
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لـك الحمـدُ بعـدَ الحمـدِ للـه واجبُ
فمــنْ عنـده تُرْجَـى ومنـك المـواهبُ
وطـاعتكمْ مـنْ طاعـة اللـه لـم يزلْ
لهـا منهـجٌ يَهْـدي إلـى الحـقّ لاحـب
ومــا زلــتَ للإســلامِ والـدِّين حُجَّـةً
وعـــزّ حمًـــى للمســلمين وجــانب
وســاعدهم فيمــا يشــاءون دهرُهـم
فقــد يُســِّرَتْ للطــالبين المطـالب
وقـد أدرك الرَّاجـي بحضـرتك المنـى
وقـــد أُحْضــِرَتْ آمــاله والمــآرب
جلبــتَ لــه الأَمــواه حتَّـى تفجَّـرَتْ
مشـــارعُ منهـــا جَنَّـــةٌ ومشــارب
لكـلِّ امـرئٍ فيهـا مـن المـاءِ قِسْمَةٌ
وشــربٌ كمــا كـانت لقحطـانَ مـأرب
مــواردُ أَضـحى القَيـظُ حيـث تَبَجَّسـَتْ
ربيعــاً وآضــتْ كالشـمال الجنـائب
فرقَّــتْ وراقــت حولهــا كـلُّ صـنعةٍ
يناســبها زَهْــرُ الرُّبــى وتناســب
مصـانعُ فيهـا أغـرب الجـودُ والندى
فمـا اسـْتُغْرِبَتْ مـن بعـدِهِنَّ الغرائب
سـمتْ وسـطها بيـض القبـابِ وأَحـدقت
قبــابٌ بهــا مــن ســندسٍ ومضـارب
قبــابٌ مـن الـدوحِ المنيـف تهـدّلت
لهـــنّ أعـــالٍ بالحيــا وجــوانب
عَلَـــتْ وضــَفَتْ أَطنابهــا فتهــدَّلت
علــى صـَفَحاتِ المـاءِ منهـا هَيَـادب
تبلــج فــي شــرقي جــامع تــونس
بهـــنَّ ضــياءٌ يملأُ العيــنَ ثــاقب
وأَشــْرق نــورُ الحسـن منـه بمشـرق
فمــا نــوره بعــد التطلـع غـارب
أُقيمــتْ عليــه مــن رخـام ومرمـر
قســيٌّ أَقامتهــا الأَكــفُّ الــدَّوارب
قســيّ قـد اصـطفَّتْ فـراقَ انتظامُهـا
كمــا راقَ نظـمُ اللؤلـؤ المتناسـب
وَزينَـتْ بـأَلوانٍ تَـروق كمـا اكتسـتْ
بأَوشــيَة الزهـر الريـاضُ العـوازب
لقــد جـاءَ عصـرٌ فيـه قُـدِّرَ كونُهـا
بمـا قَصـَّرتْ عنـد العصـور الـذواهب
ولـم تُهْـدَ أَمْلاك الزمـان لما اهتدت
مــن الرُّشـد آراء الأَميـر الصـوائب
تــداعى إليهـا النـاسُ مـن متعجـبٍ
وداعٍ ومُثــنٍ بالــذي أنــتَ واهــب
تَــوَارَدُ أيــديهِمْ عليهــا كأنَّهــا
وروداً قطـا البيـدِ الظماءُ الشوارب
وتصــدر عنهــا مُتْرعــاتٍ ســجالها
كمــا صـدرت عـن راحَتَيْـكَ الرغـائب
ميـــاهٌ كسلســالِ الرُّضــاب يحفُّــهُ
رُخـــامٌ لمــبيضّ الثغــور مُناســب
فكــم أَبيـضٍ مـا شـَانَهُ لـونُ كُـدْرَةٍ
علــى أَزرقٍ مــا كــدَّرته الشـوائب
ومـا بينَ ما قَدْ سالَ في الحسنِ منهم
ومــا لــم يَســِلْ إلاّ مـدًى متقـارب
تســـاوى بســـيطٌ منهـــا ومركَّــب
صـفاءً بـدا فـي الحسنِ عن ذاك نائب
فتحســـب أن الـــذائباتِ جوامـــدٌ
وتحســـــبُ أَن الجامــــدات ذوائب
تحســـَّنت الــدُّنيا بكــم فكأنَّهــا
عــروسٌ عَــروبٌ فــي المنصـَّة كـاعب
وكــم حَــرَمٍ فــي ظــلِّ عـدلك آمـنٍ
لـــذروته تُحْــدَى القلاصُ النجــائب
مقـــامٌ حكــت دارَ المقامــة داره
فمـا شـابَ فيهـا خـالصَ العيش شائب
تحــطُّ بهــا الآمــال حيــن تــؤُمُّهُ
وإن هــي آبــتْ أثقلتهـا الحقـائب
فأصـبح فيهـا النـاس فـي خير عيشةٍ
تُثِيبُهــم الــدُّنيا وليســت تعـاقب
يســحُّ عليهــم كــلَّ يــومٍ وليلــةٍ
ولــيٌّ وَوَســْميٌّ مــن الجــود سـاكب
فقــد أَمَّهـا الأُمَّـالُ مـن كـلِّ وجهـةٍ
وحُثَّـتْ بهـم قصـداً إليهـا الركـائب
فقَـرُّوا وقـرُّوا أعينـاً حيـنَ عَرَّسـوا
بـدارٍ نـأتْ عنهـا النَـوَى والنوائب
وحســـَّنها جـــودٌ يســـيلُ ونــائِلٌ
وحصـــَّنها رُمْـــحٌ يصـــولُ وقاضــب
وطوَّقهــــا جـــودُ الأَميـــرِ قلائداً
تحلَّــتْ بهــا أَجيادُهــا والـترائب
فكــم أَحــدقت مــن روضـةٍ وحديقـةٍ
بهــا لـذيولِ السـحبِ فيهـا مسـاحِب
وتلــك العقـود المحـدقات بجيـدها
حـــدائقُ للأَحــداق فيهــا عجــائب
وكــم ســَرْحَةٍ فيهـا تحلَّـتْ بزهرهـا
كمــا تتحلَّــى بالجُمــان الكـواعب
وَمَوْلِيَّـــةٍ فيهـــا تصـــيح بلابــلٌ
وَمَوْشـــِيَّةٍ فيهـــا تســـحُّ مــذاهب
يروقُـــك أَيْـــكٌ حولهــا متجــاورٌ
يشـــوقك طيـــرٌ فوقهــا متجــاوب
فأَضـــحتْ تَنــاغَى فــوقهنَّ ســواجعٌ
وقــد طــالَ مـا صـَرَّتْ بهـنَّ جنـادب
وكـم قـد سـطرتم حولهـا مـن كتيبة
كمـا نسـَّق الأَسـطار فـي الطرس كاتب
فتُعْــزَى إلـى أيـوبَ أوقـى دروعِهِـمْ
ولــم يعزُهـا يومـاً لِـدَاوُودَ ناسـب
تغــصّ بهـا الهيجـاء طـوراً وتـارةً
تغـــصُّ ميـــادينٌ بهـــا وملاعـــب
حميــتَ ذِمـارَ المسـلمين ولـم تـزلْ
تُطــاعِنُ عــنْ ديـن الهـدى وتضـارب
بِكُــلِّ قنــاةٍ تقــتري عَلَـق العـدا
وكــلِّ حســامٍ منـه تَـدْمَى المضـارب
ومجــر حَديــدٍ طالمــا ظللتـه مـن
بنــودٍ ومــن نقــعٍ وطيــرٍ غيـاهبُ
وتحــت مُثــار النقْـع آسـاد غابـةٍ
لهــا مــن نصــولٍ ســمهريٌّ مغـالب
ضــراغمُ هيجـاءٍ يهـونُ لـدى الـوغى
عليهـا صـداها حيـن تـرْوى الثعالب
كمـاةٌ أطالوا ألفة البيضِ في الوغى
فشــابَتْ ظبــاً منهـا ومنهـم ذوائب
قـد ادَّرعـوا فـوق الـدروع قلـوبهم
وصــبرَهُمُ والصــبرُ نعــمَ المصـاحبُ
وكيـف بـأَن تُخْطِـي المَقاتـلَ سـُمْرُهم
وقـــد ســدَّدتْهُنَّ الأَكــفُّ الــدوارب
وقــد قــويت أيــدٍ لهــا وسـواعدٌ
كمــا قــويتْ أَعضــادها والمنـاكبُ
تريـك القَنـا رقطـاً إذا ما نصَبْتها
إلـى الطَّعـن فهي الراقطات النواصِب
قنـا موجبـاتٌ مـا سـلبن عـن العدا
لعليــاك فهـي الموجبـاتُ السـَّوالب
ســـماكمْ ســـماءٌ للعُلا ووجـــوهكم
شـــموسٌ وأَقمـــارٌ لهــا وكــواكب
وقُــدْتُمْ جيوشــاً للمهابــة بأْسـُكُمْ
دروعٌ وخرصــــانٌ لهـــا وقواضـــب
وكــم معقــلٍ دارتْ عليــه جيـادكُمْ
وأوفـتْ كمـا أَوفـى على العين حاجب
وكـم سَبسـبٍ أَضـحى بهـا وهـو عـامرٌ
وكــم عــامرٍ غــادرن وهـو سباسـب
لقــد غلــبَ الأَعــداءَ مَلــكٌ مؤيّـدٌ
تســـامت بعليـــاه عَــديٌّ وغــالب
إمـــامٌ ســعيدٌ جَــدُّهُ مثــلُ جَــدِّه
فــذا غــالبٌ حقًّــا وذلــك غــالب
سليلُ الرضا المنصورِ يحيى الذي سمتْ
مــراقٍ إلــى العليـا بـه ومراقـب
إلــى أَبَــوَيْ حفــصٍ نَمَتْــهُ أَرومـةٌ
تسـامتْ لهـا فـي المعلُـوات مناصـب
هُمـامٌ ببشـرى النصر والفتح لم تزلْ
تســيرُ لــه كتْــبٌ وتســري كتـائب
عقيــدُ النــدى للجـود غـادٍ ورائحٌ
وحِلـف التقـى فـي اللـه راضٍ وغاضب
ومسـتقبل الإِقبـال واليُمن في الوغى
ومنصــرفٌ بالنصــر والفتــحِ آيــب
ومُبتسـمٌ فـي يَـوْمَي البـأْس والنـدى
أَبـى أَنْ يُـرى فـي حالـةٍ وهـو قاطب
يزيـــد محيَّـــاه ســـناً وطلاقـــةً
إذا مـا غـدا وَجْـهُ الضُّحى وهو شاحب
وقــد أَلــفَ الهيجـاءَ حتَّـى كأنَّهـا
لــه وطــنٌ والنصــر جــارٌ مصـاقب
صـــدور عـــواليه مطــالع أَنجــمٍ
لهــا فـي صـدور المعتـدين مغـارب
وأكــثرُ ممَّــا قــاده مــن مقـانبٍ
خلالُ جلالٍ حازَهــــــا ومنــــــاقب
مـراقٍ من العلياء والملك ما ارتقت
إلـى مثلهـا شـُهْبُ الـدُّجى والأَشـاهب
أَفــاضَ نــداه مُغْنِيــاً عـن سـُؤاله
فمـــا عــزَّ مطلــوبٌ ولا ذلَّ طــالب
وجلـــى هُــداهُ ليــلَ كــلِّ ضــلالةٍ
فلـم تَـدْجُ مـن ليـلِ الضـَّلالِ غيـاهب
نجـومُ هـدًى تجلـو الدُّجى ما لِنُورها
غــروبٌ وأَنــوار النجــوم غــوارب
وسـُحْبُ نـدًى تشـفي الصدا ما لمثلها
نضــوبٌ وأَمــواه الســحابِ نواضــب
ومـا باعَـدَ الأَعـداءَ عـن هَـدْيِهِ سوى
نفــوسٍ أضــلَّتها الأَمـاني الكـواذب
وقـــرَّب منــه المهتــدين هــداهمُ
ففـازوا بمـا خـابَ العـدوُّ المجانب
طبــاعُ هــدى فــاقتْ طبــاعَ ضـلالة
ومنجــذبٌ كــلٌّ لمــا الطبـعُ جـاذب
ومـا المـرءُ فـي أَفعـاله غير دافِعٍ
لمــا يقتضــيه طبعُــهُ والضــرائب
ولـو لـم يكـنْ بيـن الطبـاع تخالفٌ
لمـا اختلفـتْ في العالِمين المذاهب
ورى قَـدْحُهُ في العقل والقول فاغتدى
بأنجــح قِــدْحٍ فيهمــا وهـو ضـارب
ففـي صـدره بحـرٌ مـن العلـم زاخـرٌ
وفــي كفِّـه غيـثٌ مـن الجـود سـاكب
فمَـنْ يـورِ زنـداً أَو يُفِـض في رجائه
فمــا قَـدْحُهُ خـابٍ ولا القِـدحُ خـائب
أَفـادتْهُ فـي سـنِّ الشـَّباب من النهى
بصــيرتُه مــا لـم تُفِـدْهُ التجـارب
ويهــديه نــورٌ للبصـيرة لـم تكـنْ
لتهـدي كمـا يهـدي النجوم الثواقب
تفتّـح فـي القرطـاس يُمْنـاه فوقَ ما
تفتّـح فـي الـروض السـحابُ السواكب
فكــم فـضَّ أَبكـارَ المعـاني خطـابه
فأَضــْحَتْ بــه الأَفكـار وهـي خـواطب
وجـودٌ لـه قـد فـاقَ مَعْنًى ومنطقٌ له
فـــاقَ معنًـــى لفظُــهُ المتناســب
فــإن أجتلــب شـعراً إليـه فـإنَّني
إلــى هجـرِ تمـراً كمـا قيـل جـالب
أَمُطْلِــعَ أَنْــوار الهدايــةِ بعـدما
تَــوارى ســناها وادلهمَّــتْ غيـاهب
ســَميّ رســولِ اللـه لا زلـتَ سـامياً
ولا زلــتَ منصـوراً علـى مـن تحـارب
ولا زالَ أمــرُ اللــه أَمـرَك تعتلـي
لـــه درجــات فــي العلا ومراتــب
حازم بن محمد بن حسن، ابن حازم القرطاجني أبو الحسن.أديب من العلماء له شعر، من أهل قرطاجنة شرقي الأندلس، تعلم بها وبمرسية وأخذ عن علماء غرناطة وإشبيلية وتتلمذ لأبي علي الشلوبين ثم هاجر إلى مراكش.ومنها إلى تونس، فاشتهر وعُمّر وتوفي بها.وله (ديوان شعر - ط) صغير وهو صاحب المقصورة التي مطلعها:لله ما قد هجت يا يوم الندى على فؤادي من تباريح الجوىشرحها الشريف الغرناطي في كتاب سماه (رفع الحجب المنشورة على محاسن المقصورة - ط).من كتبه (سراج البلغاء) طبع طبعة أنيقة محققة باسم (مناهج البلغاء وسراج الأدباء).