِ بَعْــــدَ عَنَـــاءِ
كانوا هُمُو الأشْيَاخَ وَالفِتْيَانَ وَال
قُــوَّادَ وَالأَجْنَــادَ فِـي البَأْسـاءِ
لَـمْ يَثْنِهِم يَومَ الذِّيَادِ عَنِ الحِمَى
ضــــَنٌّ بِــــأَموَالٍ وَلاَ بِـــدِمَاءِ
أَبطَـالُ تَفْدِيَـةٍ لَقُـوا جُهْـدَ الأَذَى
فِـي الحَـقِّ وَامْتَنَعُـوا مِنَ الإِيذَاءِ
سـَلِمَتْ مَشـيِئَتُهُم وَمَـا فِيهـمْ سِوَى
مُتَقَطِّعِـــي الأَوصـــَالِ وَالأَعضــَاءِ
إِنَّ العَقِيـــدَةَ شـــِيمَةٌ عُلْوِيَّــةٌ
تَصــفُو عَلَــى الأَكْـدَارِ وَالأَقْـذَاءِ
تَجْنِـي مَفَـاخِرَ مِـن إِهَانَاتِ العِدَى
وَتُصـــِيبُ إِعــزازاً مِــنَ الإِزرَاءِ
بكْـرٌ بِـأَوجِ الحُسـْنِ أَغَلـى مَهْرَهَا
شــــــَرَفٌ فَلَيْـــــس غَلاَؤُهُ بِغَلاَءِ
أَيُضــَنُّ عَنْهَـا بِـالنَّفِيسِ وَدُونَهـا
يَهَــبُ الحُمَــاةُ نُفُوسـَهُمْ بِسـَخاءِ
تِلْـكَ القَـوَافِي الشـَّارِدَاتُ وَهـذِهِ
آثَارُهَــا فِــي أَنفُــسِ القُــرَّاءِ
شـَوْقِي إِخَالُـكَ لَـمْ تَقُلْهَـا لاَهِيـاً
بِــالنَّظمِ أَوْ مُتَبَاهِيــاً بِــذَكَاءِ
حُـبُّ الحِمَـى أَمْلَـى عَلَيْـكَ ضُرُوبَهَا
متَأَنِّقــاً مَــا شــَاءَ فِـي الإِملاَءِ
أَعْظِـمْ بِآيـاتِ الهَـوَى إِذْ يَرْتَقِـي
مُتجَـــرِّداً كَـــالجَوهَرِ الوضــَّاءِ
فَيُطَهِّــرُ الوِجْــدَانَ مِـنْ أَدْرَانِـهِ
وَيَزِينُـــهُ بِســـَواطِعِ الأًضـــوَاءِ
وَيُعِيـدُ وَجْـهَ الغَيْـبِ غَيْـرَ مُحَجَّـبٍ
وَيَـــرَدُّ خَافِيــةً بِغَيــرِ خَفَــاءِ
أَرْسـَلْتَها كَلِمـاً بَعِيـدَاتِ المَـدَى
تَرْمِـــي مَرَامِيَهَـــا بِلاَ إِخْطَــاءِ
بيْنَـا بَدَتْ وَهْيَ الرُّجُومُ إِذ اغْتَدَتْ
وَهْـــيَ النُّجُــومُ خَوَالِــدَ اللَّأْلاَءِ
مَلأَتْ قُلُــوبَ الْهــائِبِينَ شــَجَاعَةً
وَهَــدَتْ بَصـائِرَ خَـابِطِي العَشـْوَاءِ
مِـنْ ذلِـكَ الـرُّوحِ الكَبِيرِ وَمَا بِهِ
يَــزدَانُ نَظْمُـكَ مِـن سـَنىً وَسـَنَاءِ
أَعْــدِدْ لِقَوْمِـكَ وَالزَّمَـانُ مُهَـادِنٌ
مَــا يَرتَقُـونَ بِـهِ ذُرَى العَليَـاءِ
أَلْيَــوْمَ يَوْمُــكَ إِنَّ مِصـرَ تَقَـدَّمَتْ
لِمَآلِهَــــا بِكَرَامَـــةٍ وَإبَـــاءِ
فَصـغِ الحُلـيَّ لَهَـا وَتَـوِّجْ رَأْسـَهَا
إِذْ تَســـْتَقِلُّ بِـــأَنْجُمٍ زَهْـــرَاءِ
خليل بن عبده بن يوسف مطران.شاعر، غواص على المعاني، من كبار الكتاب، له اشتغال بالتاريخ والترجمة.ولد في بعلبك (بلبنان) وتعلم بالمدرسة البطريركية ببيروت، وسكن مصر، فتولى تحرير جريدة الأهرام بضع سنين.ثم أنشأ "المجلة المصرية" وبعدها جريدة الجوائب المصرية يومية ناصر بها مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمرّت أربع سنين.وترجم عدة كتب ولقب بشاعر القطرين، وكان يشبّه بالأخطل، بين حافظ وشوقي.وشبهه المنفلوطي بابن الرومي في تقديمه العتابة بالمعاني وبالألفاظ كان غزير العلم بالأدبين الفرنسي والعربي، رقيق الطبع، ودوداً، مسالماً له (ديوان شعر - ط) أربعة أجزاء توفي بالقاهرة.