
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
ذَلــكَ الشـَّعْبُ الَّـذِي آتـاهُ نَصـْرَا
هُــوَ بِالســُّبَّةِ مِـنْ نيْـرونَ أَحْـرى
أَيُّ شـــيءٍ كــانَ نَيــرون الَّــذِي
عَبَــدوهُ كــان فَــظَّ الطَّبْـعِ غِـرَّا
بَـــارِزَ الصـــُّدْغيْنِ رَهْلاً بَادِنــاً
لَيــسَ بِــالأَتُلَعِ يَمْشــِي مُســْبَطِرَّا
خـــائِبَ الهِمَّــةِ خَــوَّارَ الحَشــا
إِنْ يوَاقَــفْ لَحْظــهُ بِـاللَّحْظِ فَـرَّا
قَزْمَـــةٌ هُـــمْ نَصـــَبوهُ عَالِيــاً
وَجَثــوْا بَيــنَ يَــدَيْهِ فَاشــْمَخَرَّا
ضــــــَخَّموهُ وَأَطــــــالُوا فَيْئَهُ
فَـــترَامَى يَملأُ الآفـــاقَ فُجْـــرَا
مَنَحُــوهُ مِــنْ قُــوَاهُمْ مَــا بِــهِ
صــَارَ طاغُوتــاً عَليْهِـمْ أَوْ أَضـرَّا
يَكْثُـــرُ الإِعْصـــَار هَـــدْماً وَردىً
إِنْ يُكــاثرْهُ وَمــا أَوْهَـاهُ صـَدْرا
مَـــد فِـــي الآفــاقِ ظِلاًّ جَــائِلاً
هـوَ ظِـلّ المَـوْتِ أَوْ أَعْـدَى وَأَضـْرى
إِنْ رَســَا فِــي موْضــِعٍ طَـمَّ الأَسـَى
أَوْ مَضـى فـاظْنُنْ بِسـَيْفِ اللّهِ بَترَا
مُتلِفــاً لِلــزرْعِ وَالضــَّرْعِ مَعــاً
تارِكـاً فِـي إِثـرِهِ المَعْمـور قَفْرا
إِنَّمـــا يَبْطِـــشُ ذُو الأَمـــرِ إِذا
لـمْ يَخَـفْ بَطْـشَ الأُولـى وَلَّوْهُ أَمْرَا
ســـَاسَ نيْـــرُونُ بِرِفْـــقٍ قــوْمَهُ
مُســْتِهلاًّ عَهْــدَهُ بِــالخيْرِ دَثْــرا
مُسْتشــِيراً فِيهِــمُ الحِــذرَ إِلــى
أَنْ بَلا القــوْمَ فمَـا رَاجَـعَ حِـذْرَا
ضـــارِباً فِيهِـــمْ بِكـــفٍ مَـــرَّةً
بَاســِطاً كفَّيْــهِ بالإِحْســَانِ مَــرَّا
لانَ حتَّـــى وَجَـــدَ اللِّيــنَ بِهِــمْ
فجَفــا ثُــمَّ عَتــا ثُــمَّ اقْمَطـرَّا
لبِـــسَ الحِلْــمَ لهُــمْ حَتَّــى إِذا
آنــسَ الحِلْــمَ بِهِــمْ مِنْـهُ تعَـرَّى
وَانْتَحَــى يُرْهِقُهُــمْ خَتْــراً فَمَــا
عَاقِــلٌ فِــي مَعقِــلٍ يَـأْمَنُ خَـترَا
بَـــادِئاً تَجْرِبَــةَ البَــأْسِ بِمَــنْ
هُـوَ مِـنْ أَهَلِيـهِ فِـي الأَدْنَيْنَ إِصْرَا
لَـــمْ يُشـــَفِّعْهُمْ لَـــديْهِ أَنَّهُــمْ
أَعلَــقُ النَّـاسِ بِـهِ قُرْبَـى وَصـِهْرَا
مُســْتَبِيحاً بَعْــدَهُمْ كُــلَّ امِريــءٍ
رَابَــهُ ســَمّاً وَإِحْرَاقــاً وَنَحْــرَا
مِـــنْ مُــوَالِينَ وَنُــدْمَانٍ لَقُــوا
حتْفَهُــمْ حَيـثُ رجَـوْا سـَيباً مُبِـرَّا
وَأُولِـــي عِلْـــمٍ عَلــى تَــأْدِيبِهِ
أَنْفَقـوا مِـنْ عِلْمِهِـمْ مَـا جَلَّ ذُخْرَا
حَــــذَّرُوهُ شـــَرَّ مَـــا يُعْقِبُـــهُ
بَغْيُــهُ إِنْ لَـمْ يَخَـفْ لَوْمـاً وشـُرَّا
فَأَبَــــــاحُوا خَطَلاً أَنْفُســــــَهُمْ
وَأُولِــي الأَلْبَـابِ أَعْيانـاً وَغُثْـرَا
ظَــنَّ فِــي الجُمهُــورِ أَعَـدَاءً لَـهُ
مُلِئَتْ أَكْبـــادُهُمْ ضــِغْناً وَدَغْــرَا
كَــاظِمِينَ الغيْــظَ خَــافِينَ إِلــى
أَنْ يَلُـوْا فِـي وَجْهِهِ العُدْوَان جَهْرَا
نَاكِســِي الهَامَــاتِ حَتَّـى يُشـْهَدُوا
فِـي لِقَـاءِ القَـادِرِينَ الصُّعْرِ صُعْرَا
مِــنْ غَيَابَــاتِ الــدُّجَى أَبْصـَارُهُمْ
تَطْلُــبُ النُّــورَ وَتـأْبَى أَنْ تَقِـرَّا
فِئَةٌ شـــــــُكْسٌ غُلاةٌ طالمَــــــا
ناوَأُوا الحُكْمَ وَهَاجُوا القَوْمَ نَأْرَا
قَتَلُـــوا تَركِيــنَ فِــي دعَــوَاهُمُ
أَنَّــهُ يُسـْرِفُ فِـي السـُّلْطَانِ حَكْـرَا
وَأَثـــابُوا بِـــالرَّدَى قَيصــَرَ إذْ
أَخْضـَعَ الـدُّنْيَا لهُـمْ بَـرّاً وَبَحْـرَا
أَصــــَحِيحٌ أَنَّ رُومَــــا حَفِظَــــتْ
مِــنْ جَلالِ العِـزَّةِ القَعْسـَاءِ غبْـرَا
لــمْ يَخَــلْ ذِلــكَ نَيــرُونُ وَلَــمْ
يَــرَ مَــنْ يَأْمِنُهَــا يَـأْمِنُ وَتْـرَا
عَــدَّ عَــنْ ذِلــكَ وَاذْكُــرْ قَتْلَــهُ
أُمَّــهُ كــمْ عِظَــةٍ فِـي طـيِّ ذِكْـرَى
هِـــيَ أَرْدَتْ عَمَّـــهُ مِـــنْ أَجْلِــهِ
وَأَرَتْــهُ كَيْـفَ أَخْـذُ المُلْـكِ قَهَـرَا
وَرَعَتْــــهُ حَاكِمــــاً حَتَّـــى إِذا
شـــَجَرَتْ بَيْنَهُمَـــا الْعِلاَّتُ شــجْرَا
وَرَأَى الشـــّرْكة فِـــي ســـُلْطَانِهِ
وَهَنــاً وَالنّصــْحَ تقْيِيـداً وَحَجْـرَا
ســـَخَّرَ الْفُلْـــكَ لهَــا تُغْرِقُهَــا
فَنَجَــتْ وَالْغَــوْرُ لاَ يُــدْرِكُ سـَبْرَا
فتبَـــــاكَى خُدْعَــــةً لَكِنَّهَــــا
لـمْ يَفُتْهَـا مَـا وَرَاءَ الْعَيْنِ عَبْرَى
فَاصــْطَفى مِــن جُنْــدِها مُؤْتمَنــاً
خائِنــاً يَأْخُــذُهَا بِالسـَّيْفِ غَـدْرَا
وَلِفَضــلٍ فِــي نُهَاهَــا اسْتشــْعَرَتْ
غِيلَــةَ الوَغْــدِ إِذِ الْبَــارِقُ ذَرَّا
لَحْظَــةٌ فِيهـا اسـْتبَانَتْ هَـوْلَ مَـا
إِثْمُهَـا أَمْـسِ عَلَيْهَـا الْيَـوْمَ جَـرَّا
غيْــرَ أَنَّ الْخَـوْفَ مِنْهَـا لـمْ يَقَـعْ
مَوْقِعـاً يُـزْرِي إِذَا مَا الْخَوْفُ أَزْرَى
فأَشــــَارَتْ قُبُلاً لــــمْ تحْتَشـــِمْ
وَلَهَــا وَقْفَتَهَــا تِيهــاً وَجَبْــرَا
ثُــمَّ قَــالَتْ دُونَـكَ الْبَطْـنُ الَّـذِي
نكَـبَ الـدُّنْيَا بِـهِ فَـابْقَرْهُ بَقْـرَا
هَكــذَا الْبَــاغِي عَلــى جُبْـنٍ بِـهِ
بَــدَأَ الْبَغْــيَ وَبِالْفَتْــكِ تَضــَرَّى
يَخْتِـــلُ النَّــاسَ فُــرَادَى فــإِذَا
أَجْمَعُـوا رَأْيـاً أَدَارَ الطَّعْـنَ نَثْرَا
مَــنْ يَجِــدْهُ مُمْكِنــاً أَصـْمَى وَمَـنْ
لَــمْ يَجِــدْهُ مُمْكِنـاً مَنَّـى فَـأَغْرَى
مُســْتِطيلاً مَــا اشـْتَهَى فِـي بَغْيِـهِ
قَـائِلا مَـا اسـْطاعَ لِلرَّأْفِـة قصـْرَا
غــالَ مَــنْ غـالَ بِهِـمْ فِـي شـُبْهَةٍ
بَـلْ كَفَـى أَنْ خـالَ حَتَّى اقْتَصَّ وَغْرَا
وَادّعَــى الْــوِزْرَ وَقَاضــَى وَقَضــى
غَيْبَــةً إِنْ كَـانَ أَوْ لَـمْ يَـكُ وِزْرَا
وَبَنُـــو رُومَـــا ســـُجُودٌ حَــوْلَهُ
رُكَّــعٌ رَاضــُونَ مــا ســَاءَ وسـَرّا
لَـوْ عَلَـوْا كَالمَـدِّ فِـي بَحْـرٍ طَغـى
ثُــمَّ ظَنُّــوهُ لعَــادَ المَـدُّ جَـزْرَا
كُلَّمَـــا كَفْكَفَــهُ نَــاهِي النُّهَــى
عَـــنْ أَذَاهُـــمْ جَــرَّأُوهُ فَتجَــرَّى
لَيْـــسَ بِالتَّــارِكِ فِيهِــمْ جُهْــدَهُ
لِســـِوَى أَعْـــوَانِهِ جَاهــاً وَأَزْرَا
أَفســـَدَ الْقَــوْمَ عَلــى أَنْفُســِهِمْ
فَــإِذَا الأَخْفَــرُ مَـنْ كَـان الأَبَـرَّا
وَإِذَا الأَوْفَــــــــــى خَئُونٌ وَإِذَا
حَســَنُ النَّكْــرِ قُبَيْلاً ســَاءَ نكْـرَا
وَإِذَا كُـــــــلُّ وَلاءٍ عَـــــــامِرٍ
تَحْتَـــهُ مَفْســـَدَةٌ تَحْفُــرْ حَفْــرَا
ظَــلَّ فِــي الإِرْهَـابِ حَتَّـى خَـفَّ مِـنْ
قـذْفِهِمْ فِـي رُوْعِـهِ مَـا كـانَ وَقْرَا
فَــانثَنَى مُنْشــرِحاً صــَدراً كَــأَنْ
لَـمْ يَجِيـءْ مِـنْ شُنَعِ التَّنْكِيلِ صَدْرَا
كُــلَّ يَــوْمٍ يَمْنَــحُ الْجيْــشَ حُـبىً
وَعَطَايَـــا جَمَّـــةً تُبْــذر بَــذْرَا
كُــلَّ يَــوْمٍِ يَصــِلُ الشــَّعْبَ بِمَــا
ليْــسَ يُبْقِـي لاسـْتِياءٍ فِيـهِ حِبْـرَا
كــلَّ يَــوْمٍ يَنْتــدِي حَيْـثُ انْتَـدَى
لِلْمَلاهِــي قــوْمُهُ صــُبْحاً وَعَصــْرَا
فَـــــأَحَبُّوهُ لِهــــذَا وَنَســــُوا
مَــا بِهِـمْ حَـلَّ مِـنْ الأَرْزَاءِ غُـزْرَا
وجَـــرَى فِــي كُــلِّ شــَوْطٍ آمِنــاً
وَتَمَلَّـى الْعَيْـشَ بَعْـدَ الخَـوْفِ طَثْرَا
أَخْطَـــرَ الأَمْـــنُ قَلِيقُــوْلاَ عَلــى
بَــالِهِ والْهَـزْرُ قَـدْ يُعْقِـبُ هَـزْرَا
أَفَتَـــدْرِي مَـــنْ قَلِيقُــوْلا وَمَــا
ســَامَهُ الرَّومَـانَ مُسـْتَخْذِينَ بُهْـرَا
أَفَتَــــدْرِي أَيَّ حُكْــــمٍ جَــــائِرٍ
ذِلـك الطَّـاغِي عَلـى الرُّومَانِ أَجْرَى
أَفَتَـــدْرِي مـــا الَّــذِي كَلَّفَهُــمْ
ذاتَ يَــوْمٍ ضــحِكاً مِنهُــمْ وَسـُخْرا
يَــوْمَ أَمْســَى غيْــرَ مُبْـقٍ بَيْنهُـمْ
مِـنْ أُسـُودِ الْخِـدْرِ مـنْ يَعْصِمُ خِدْرَا
وَثنـــى الأَعْيَــانَ فِــي نَــدْوَتِهِمْ
طــوْعَ كفَّيْــهِ أَأَحْلــى أَم أَمَــرَّا
فَنَـــوَى أُفْعُولـــةً لَــمْ يَنْوِهــا
غَيْـرُهُ مِـنْ قَبْـلُ مَهْمـا يَـكُ جَسـْرَا
لَــوْ أَســرَّتْ نَفْــسُ أَشــْقى ظَـالِمٍ
بَعْضــَهَا أَخْجَلَــهُ مَــا قَـدْ أَسـَرا
ذَاك أَنْ وَلَّـــى عليهِـــمْ قُنْصــُلاً
فَرَســاً مِــنْ خَيْلِــهِ أَصــْهَبَ تَـرَّا
مَـــرِنَ الأَرْســَاغِ مِمْرَاحــاً يُــرَى
قَارِحــاً أَوْ فَــوْقَهُ إِنْ هــوَ فـرَّا
كــانَ فِــي الْخيْـلِ أَبُـوهُ مُعْرِبـاً
بَيِّنــــاً نِســـْبَتُه وَالأُمُّ حِجْـــرَا
رَحْـــبَ شـــِدْقٍ لاَ هِـــزاً مَاضــِغهُ
لاحِـبَ المَتْـنِ اسـْتَوَى خَلْقـاً وأَسْرَا
مُشـــْرِفَ الْعُنْـــقِ ضــَلِيعاً هَيْكلاً
لـمْ يُبَـالِغْ فِيـهِ مَـنْ سـَمَّاهُ غمْرَا
طالَمَــا اسْتعْصــى عَلــى مُلْجِمِــهِ
فِـي الصـِّبَا ثـمَّ عَلـى الأَيَّـامِ قرَّا
وَبَـــدَا فِيـــهِ وَقــارٌ بَعْــدَ أَنْ
كــانَ خَفَّاقــاً إِذَا حُمِّــلَ وِقْــرَا
رِيـــض لِلطَّــاغِي وَأَوْهَــى عَزْمَــهُ
كِبَــرُ الســِّنِّ فمَــا يَسـْطِعُ كِبْـرَا
وغَـــدَا فِـــي ظَــنِّ مَــوْلاُه بِــهِ
دَمِثــاً لاَ خــوْفَ مِــنْ أَنْ يَحْـذئِرَّا
دَانِيـــاً حَـــاجِبُهُ مِـــنْ وَقْبِــهِ
لَيِّنـــاً جَــانِبُهُ عُســْراً وَيُســْرَا
مُـــذْعِناً يَصـــْلُحُ لِلإِقْــرَارِ فِــي
مَجْلِــسِ الأَشــْيَاخِ مَحْمُــوداً مَقَـرَّا
فَلِهَـــذَا اخْتَــارهُ صــِنْواً لَهُــمْ
وَهْـــوَ لاَ يَحْســَبُهُ أَحــدثَ كُفْــرَا
لــمْ يَكَــدْ يَــأْمُرُ حَتَّـى اسـتبَقَتْ
زُمَــرٌ تَهْتِــفُ فِـي النَّـدْوَةِ بُشـْرَى
بشــَّرُوا الأَعْيَــان بِالنِّــدِّ الَّـذِي
صــدَرَ الأَمْــرُ بِــهِ قُــدِّسَ أَمْــرَا
ثُــمَّ وَافــى بِــالجوادِ المُجْتَبَـى
سَاســَةٌ قَـدْ أَلْبِسـُوا خَـزّاً وَشـَذْرَا
فَـــــدَنا مُسْتأْنِســــاً لِكنَّــــهُ
مُوشــِكٌ لِلرَّيْــبِ أَنْ يَبْعُــدَ نَفْـرَا
ناشـــِقاً مَـــا حَــوْلَهُ مُلْتَفِتــاً
فِعْــلَ مَـنْ أَوْجَـسَ كَيْـداً فَاقْشـَعَرَّا
ســـَاكِناً آنـــاً وَآنـــاً نَزِقــاً
يَفْحــصُ المَوْقِــفَ أَوْ يَهْمُـرُ هَمْـرَا
مُرْخِيـــاً عُـــذْراً طِــوَالاً كَرُمَــتْ
عِنْـدَ مَـنْ لا يُرْسـِلُونَ الْعُـذْرَ عُذْرَا
بَيْنَمَـــا يُســـْبِلُ أَذُنيْــهِ وَقَــدْ
جَحَظــتْ عَينَــاهُ إِذْ يَرنُــو مُصـِرَّا
أَوْشــَكُوا أَنْ يحْزَنُــوا ثُــمَّ بَـدَا
فَــإِذا مَــا ظُـن مِـنْ حُـزْنٍ تَسـَرَّى
وَانْبَـــرَى مِــنْ فــوْرِهِ أَرْغَبُهُــمْ
فِـي رِضـَى الْغَاشـِمِ يسْتَرْضِي الطِّمِرَّا
زَاعِمـــاً مَـــوْلاهُ يَبْلُــو وُدَّهُــمْ
بِالَّــذِي أَهْــدَى وَلا يُضــْمِرُ حَقْـرَا
وَأَتَـــمَّ الأُنْـــسَ داعُــونَ دَعَــوْا
لِلجَـوَادِ الشـَّيْخِ أَجْلِـلْ بِـكَ مُهْـرَا
لــمْ يَكُـنْ مُهْـراً وَكَـمْ مِـنْ فِرْيَـةٍ
بُــذِلَتْ فِــي خِطْبَــةٍ لِلـوُدِّ مَهْـرَا
يَــا لَــهُ طِرْفـاً بَنـى الْحَـظُّ لـهُ
فِــي بنِــي أَعْــوَجَ عِـزّاً وَسـِبَطرَى
دَارَتِ الْجَلْســــَةُ فِـــي حَضـــْرَتِهِ
فَـأَدَارَ الـذَّيْلَ فِـي جَنْبَيـهِ خَطْـرَا
وَلَــهُ ســَامِعَتَا مَــنْ لَــمْ يَثِــقْ
وَلَــهُ بَاصــِرَتا مَــنْ قَــلَّ مَكْـرَا
إِنْ أَطَـــالُوا جَـــدَّ رَفْســاً وَإِذَا
أَقْصــروا حَمْحَــمَ تَأْنِيبـاً وَزَجْـرَا
وَإِذا حَــــرَّكَ رَأْســـاً أَكْبَـــرُوا
وَحْيَـــهُ لِلّـــهِ ذَاكَ الْــوَحْيُ دَرَّا
كَــانَ إِمْــراً شـَأْنُهُمُ مِـنْ جَهْلِهِـمْ
وَقـدِيماً كَـانَ شـَأْنُ الْجَهْـلِ إِمْـرَا
عَظَّمُــــوا طِرفـــاً وَقَبْلاً عَبَـــدَتْ
أُمَــمٌ مِــنْ جَهْلِهَــا ثَـوْراً وَهِـرَّا
ذَاك إِبْــــدَاعُ قَلِيقُـــولاَ فهَـــلْ
دُونَـهُ نَيـرُونَ فِـي الإِبْـدَاعِ حِجْـرَا
ســَنَرَى إِنْ هُــوَ لــمْ يَضــْرَ بِــهِ
مَـا الَّـذِي يَفْعَلُـهُ الْقَـوْمُ لِيَضـْرَى
لا ســَقَاك الْغَيْــثُ يَـا جَهْـلُ فكَـمْ
ســُقِيَتْ فِــي كَأْسـِكَ الأَقْـوَامُ مُـرَّا
أَنْـــتَ أَغْرَيْـــتَ بِظُلْــمٍ كُــلَّ ذِي
صـــَوْلَةٍ غَيْــرَ مُبَــالٍ أَنْ يُعَــرَّا
وَســـِعَتْ أُمُّ الْقُـــرَى ذَاكَ الّــذي
عَقَّهَـا حَمْـداً كَمَـا لَـوْ كَـانَ بَـرَّا
إِن يُكَلِّمْــــهُ الأَعَــــزُّونَ بِهَـــا
فَامْتِــدَاحاً أَوْ يُكَلِّمْهُــمْ فَهُجْــرَا
فمَضـــَى فِـــي غَيِّــهِ وَاسْترْســَلَتْ
فِـي مَجَـالِ الـذُّلِّ تَحْبِيـذاً وَشـُكْرَا
أَلَّهَتْـــــهُ أَوْهَمَتْـــــهُ أَنَّــــهُ
مَالِــكُ الضــُّرِّ مَنِيــعٌ أَنْ يُضــَرَّا
فـــإِذَا أَوْضـــَعَ فِـــي تَفْظِيعِــهِ
بَرَّأَتْــــهُ آبِيــــاً أَنْ يَتَبَـــرَّا
بَلَـــغَ التَّمِليــقُ مِنْهَــا أَنَّهَــا
كُلَّمَـــا أَزْرَى بِهَــا شــَدَّتْهُ أَزْرَا
كُـــلَّ يَــوْمٍ يَــدَّعِي فنّــاً فمَــا
هُـــوَ إِلاَّ أَنْ نَــوَى حَتَّــى أَقِــرَّا
قــالَ بِــي حُســْنٌ فَقَــالَتْ وَبِــهِ
يَـا فَقِيـدَ الشـِّبْهِ فُقْتَ النَّاسَ طُرَّا
فَتَرَقَّـــى قـــالَ إِنِّـــي مُطْـــرِبٌ
فَأَجَــابَتْ وَتُعِيــدُ الصــَّحْوَ سـُكْرَا
فتَمَــادَى قَـالَ فِـي التَّصـْوِيرِ لِـي
غُـرَرٌ قَـالَتْ وَتُـؤْتِي الرَّسـْمَ عُمْـرَا
فتَغــالى قَــالَ فِـي التَّمْثِيـلِ لا
شـِبهَ لِـي قالَتْ وَيُحْيِي المَيْتَ نَشْرا
فَتَنَـــاهَى قَـــالَ إِنِّـــي شــَاعِرٌ
فَأَجَــــابَتْ إِنَّمَـــا تَنْظِـــمُ دُرَّا
فعَرتْــــهُ جِنَّـــةٌ زَانَـــتْ لَـــهُ
خُطَّــةٌ أَدْهَــى عَلـى المُلْـكِ وَأَزْرَى
أَزْمَـــعَ الرِّحلَـــةَ فِــي مَــوْكِبِهِ
جَاشـــِماً شــُقَّتَهَا بَحْــراً وَبَــرَّا
مُوِليـــاً شـــطْرَ أَثِينــا وَجْهَــهُ
إِنَّــهُ كَــانَ لأَهْــلِ الْفَــنِّ شـَطْرَا
يَتَـــوخَّى قَوْلَهَـــا فِـــي حَقِّـــهِ
إِنَّــهُ أَصـْبَحَ فِـي التَّمْثِيـلِ نِحْـرَا
وَكَفــى مَــنْ شــهِدَتْ يَوْمــاً لَــهُ
شـُهرَةً تُـولِيهِ فِـي الأَقْطَـارِ زَخْـرَا
فَمَضـــَى فِـــي أَيِّ حَشـــْدٍ حاشــِدٍ
يَـدَعُ الرَّحْـبَ مِـنَ السـَّاحَاتِ ضـَجْرَا
بَعْـــدَ أَن أَوْفَــدَ رُســْلاً كُلِّفُــوا
فِـي أَثِينـا دَعْـوَةَ النَّـاسِ وَسـَفرَا
يَبْتَغِـــي إِشــْهَادَهَا فِــي مَحْفِــلٍ
حُسـْنَهُ الطَّـالِعَ فِـي الظَّلْمَاءِ بَدْرَا
مُســــْمِعاً ســــُمَّارَهَا مِزهَــــرَهُ
عَارِضــاً تَمْثِيلَــهُ بَطْنــاً وَظَهْـرَا
إِيْ وَآيـــاتِ أَثِينــا كَــانَ مِــنْ
شــَأْنِهَا أَنْ تمْنَـحَ الأَخْطَـارَ دَهْـرَا
ذَاك إِذْ كــانتْ هِــيَ الــدَّارَ وَإِذ
كَـانتِ الـدُّنْيَا لِتِلـكَ الدَّارِ قُطْرَا
إِنَّمَــــا أَمْســـَتْ أَثِينَـــا عَمَلاً
داخِلاً فِــي دَوْلـةِ الرُّومـانِ قَسـْرَا
فَـــإِذَا مَـــا أُلْفِيَـــتْ شــَارِيَةً
بَعْـضَ أَمْـنٍ بِالثَّنَـاءِ الـزُّورِ يُشْرَى
أَو بَـــدَتْ ســَاخِرَةً مِــنْ نَفْســِهَا
تُطْرِيـءُ الْجَهْـلَ وَمَـا كـانَ لِيُطْـرَا
فكَــذَاكَ الــرِّقُّ يُــدْنِي مِـنْ عُلـىً
وَيُعِيـــدُ الأُمَّـــةَ الْحُــرَّةَ عُــرى
ذاك تأْوِيـــلُ الْحَفــاوَاتِ الَّتِــي
وَهَبَتْهَـا القَيْصـَرَ المُمْتـاحَ فَخْـرَا
فَقَضـــَى مَـــأْربَهُ ثُـــمَّ انْثنَــى
بِرِضــَى مَــنْ فعَـلَ الفِعْلَـة بِكْـرَا
ليْـــسَ آفُلُـــونُ لَـــوْ نَـــاظَرَهُ
بِمُصــِيبٍ مِنْـهُ غَيْـرَ اللَّمْـحِ شـَزْرَا
عَـــادَ بِـــاليُمْنِ وَكُـــلٌّ مُضــْمِرٌ
حَزَنـــاً لَكِنَّـــهُ يُظْهِـــرُ ســـُرَّا
فتَلقَّــــاهُ بِرُومَــــا أَهْلُهَــــا
كَتَلَقِّـــي فَاتِـــحٍ فَتْحــاً أَغــرَّا
قَيْصــَرُ الأَكْبَــرُ لــمْ يُحْفَــلْ لَـه
هَكَـــذا إِذْ دَوَّخَ الــدُّنْيَا وَكــرَّا
نَصــَبُوا الأَبْــوَابَ إِكْبَــاراً لَــه
وَأَحَــاطوا رَكْبَــهُ بِـالْجَيْشِ مَجْـرَا
وَأَقَــامُوا زِينــةً جُنــحَ الــدُّجَى
جَعَلَــت رُومَــا ســَمَاوَاتٍ وَزُهْــرَا
زِينَــةٌ مَــا شــهِدَ الْخَلْــقُ لهَـا
قبْــلَ ذَاكَ الْعَهــدِ شـِبْهاً يُتَحَـرَّى
خَلَبَتْــــهُ وَاســــْتَفَزَّتْ رَوْعَــــه
فَطــوَى اللَّيْـلَ وَقَـدْ أَضـْمَرَ أَمْـرَا
لَيُجِـــــدَّنَّ بِهَـــــا مُعْجِـــــزَةً
تُرْهِـبُ الأَعْقـابَ مَـا النَّجْمُ ازْمهَرَّا
جَامِعــاً فِيهَــا الأَفــانِينَ الَّتِـي
يَــدَّعِي إِتْقَانَهَــا عِلْمــاً وَخُبْـرَا
مُخِرجـــاً أَشــْجَى ســَمَاعٍ لِلــوَرَى
مِــنْ لَهِيـبٍ يَسـْدَرُ الأَبْصـارَ سـَدْرَا
مُغْرِبـــاً حُســـْناً وَفِــي مَــذْهَبِهِ
أَنَّ خيْــرَ الحُسـْنِ مَـا يُفْعَـمُ شـَرَّا
فتقُــومُ الزِّينــةُ الكُبْــرى بِمَـا
بَعــدَهُ لا تُــذْكَرُ الزِّينـاتُ صـُغرَا
فــازَ نَيْـرُونُ بِأَقْصـى مَـا اشـْتهَى
مُحْرِقــاً رُومَــا لِيَســْتَبْدِعَ فِكْـرَا
بَعْـــدَ أَنْ حَصـــَّلَ فِــي تمْثِيلِــهِ
مـا بِـهِ أَصـْبَحَ فِـي التَّمْثِيلِ شَهْرَا
شـــُبَّتِ النَّــارُ بِهَــا لَيلاً وَقَــدْ
رَقَـــدَتْ أَمَّتُهَــا وَســْنى وســَكْرَى
شـــُعْلَةٌ مِــنْ كُــلِّ صــَوْبٍ نَهَضــَتْ
وَمَشــَتْ دَفّــاً وَإِحْضــاراً وَعَبْــرَا
زَحَفـــــتْ رَابِيَـــــةٌ مُضــــْرَمَةٌ
تلْتَقِيهَـا فِـي عِنـاقِ الوَهْـجِ أَخْرَى
جَمَعَـــتْ أَقْســـَامَ رُومــا كُلَّهَــا
فِــي جَحِيـمٍ تَصـْهَرُ الأَجْسـَامَ صـَهْرَا
فالمَبَـــانِي تتهَـــاوَى وَالجُــذَى
تــترَامَى وَالــدُّمَى تَنقَــضُّ جَمْـرَا
وَالأَنَاســـــِيُّ حَيَــــارى ذُهــــلٌ
غـامَرُوا هَـولاً وَسـَاءَ الهَـولُ غَمْرَا
خُـــوَّضٌ فِـــي الوَقْــدِ إِلاَّ نَفَــراً
تَخِـذوا الأَشـْلاءَ فَـوقَ الوَقْـدِ جِسْرَا
وَالضـــَّوَارِي انْطلَقَــتْ لاَ تَــأْتَلِي
مَـا الْتَقَـتْ عَضـّاً وَتمزِيقـاً وَكسْرا
هَجَمَـــتْ لِلفَتـــكِ ثُــمَّ انهَزَمَــتْ
فَزِعَـــاتٍ ســـَارِيَاتٍ كُــل مَســْرى
كثُـــرَ اللَّحْـــمُ شــِوَاءً حَوْلهَــا
وَتَــأَبَّتْ بَعْـدَ جَهْـدِ الصـَّوْمِ فِطْـرا
تَتهَــــادَى مُهَرَاقــــاً دَمُهَــــا
وَبِهَــا ضَعْضــَعَةُ النَّــازِفِ خَمْــرَا
دَفَـــقَ التِّبْـــرُ ضـــِيَاءً وَدَمــاً
مُســْتَفِيضَ اللّــجِّ ياقُوتـاً وَتِبْـرَا
كـــانَ بِـــالأَمْسِ كَمِـــرْآةٍ صــَفَتْ
رُبَّمَــا كَــدَّرَهَا الطَّــائِرُ نَقْــرَا
تَلتَقِـــي فِيهَـــا صــُرُوحٌ عَبَســَتْ
قَاتِمَـــاتٍ وَرُبــىً تَبْســِمُ خُضــْرا
فـــإِذا مَـــرَّتْ نُســـيْمَات بِهــا
حطَّمتْهَـــا قِــدَداً رُبْــداً وَغُــرَّا
حَبَّـــــذَا عِنــــدَئِذٍ مَنْظَرُهَــــا
مَنْظَـراً وَالتِّبْـرُ فِـي الأَنهَارِ نَهْرَا
إِذْ تُــرَى الأَمْــواجُ فِيــهِ أَعْرَضـَتْ
مــالِئاتٍ صــَفحَاتِ المَــاءِ سـِحْرَا
كجَـــــوارٍ ســـــَابِحَاتٍ خُــــرَّدٍ
ســَابِقاتٍ فِــي تبَارِيهَــا وَحَسـْرَى
لاهِيَـــــاتٍ مُغرِبَــــاتٍ ضــــَحِكاً
آمِنــاتٍ لَمَحَــاتِ الرَّيْــبِ طُهْــرَا
أَرْســَلَ الْحُســْنُ عَلــى أَكْتَافِهَــا
مِـنْ ضـَفِيرِ الزَّبَـدِ المُـذْهَبِ شـَعْرَا
كُــــلُ غيْــــدَاءَ رَدَاحٍ نـــاوَحَتْ
بِيـــدٍ عَــبراً وَبِــالأَخْمُصِ عَبْــرَا
هِــيَ نـوْرُ الـرَّوْضِ أَوْ أَزْهَـى حُلـىً
وَهْـيَ غصـْنُ الرَّنْـدِ أَوْ أَرْشـَقُ خَصْرَا
تـــارَة تبْــدُو وَطَــوْراً لا تُــرَى
وَتَنَــاهِي الظَّــرْفِ إِذْ ترْفــضُ ذرَّا
أَيْـنَ تِلْـك الْعِيْـنُ هَـلْ حَـالَتْ إِلى
جِنَّــةٍ وَارْتـدَّ بَـرْدُ المَـاءِ سـَعْرَا
أَصـــْبَحَتْ ســـُود ســَعَالٍ ســَاقَهَا
ســـَائِقٌ يُوســِعُهَا حَثّــاً وَنَهــرَا
فِــي مُســوحٍ مِــنْ قُتــارٍ يُجْتلـى
أُرْجُــوَانٌ تَحتَهَـا مِـنْ حَيْـثُ تُفْـرى
عَــاد صـافِي اللَّـونِ مِنهَـا رَنِقـاً
وَضــَحُوكُ الْــوَجْهِ مِنْهَــا مُكفَهِـرَّا
شـــــَرَقَتْ لِماتُهَــــا أَصــــبِغَةً
وَرنَـــتْ أَعْيُنُهَــا النَّجْلاءُ خُــزرَا
صــَارَ غِســلِيناً حَمِيمــاً غِســْلُهَا
كَاســِباً مِـن حَـرِّ مَـا جـاوَرَ حـرَّا
أَيْ بنـــاتِ المَــاءِ غَبْــنٌ بَيِّــنٌ
أَنْ تُـرَى سـُوداً وَمَـا أَبْهَـاكِ شُقْرَا
ذَاكَ مَــا أَحْــدَثهُ الْبَغْــيُ وَهــلُ
أَدْرَكَ الصــَّفْوَ فلَـمْ يَـرْدُدْهُ كـدْرَا
قَــامَ ســُورٌ حَــوْلَ رُومَــا سـَاطِعٌ
ناشــِراً أَعْلامَــهُ كَمْتــاً وَصــُفْرَا
تَحْــــتَ جَــــوٍّ مُلِئَتْ أَرْجَــــاؤُهُ
مِــنْ تَلَظِّيهَــا قَتَامــاً مُســْبَكِرا
يَنْظُــرُ الْغَاشــِمُ فِــي أَقْســَامِهَا
حِــذْقهُ رَســْماً وَمُوســِيقى وَشـِعْرَا
أَتـــرَى تِلْــك الأَعَــارِيضَ الَّتِــي
فُرِّقَّــتْ أَبْيَاتُهَــا شــَطْراً فشـطْرَا
أَتَــرَى التَّرْصــِيعَ فِــي أَسـْوَاقِهَا
بِــالطُّلى ســُحْماً وَبِـالأَرْؤُسِ حُمْـرَا
أَتَــرَى التَّدْبِيــجَ فِــي أَلْوَانِهَـا
مُعْقِبـاً مِـنْ بِيضـِهَا زُرْقـاً وَعُفْـرَا
أَتَـــرى الْخَالِــدَ مِــنْ أَطْلالِهَــا
كيْـفَ يُطْـوَى بَعْـدَ أَنْ يُنْشـَرَ نَشـْرا
أَتَــــرَى الْــــوَرْيَ بِلا توْرِيَـــةٍ
نَاســِخاً تارِيخَهَــا عَصـْراً فعَصـْرَا
كَـــمْ مَقـــامٍ عَطِلَـــتْ زِينتُـــهُ
زانَـه فِـي الْعَيْـنِ أَنْ يُصـْبِح إِثْرَا
كـــمْ كِتَـــابٍ بَـــرَزت أَحْرُفُـــهُ
ســَاطِعَاتٍ وَلِســَانُ النــارِ يَقْـرَا
كــــلُّ قصـــْرٍ مُتَـــدَاعٍ شـــَيَّدَتْ
بَعْــدَهُ هَــازِئَةُ الأَنْــوَارِ قَصــْرَا
كُــــلُّ بُـــرْجٍ مُـــترَامٍ حَفَـــرَتْ
بَعــدَهُ فِــي عُمُـقِ الظَّلْمَـاءِ بِئْرَا
كــلُّ كِتْــرٍ فِــي المَبَـانِي رَفَعَـتْ
فــوْقَه ســُخْرِيَة الشــَّعْلولِ كِتْـرَا
هَــوَتِ الْعِقبَــانُ عَــنْ أَنْصــَابِهَا
وَغـذا مِنْهَـا اللَّظـى رُخّـاً وَنَسـْرَا
وتَرَامَـــــتْ شـــــُعَلٌ طــــائِرةٌ
قـد تَـرَى عُصـْفُورَهَا يَصـْطَادُ صـَقْرا
وَتـــرَى مِنْهَــا فرَاشــاً نَــاحِلاً
يَضــْرِبُ الْبَاشــِقَ أَوْ يَهْـدِمُ وَكْـرَا
وتـــرَى مِنْهَـــا هُلامـــاً بَشــِعاً
غـــائِلاً فَرْخـــاً وَلا يَرْحَــمُ ظِئْرَا
وَيْـــحَ رُومـــا تَزْدَهِــي ذَاكِيَــةً
وَعُيــونُ الليْــلِ بِالرحْمَـةِ شـَكْرَى
لَــمْ يَجِــدْ نَيْــرُون أَبْهَـى فَلجـاً
مِــنْ تشــَظِّيها وَلا أَعْــذبَ ثَغْــرَا
لا وَلَـــمْ يُفْعِمْـــهُ بِشــْراً حَــدَثٌ
كالَّـــذِي أَفْعَمَــهُ إِذْ ذَاك بِشــْرَا
غَايَــةُ الإِضــْحَاكِ مَـا أَلْفَـاهُ مِـن
فَــزَعِ الصــَّالِينَ يَبْغُــونَ مَفَــرَّا
وَالإِشـــارَاتِ الَّتِـــي يُبْـــدُونَهَا
فِـي تَعَـادِيهِمْ إِلـى يُمْنـى وَيسـْرَى
كِرعَــالِ الجِـنِّ رَقْصـاً فِـي اللَّظَـى
وَالمَجَـــانِينِ مُنَابَـــاةً وَهُتْــرَا
رُبَّ عَــــارٍ بِقــــروحٍ يَكْتَســــِي
وَبتــولٍ تحْـتَ سـِتْرِ الْوِهْـجِ تَعْـرِى
وَهَزِيـــــمٍ وَثبَـــــتْ أَعْينُــــهُ
وَضـــرِيرٍ مُتلَـــوٍّ حَيْـــثُ قـــرَّا
ونَحِيــــفٍ بَــــاتَ ظِلاًّ وَاجِفــــاً
وَضــَلِيعٍ مَـاتَ تَحْـتَ الـرَّدْمِ هطْـرَا
فِتَــنُ النَّــارِ إِذَا مَــا أَذْهَبَــتْ
فِــي أَفَـانِينِ الأَذى يَـأْبَيْنَ حَصـْرَا
وَمِــنَ المُمْتِــعِ فَــوْقَ المُشــْتهى
بِــدَع جَـاءَ بِهَـا التنْوِيـعُ تَتْـرَى
هَـــــذِهِ قنْطـــــرَةٌ شـــــاهِقَةٌ
غـارَ مِنْهَـا جَـانِبٌ فِي المَاءِ طَمْرَا
ذَاكَ صــــَرْحٌ جُــــرِّدَتْ أَطْلالُــــهُ
مِـنْ حُلِـيٍّ كُـن مِلْـءَ الْعَيْـنِ سـَبْرَا
تِلْــك مِــنْ عَهْــدٍ عَهِيــدٍ دَوْحَــةٌ
ظــلَّ يَسـْقِيهَا سـَحَابُ الْعَفْـوِ ثَـرا
عَقـــدَتْ أَغْصـــَانُهَا تَــاجَ ســَنى
وَخَبَـــتْ بَيْـــنَ مُـــدَلاَّةٍ وَكســْرَى
ثــمَّ حَــولْ وِجهَــةَ الطــرْفِ تجِـدْ
صــُوَراً أَسـْوَغ فِـيِ النَّفْـسِ وَأَمْـرَى
نِمَــرٌ مِــنَ فــرْطِ مَــا حَـاقَ بِـهِ
دَارَ آنــاً فِــي مَــدَارٍ ثـمَّ خَـرَّا
ســَالَ مِــنْ فَكَّيْــهِ دَامِــي زَبَــد
حِيْــنَ مــسَّ الأَرْضَ نَشـتْ مِنُـهُ حَـرَّى
فَهْــــدُ غَـــابٍ كُســـِرَتْ شـــِرَّتُهُ
صــَارَ كــالهِرِّ وَمَـا يُرْهِـبُ فـأْرا
وَعِــلٌ مِــنْ شــِدَّةِ البَـرْحِ ارْتَمَـى
بِبَقايَـــا رَوْقِــهِ يَنْطَــحُ صــَخْرَا
وَرَلٌ أَفْلَـــتَ مِـــنْ جُحْـــرٍ فَلَــمْ
يُلْـفِ مِـنْ شـَيءٍ سِوَى الرَّمضَاءِ جُحْرا
قُنْفُـــذٌ أَوْقَـــد مِـــن أَشــْوَاكِهِ
شــِكَّةً لاحَــتْ بِهَـا الأَلْـوَانُ كُثْـرَا
عَقْـــرَبٌ شــَالتْ زُبَــانَى رَأْســِهَا
وَالــذّنابَى عَجِلَــتْ خلْجـاً وَأَبْـرَا
شـــِبْهُ بَـــرْقٍ لاحَ لِلطَّــرْفِ وَلَــم
يَــــكُ إِلا أَفْعُوانـــاً مُســـْجَهِرَّا
صـــُوَرٌ لَــمْ يُــدْرَ آيَــاتُ ســَنىً
أَمْ خِشـــَاشٌ حَيَّــةٌ تُســْجَرُ ســَجْرَا
وَســـِوَى ذِلــك كَــمْ مِــنْ منْظــرٍ
لابَــسَ الــوَهْمُ بِــهِ الحَـقَّ فغَـرَّا
كــمْ مَهَــاةٍ مِــنْ دُخَــانٍ أُلْفِيَـتْ
وَهْــيَ تَسـْتعْدِي عَلـى فِيـلٍ هِزَبْـرا
كَـــمْ ســـَبَنْتَى حَنِـــقٍ أَقْرَضـــَهُ
ضــَرَمٌ نابــاً بِــهِ يَسـْطو وَظُفْـرَا
كَــمْ غُــرَابٍ قَــدْ تبَــدَّى وَاقِعـاً
كشــــِهَابٍ وَتَــــرَدَّى مُصــــْمَقِرَّا
كَـــمْ عُقَـــابٍ دَرَجَــتْ فَانْضــرَجَتْ
بَغْتَـــةً تقْتَنِــصُ البَــازِيَ حُــرَّا
كــمْ ســَحابٍ مِــنْ هَبَــاءٍ ســَاطِعٍ
أَشــْبَهَ المُزْنــةَ إِيمَاضـاً وَقَطْـرَا
رُؤْيَــةٌ أَرَبَـتْ عَلـى الرُّؤْيَـا بِمـا
لَــمْ يَكُــنْ يَوْمــاً بِظَــنٍّ لِيَمُـرَّا
دَارَ فِيهَــــا طَــــرَبٌ مخْتِلــــفٌ
تَــارِكٌ فِـي مَسـْمَعِ الأَحْقَـاب وَقْـرَا
تَرْكُــــضُ الأُمُّ تُغَنِّــــي هَلعــــاً
وَبَنُوهــا حَوْلهَــا يَبكــون ذُعْـرَا
وَيَهــدَّ الكهْــلُ هَــدَّ الفَحْـلِ فِـي
غَــرَقٍ وَالوَقْــدُ لاَ يَــأْلُوهُ هَـدْرَا
كَــادَ رَحْــبُ الجَــوِّ مِــنْ حَشـْرَجَةٍ
وَحَــوَافِيهِ الرُّبَــى يُشــْبِهُ قِـدْرَا
فِــــي اخْتِلاطٍ مُرْهِــــقٍ ســـُمَّاعَهُ
وَاخْتِلالٍ مُزْهِـــقٍ حَشـــْداً وَحَشــْرا
ســـــَرَحَاتٌ قُصـــــِفَتْ مُحْضــــَأَةً
بَيْــنَ مَنْكُوســَةِ إِكْلِيــلٍ وَعَقْــرَى
رُجْبَـــةٌ مِـــنْ عَوْســـجٍ مُحْتَـــدِمٍ
فَنِيَــــتْ ضـــَرْبَينِ لأْلاءً ووَغْـــرَا
ضــــَبُعٌ تَعْــــوِي وَذِئْبٌ ضــــَابِحٌ
وَصــَدىً يَزْقُــو مَهِيجــاً مُــزْبَئِرَّا
ضــَيْغمٌ مِــنْ ســَوْرَةِ الحُمَّـى وَمِـنْ
ثــوْرَةِ الحَمْــيِ بِــهِ يَـزْأَرُ زَأْرَا
طَالَمَـــا زَمْجَـــرَ يَشــْكُو أَســْرَه
فَهْـوَ يَشـْكو أَنَّـهُ لَـمْ يَقْـضِ أَسـْرَا
ثَعْلَـــبٌ يَضـــْغُو وَفهْـــدٌ ضــَاغِبٌ
وَغُـــرَابٌ نَــاغِبٌ عَشــْراً فَعَشــْرَا
وِمـــنَ الأَكْلُـــبِ حَـــامِي بِرْكــةٍ
مُــسَّ بَعْــدَ القَــر بِـالحَر فهَـرَّا
مَـــا ســـَمُومٌ نفَخَتْهَـــا ســـَقَرٌ
نَتْسـِفُ الـدَّوْحَ وَتُـذْوِي العُشْبَ صَقَرا
خـــافَتَتْ آنـــاً وَآنـــاً عَزَفَــتْ
وَتــوَالى هزقُهَــا عَزْمــاً وَفتْـرَا
عِنْــدَمَا فِــي مَــارِجٍ مٍــنْ لاِعــجٍ
بَثَّــهُ بَثّــاً وَقَــدْ ضــُوِيقَ حَصـْرَا
مَــا اصــْطِخَابُ اللَّـجِّ فِـي حَيْرَتِـهِ
بَيْـــنَ تيَّـــارٍ وَدُرْدُورٍ وَمَجْـــرَى
كَاصـــْطِخَابٍ مِـــنْ وَطِيــسٍ هَــادِمٍ
لـمْ يَصـُنْ تاجـاً وَلـمْ يسْتَشْنِ جِذْرَا
ذَاكَ يَـــا نَيـــرُونُ لَحْـــنٌ زَادهُ
طرَبــاً مِزْهَــرُكَ الــرَّائِعُ نَبْــرَا
جَمَـــعَ الضـــِّديْنِ لَــمْ يَجْتَمِعَــا
فِــي مَـزَاجٍ يَفْطُـرُ الأَكْبَـادَ فطْـرَا
بَيْـــنَ أَصـــْوَاتٍ عَلــى نُكْرَتِهَــا
جُعِلَــتْ وَفْقَهُمَــا خَفْضــاً وَجَهْــرَا
هَيكَـــلٌ يَســـْقُطُ فِـــي قَعْقعـــة
وَذمَــاءٌ مِــنْ حَشــىً يَصـْعدُ زَفْـرَا
هَكــذَا التصـْويرُ أَحْيَـا مَـا يُـرَى
هَكَــذا التَّطْرِيــبُ مَوْتـاً أَوْ حَـرَّا
هَـــزَّ بِالإِيقـــاعِ أَفْلاكــاً وَلَــمْ
يَصــْحَبِ العُــودُ بِــهِ طَبْلاً وَزَمْـرَا
هَكــــذا الشــــِّعْرُ بِلا قافِيَـــةٍ
خَــفَّ وَزْنــاً وَجَـرَى بِالـدَّمِ بَحْـرَا
عَظمــتْ فِتْنَتُــهُ مِــنْ فَــرْطِ مَــا
رَقَّ فَالنـــاسُ أَرِقَّـــاءٌ وَأَســـْرَى
لا كِنايَـــــــاتٌ وَلا تَوْرِيَــــــةٌ
إِنَّمَــا العَــاجِزُ مَــنْ كَنَّـى وَوَرَّى
مَــن كنيْــرُونَ أَتـى بِالرَّسـْمِ لَـمْ
يَسـتعِرْ صـِبْغاً لـهُ أَوْ يُجْـرِ حِبْـرَا
مُثْبِتـــاً فِـــي لَيْلـــةٍ مُبْصــِرَةٍ
آيَــةً يَمْحُــو بِهَـا قَوْمـاً ومِصـْرَا
بَيْنمَـــا تَنْظُـــرُ رَبْعــاً أَهْلُــهُ
مِلْـءُ هَـذا الكَـوْنِ إِذْ تُلْفِيهِ صِفْرَا
يَـــا لهَــا غُــرٍّ فنــونٍ بَهَــرَتْ
ظُرَفــاءَ الــوَقتِ بِالإِبْـدَاعِ بَهْـرَا
أَيْــنَ مِنْهــا شــأْنُ مُفْنِـي عُمْـرِهِ
يَتقــرَّى الخَلْــقَ أَوْ يَقْـرَأُ سـِفْرَا
لِيَـــرَاهُ بَعْـــدَ جُهْـــد مُحْســِناً
إِنْ شـدا أَوْ مُتْقِنـاً إِن خـطَّ سـَطرَا
دُمِّـــرَت حَاضــِرَة الــدَّنْيَا وَلَــمْ
يجِــدِ النَّــاجُونَ فِـي ذِلـكَ نُكْـرَا
أَوْشــكُوا أَنْ يُجْمِعُـوا رَأْيـاً عَلـى
أَنَّ فِـي الَغْيـبِ لِـذاكَ الهَـوْلِ سِرَّا
لَســْتُ مَحْزُونـاً عَلـى القَـوْمِ وَهَـلْ
كِبــدٌ تلقــى علـى الأَنْـذالِ حَـرَّى
غيْــرَ أَنِّــي لِــيْ عَلــى إِبْـدَاعِهِ
عَتْــبَ فــنٍّ وَهْــوَ بِالإِبْـدَاعِ أَدْرَى
فَلقَـــدْ أَغـــرَقَ فِـــي إِيقَــاعِهِ
وَغَلا رَســماً وَزاد النّظــم نــثرا
ولعـــلّ الهفـــوة الأخــرى لــه
أنّــه لَــمْ يَعْتَـدِلْ نَقْشـاً وَحَفْـرَا
ذاكَ هَمِّـــي ليْـــسَ هَمِّــي بَلَــداً
بَـادَ خَنْقـاً أَوْ تَـوَى حَرْقـاً وَثَبْرَا
مَــا عَلَيْنَــا مِــنْ غِريــمٍ غـارِمٍ
إِنَّ أَزْرَى الخلْـقِ شـَعْبٌ مَـاتَ صـَبْرَا
لَيْـــسَ بِـــالْكُفْؤِ لِعَيْـــشٍ طَيِّــبٍ
كــلُّ مَـنْ شـَقَّ عَليْـهِ العَيْـشَ حُـرَّا
إِنَّ رومَــــا جَعَلَـــتْ نيرْونَهَـــا
وَهْـوَ شـَرُّ القـوْمِ مِمَّـا كَـانَ شـَرَّا
بَلَّغَتـــهُ المُلْــكَ عَفْــواً فبَغَــى
كُــلُّ مُلْـكٍ جَـاءَ عَفْـواً رَاحَ هَـدرَا
يَقـــدُرُ الشــيءَ مُعَــانِي كَســْبِهِ
فَـإِذَا مَـا هَـانَ كَسـْباً هَـانَ خسْرَا
عَـــاثَ فِيهَــا مُســْتَبِدًّا مُســْرِفاً
دَائِبَ الإِجْـــرَامِ عَـــوَّاداً مُصــِرَّا
وَهْـــوَ لاَ يَمْنَحُهْـــا مِــنْ بَــالِهِ
غيْـرَ هَـمِّ الخطَـرِ المَكسـُوبِ قَمْـرا
لَيْــسَ فِــي تشــْنِيعِهِ مِــنْ بِدْعَـةٍ
إِنَّ لِلخامِــلِ عِنْــدَ الـذكرِ ثـأْرَا
لا وَلا فِـــي ظُلْمِـــهِ مِـــنْ عَجَــبٍ
إِن لِلظَّــالِمِ عِنْــدَ العَـدْلِ وِتْـرَا
بِــمَ غــرَّ القــوْمَ حَتَّــى غفَـرُوا
ذلِـكَ الـذَّنْبِ لَـهُ مَـا شـاءَ غفْـرَا
بَــلْ قَضــوْا أَنْ يَمْنَحُــوهُ حَمْـدَهُمْ
حَيْــثُ لا يَجْــدُرُ أَنْ يُبْلــغَ عُـذْرَا
ذاك أَنْ أَتْهَـــمَ ظُلْمـــاً مِنْهُـــمُ
مَعْشــراً مسْتَضــْعَفَ الجَـانِبِ نَـزْرا
فَرَمَـــى مِلَّـــةَ عِيســـى بِالَّــذِي
كــان مِنْـهُ مُلْحِقـاً بِـالوِزْرِ وِزْرَا
زاعِمـــاً أَنَّ النَّصـــَارَى قــارِفُو
ذنبِــهِ مَــا كـان أَنـآهُم وَأَبْـرَا
وَالنَّصــــــَارَى فِئةٌ يَــــــوْمَئِذٍ
لـمْ تكُـنْ فِيهِـمْ مِنَ المِعْشارِ عُشْرَا
مَـــا بِهَــا حَــوْلٌ وَلا طــوْلٌ وَلا
تقْتنِــي جَاهــاً وَلا تمْلِــكُ وَفْـرَا
لا تبَــــالِي دُونَ مَـــنْ تعْبُـــدُهُ
جُهْـدَ مـا تُمْنـى بِـهِ خسـْفاً وَعُسْرَا
دِينُهَــا فِــي فَجْـرِهِ وَالسـُّحْبُ قَـدْ
تَحْجُــبُ النُّــورَ وَلا تَعْتـاقُ فجْـرَا
عَــــنَّ لِلْغاشــــِمِ أَنْ يُطْعِمَهَـــا
لِجِيَـاعِ الـوَحْشِ فِـي المَلْعَـبِ جَهْرَا
وَبِهَـــــذا يَترَّضـــــَّى شــــعْبَهُ
فـرْطَ مـا الشَّعْبُ بِذاكَ اللَّهْوِ مُغْرى
فيَظَـــلُّ البُطْـــل فِيــهِ عَالِيــاً
وَيَظـــلُّ الحَـــقُّ عَنْــهُ مُسْتَســِرَّا
أَمَــرَ الطَّــاغِي بِهَــا فَاحْتشــَدَتْ
فِــي مَقَـامٍ زاخِـرٍ بِـالخَلْقِ زخْـرَا
وَرَمَــــاهُمْ بِالضـــَّوَارِي قَرِمَـــتْ
فــارْتَمَتْ مَجْنُونــةً وَثْبـاً وَجَـأْرَا
فَتلقَّاهَــــا النَّصــــارَى وَهُـــمُ
لـمْ يَضـِقْ إِيمَـانهُمْ بِالضـَّيْمِ حَجْرَا
ســـُجِّدٌ شـــادُونَ ســـَامٍ طرفُهــمْ
ضـَاحِكْو الآمَـالِ مَـا الخَطْبُ اكْفهرَّا
بَرَبَــرَتْ تِلْــكَ الضــوَارِي دُونَهُـمْ
ثُــمَّ شــَدَّتْ وَهْــيَ لا ترْحَـمُ شـَفرَا
هَشــــَمَتْ وَانْتهَشـــَتْ وافْتَرَســـَتْ
مَـا اشـْتَهَتْ نَهْمَتُهَـا عَلمـاً وَهَبْرَا
ثُـــمَّ كَلَّـــتْ شـــِبَعاً وَافْــترَقَتْ
فِــي الزوَايــا تَتــوَخَّى مُسـْتَقَرَّا
ســـَكِرَ الأَشــْهَادُ إِعْجَابــاً بِهَــا
وَهَــوَتْ مَمْلُــوءُةً بِالــدَّمِ ســُكْرَا
ذَاك مَـــا رَامَ بِـــهِ نَيــرُونُ أَن
يَتلافــــى إِثْمُـــهْ الأَوَّلُ ســـَتْرَا
وَإِذا مَـــا أَســـْعدَ الجَهْــلُ غلا
آثِــمٌ فِــي الإِثْـمِ لاَ يَرْهَـبُ عَـزْرَا
شـــِيمَةُ المُوغِــلِ فِــي إِجْرَامِــهِ
كُلَّمــا ازْدَادَ انْطِلاقـاً زادَ حُضـْرَا
شـــادَ لِلإِلْهَـــاءِ ذاك المُنْتــدَى
قبــلَ أَنْ يَبْنِــيَ لِلإِيــوَاءِ جُـدْرَا
وَالأولــى زالــتْ مَغــانِيهِمْ بِمَـا
شــِيدَ لِلأَلْعَــابِ مَحْبُــورُونَ حَبْـرَا
بِطــءُ يَــوْمٍ فِيــهِ إِيــدَاءٌ بِهِـمْ
وهْـوَ يَقضـِي فِـي بِناءِ اللَّهْوِ شهْرَا
خــابَ مَـنْ خـالَ النصـَارَى هَلكـوا
حِيــنَ راحَ المَـوْتُ فِيهِـمْ مُسـتحِرَّا
فالَّـــذِي أَوْلــدَهُ الفتْــكُ بِهِــمْ
أَنَّهُــمْ قُـلٌّ غـدَوْا بِالقتْـلِ كُـثرَا
ثُــمَّ أَضــحَى مُلــكُ رُومَـا مُلْكهُـمْ
وَمُــوَلاَّهمْ علــى الأَحْبَــارِ حَبْــرا
هَكـــذا الفِكْــرةُ مَــنْ أَرْهَقهَــا
كَمَنَــت ثُــمْ عَلَــتْ وَثْبـاً فطفـرَا
دَرَتِ الأُمــــةُ مَــــن ظالِمُهَــــا
كلَّمَــا جَـرَّ عَلَيْهَـا الظُّلْـمُ دَفْـرَا
وَعَلــــى ذَاك تَغَــــابَتْ مَــــرَّة
بعْــدَ أُخْــرَى وَتَمَــادَى مُسْتَشــِرَّا
لَــوْ أَرَادَ القِسـْط لَـم يَكْفُـؤْ لَـهُ
أَو تَصـَدَّى لِلـوَغى لَـمْ يَحْـمِ ثغْـرَا
فــاتَهُ فِــي نَفْســِهِ السـِّرُّ الَّـذِي
يَمْنَــحُ الــدائِلَ مَجْــداً مُسـْتَمِرا
فَتـــوَخَّى الفخْـــرَ مِــنْ ســُخرِيَةٍ
مَثَّــلَ الـدهْرَ بِهَـا هُـزْءاً وَهَـزْرَا
لاهِيـــاً بِالنـــاسِ قتــالاً لِمَــنْ
شــَاءَ فَعَّـالاًّ لِمَـا اسْتَحْسـَنَ جَبْـرَا
لاعِبـــاً حَتَّـــى إِذَا ضـــَاقَ بِــهِ
مَلْعَــبُ الــدُّنْيَا تَخَطــاهُ وَمــرا
فقضـــَى حِيــنَ اقْتَضــَى مُنتَحِــراً
بِيَـــديْ مســـْتأْجَرٍ أَوســِعَ بِــرَّا
رَاكِبــاً مَتْــنَ النَّـوَى لمَّـا نـوَى
ضــَارِباً بَيْــنَ غَـدٍ وَالامْـسِ سـِتْرَا
مُلَقِيـــاً جِســـْماً إِلـــى أَمِتــهِ
خَشــِيَتْ حِرْمَــانَهُ دَفْنــاً وَقبْــرَا
ســَرَفاً فِــي الــذُّلِّ حَتَّــى إِنهَـا
لَـمْ تَكُـنْ تَـدْرِي لِمَـا تَفْعَـلُ قَدْرا
مَـــنْ يَلُـــمْ نَيْــرُونَ إِنــي لائِمُ
أُمَّــةً لــوْ كَهَرَتْــهُ ارْتَـدَّ كهْـرَا
أُمَّـــةٌ لَـــوْ نَاهَضـــَتْهُ ســـَاعَةً
لانتهَــى عَنْهَــا وَشـِيكاً وَاثْبَجَـرَّا
فـــاز بِـــالأُولى عَليْهــا وَلَــهُ
دُونَهَــا مَعْــذَرَةُ التَّارِيـخِ أُخْـرُى
كُـــلُّ قَـــوْمٍ خَــالِقُو نَيْرُونِهِــمُ
قَيْصــَرٌ قِيــلَ لَـهُ أَمْ قِيـلَ كِسـْرَى
خليل بن عبده بن يوسف مطران.شاعر، غواص على المعاني، من كبار الكتاب، له اشتغال بالتاريخ والترجمة.ولد في بعلبك (بلبنان) وتعلم بالمدرسة البطريركية ببيروت، وسكن مصر، فتولى تحرير جريدة الأهرام بضع سنين.ثم أنشأ "المجلة المصرية" وبعدها جريدة الجوائب المصرية يومية ناصر بها مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمرّت أربع سنين.وترجم عدة كتب ولقب بشاعر القطرين، وكان يشبّه بالأخطل، بين حافظ وشوقي.وشبهه المنفلوطي بابن الرومي في تقديمه العتابة بالمعاني وبالألفاظ كان غزير العلم بالأدبين الفرنسي والعربي، رقيق الطبع، ودوداً، مسالماً له (ديوان شعر - ط) أربعة أجزاء توفي بالقاهرة.