
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الشَّمّاخُ هُوَ مَعْقِلٌ بْنُ ضِرارٍ الذُّبْيانِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ وَالإِسْلامَ وَأَسْلَمَ، كانَ أَوْصَفَ الشُّعَراءِ لِلحُمُرِ الوَحْشِيَّةِ وَالقِسِيِّ، وأَرْجَزَ النَّاسِ عَلى بَديهَةٍ. وَهُوَ شاعِرٌ مُجِيدٌ شَدِيدٌ مُتُونُ الشِّعْرِ جَعَلَهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ مَعَ النَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ وَلَبِيدٍ وَأَبِي ذُؤْيَبٍ الهُذليّ، وَلَهُ أَخَوانِ شاعِرانِ هُما: مُزَرَّدٌ وَجُزْءٌ، تُوُفِّيَ فِي غَزوَةِ مُوقانَ حَوالَيْ سَنَةِ 22 هـ/643م.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
أَورَدَ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهانِيُّ فِي (الأَغانِي) قُولِينِ فِي نَسَبِ الشَّمّاخِ أُوْلاهُما أَنَّهُ الشَّمّاخُ بْنُ ضِرارِ بْنِ سِنانِ بْنِ أُمَيَّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشِ بْنِ بِجالَةِ بْنِ مازِنِ بْنِ ثَعْلَبَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيانَ. وَأَمّا الثّانِي -وهُوَ رَأْيُ الكُوفِيِّينَ- أَنَّهُ الشَّمَّاخُ بْنُ ضِرارِ بْنِ حَرْمَلَةِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ إِياسِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عُثْمانِ بْنِ جَحّاشِ بْنِ بِجالَةِ بْنِ مازِنِ بْنِ ثَعْلَبَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفانَ.
والشَّمَّاخُ هُو لَقَبُهُ واسْمُهُ مَعْقِل، وَقيلَ الهَيثمُ، والصَّحيحُ مَعْقِلٌ. وَهوَ مِن ثَعلَبةِ بنِ سَعدِ إِحْدَى بُطونِ ذُبيانَ، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ ذبيان إلى ثلاثُ قَبائِلَ هِيَ: ثَعْلَبَة، وَفَزارَة، وَمُرَّة. وَكانَتْ مَنازِلُهُمْ بِنَجْدٍ مِمّا يَلِي وادِيَ القُرَى وَجَبَلَ طَيء، ثُمَّ افْتَرَقُوا فِي الفُتُوحاتِ الاِسْلامِيَّةِ، وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْها قَبائِلُ طَيء، وَقَبِيلَةُ تَغْلِبَ مِنَ القَبائِلِ الَّتِي لَها وَقَعاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الجاهِلِيَّةِ كَيَوْمِ الرَّقْمِ، وَهُوَ يَوْمٌ كانَ لِغَطْفانَ عَلَى بَنِي عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، لكِنَّ أَشْهَرَ وَقَعاتِهِمْ كانَتْ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ الَّتِي وَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَبِيلَةِ عَبْس.
وَذَكَرَ صاحبُ (الأغانِي) أنَّ أُمَّ الشَّمّاخِ أَنْمارِيَّةٌ مِنْ بَناتِ الخَرْشَبِ، وَاسْمُها مُعاذَةُ بِنْتُ بُجَيْرِ بْنِ خالِدِ بْنِ إِياسٍ. وَلِلشَمّاخِ أَخَوانِ مِنْ أُمِّهِ وَأَبِيهِ شاعِرانِ، أَحَدُهُما مُزَرِّدٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ، وَاسْمُهُ يَزِيدُ وَإِنَّما سُمِّيَ مُزْرِّداً لِقَوْلِهِ:
فَقُلْتُ تَزَرَّدْها عُبَيدُ فَإِنَّنِي لِدُرْدِ الشُّيُوخِ فِي السِّنِينِ مُزَرِّدَ
وَالآخَرُ جُزْءُ بْنُ ضِرارٍ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ يَرْثِي عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
عَلَيْكَ سَلامٌ مِنْ أَمِيرٍ وَبارَكَتْ يَدُ اللهِ فِي ذاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ
عاشَ الشَّمّاخُ شَطْرَ حَياتِهِ الأَوَّلِ فِي الجاهِلِيَّةِ وَاكْتَسَبَ مُفْرَداتِهِ وَلُغَتَهُ مِنْ تِلْكَ الفَتْرَةِ، فَكانَ -كَما ذَكَرَ ابْنُ سَلامٍ فِي طَبَقاتِهِ- شَدِيدَ مُتُونِ الشِّعْرِ أَشَدَّ أَسْرَ كَلامٍ مِنْ لَبِيدٍ، وَفِيهِ كِزازَةٌ، وَلَبِيدٌ أَسْهَلُ مِنْهُ مَنْطِقاً. وَلَعَلَّ هذِهِ الوَعَوْرَةَ وَالصُّعُوبَةَ فِي شِعْرِهِ كانَتْ انْعِكاساً لِطَبِيعَتِهِ النَّفْسِيَّةِ كَذلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ كانَ شَدِيداً مُهاباً مِنْ غِيْرِهِ مِنْ الشُّعَراءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ أَخاهُ مُزَرِّداً قالَ لِأُمِّهِ: كانَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ لا يُهابُنِي وَهُوَ اليَوْمَ يُهابُنِي. فَقالَتْ: يا بُنَيَّ نَعَمْ، إِنَّهُ يَرَى جَرْوَ الهِراشِ مُوثَقاً بِبابِكَ، تَعْنِي أَخاهُ الشَّمّاخَ.
وَكانَ الشَمّاخُ إِلَى ذلِكَ أَحَدَ مَنْ هَجا قَوْمَهُ وَهَجا ضَيْفَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِقِراهُ. فَقَدْ قالَ فِي قَوْمِهِ أَنْمارِ بْنِ بَغِيضٍ:
تَعَـلَّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّا كَأَنَّنَا أَفَأْنَـا بِأَنْمَارٍ ثَعَالِبَ ذِي غِسْلِ
تَعَلَّمْ رَسُولَ اللهِ لَمْ نَرَ مِثْلَهُمْ أَجَرَّ عَلَى الْأَدْنَى وَأَحْرَمَ لِلْفَضْلِ
وَرُبَّما كانَتْ قَسْوَتُهُ وَجَفاؤُهُ سَبَبَاً في خَلْقِ المَشاكِلِ وَالخِلافاتِ مَعَ أُسْرَتِهِ وَخاصَّةً زَوْجَتَهُ، فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الفَرَجِ فِي (الأَغانِي) أَنَّ الشَّمّاخَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سُلَيمٍ فَأَساءَ إِلَيْها وَضَرَبَها وَكَسَرَ يَدَها. فَعَرَضَتْ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِها، يُقالُ لَها أَسْماء ذاتَ يَوْمٍ لِلطَّرِيقِ تَسْأَلُ عَنْ صاحِبَتِها، فَاجْتازَ الشَّمّاخُ وَهِيَ لا تَعْرِفُهُ: فَقالَتْ لَهُ: ما فَعَلَ الخَبِيثُ شَمّاخٌ؟ فَقالَ لَها: وَما تُرِيدِينَ مِنْهُ؟ قالَتْ: إِنَّهُ فَعَلَ بِصاحِبَةٍ لَنا كَيْتَ وَكَيْت. فَتَجاهَلَ عَلَيْها وَقالَ: لا أَعْلَمُ لَهُ خَبَراً، ومَضَى وَتَرَكَها وَهُوَ يَقُولُ:
تُـعَــارِضُ أَسْـمَــاءُ الرِّكَـابَ عَـشِــيَّةً تُسَـائِلُ عَنْ ضِغْـنِ النِّسَاءِ الطَّوَامِحِ
وَمَـاذَا عَـلَيْهــا إِنْ قَلُوصٌ تَمَـرَّغَـتْ بِعِـكْـمَـيْـنِ إِذْ أَلْقَتْهُـمَـا بِالصَّحَاصِحِ
وَأَمّا خَبَرُهُ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ سَلامٍ فِي طَبَقاتِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ كانَتْ عِنْدَ الشَّمّاخِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَى سُلَيمٍ إِحْدَى بَني حَرامِ بْنِ سَمالٍ فَنازَعَتْهُ وَادَّعَتْ عَلَيْهِ طَلاقاً وَحَضَرَ مَعَها قَوْمُها فَأَعانُوها وَاخْتَصَمُوا إِلَى كُثيّرِ بْنِ الصَّلْتِ وَكانَ عُثْمانُ أَقْعَدَهُ لِلنَّظَرِ بَيْنَ النّاسِ ... فَرَأَى كُثَيّرٌ عَلَيْهِ يَمِيناً فَالْتَوَى الشَّمّاخُ بِاليَمِينِ يُحَرِّضُهُمْ عَلَيْها ثُمَّ حَلَفَ وَقالَ:
أَتَتْنِي سُـلَيْــمٌ قَـضُّهـَا وقَـضِـيـضُهـا تُـمَـسِّحُ حَوْلِي بِالْبَـقِـيـعِ سِبَـالَهـا
يَـقُــولُونَ لِي احْـلِفْ فَلَسْـتُ بِحَـالِفٍ أُخَـادِعُهُـمْ عَنْهـا لِكَيْـمـا أَنَالَهـا
فَفَـرَّجْـتُ كَرْبَ النَّفْسِ عَنِّيـ بِحَـلْفَـةٍ كَمَـا شَقَّتِ الشَّقْرَاءُ عَنْهَا جِلَالَها
وَذُكِرَ فِي (الأَغانِي) قِصَّة أُخْرَى فِي خَبَرِ هذِهِ الأَبْياتِ فَقالَ: قَدمَ ناسٌ مَنْ بَهْزِ المَدِينَةِ يَسْتَعدُونَ عَلَى الشَّمّاخِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ هَجاهُمْ وَنَفاهُمْ، فَجَحَدَ ذلِكَ الشَّمّاخُ. فَأَمَرَ عُثْمانُ كَثَيّرَ بْنَ الصَّلْتِ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى مِنْبَرِ النََّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماهَجاهُمْ. فَانْطَلَقَ بِهِ كُثَيّرٌ إِلَى المَسْجِدِ ثُمَّ انْتَحاهُ دُونَ بَنِي بَهْز... فَقالَ لَهُ: وَيْلَكَ يا شَمَّاخُ، إِنَّكَ لَتَحْلِفُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ حَلَفَ بِهِ آثِماً يَتَبَوَّأُ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ، قالَ: فَكَيْفَ أَفْعَلُ فِداؤُكَ أَبِي وَأُمِّي؟ قالَ: إِنِّي سَوْفَ أُحَلِّفُكَ ما هَجْوْتَهُمْ، فَاقْلِبْ الكَلامَ عَلَيَّ وَعَلَى ناحِيَتِي فَقُلْ: وَاللهُ ما هَجْوْتَكُمْ، فَأَرِدْنِي وَناحِيَتِي بِذلِكَ، وَإِنِّي سَأَدْفَعُ عَنْكَ. فَلَمّا وَقَفَ حَلَفَ كَما قالَ لَهُ وَأَقْبَلَ على كُثَيّرٍ فَقالَ: ما هَجَوْتُكُمْ. فَقالَتْ بَهز: ما عَنَى غَيْرَكُمْ، فَأَعِدْ اليَمِينَ عَلَيْهِ. فَقالَ: مالِي أَتَأَوَّلُهُ هَل اسْتَحْلَفْتُهُ إِلّا لَكُمْ، وما اليَمِينُ إِلّا مَرَّةً واحِدَةً، انْصَرِفْ يا شَمَّاخُ، فَاِنْصَرَفَ وَهُوَ يَقُولُ:(أَتَتْنِي سُـلَيْــمٌ قَـضُّهـَا وقَـضِـيـضُهـا).
ثُمَّ دَخَلَ المَدِينَةَ فِي بَعْضِ حَوائِجِهِ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ بَنُو سُلَيمٍ يَطْلُبُونَهُ بِظُلامَةِ صاحِبَتِهِمْ، فَأَنْكَرَ. فَقالُوا: احْلِفْ، فَجَعَلَ يَطْلُبُ إِلَيْهِمْ وَيُغْلِظُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ اليَمِينِ وَشِدَّتَها عَلَيْهِ لِيَرْضُوْا بِها مِنْهُ حَتَّى رَضُوا، فَحَلَفَ لَهُمْ وَقالَ:
أَلَا أَصْبَـحَتْ عِرْسِي مِنَ الْبَيْتِ جَامِحاً عَلَى غَيْـرِ شَيْءٍ أَيُّ أَمْرٍ بَدَا لَهَا
عَلَى خَيْـرَةٍ كَانَـتْ أَمِ الْعِرْسُ جَامِحٌ وَكَيْـفَ وَقَدْ سُقْنَا إِلَى الْحَيِّ مالَها
وَلَمْ تَدْرِ مَا خُلْقِـي فَتَـعْـلَمُ أَنَّنِي لَدَى مُسْـتَـقَـرِّ الْبَيْـتِ أُنْعِـمُ بَالَها
سَتَـرْجِـعُ نَدْمَـى خَسَّةَ الْحَظِّ عِنْـدَنَا كَـمَــا صَرَمَـتْ مِنَّا بِلَيْـلٍ وِصَالَهـا
وَمِنْ أَخْبارِهِ مَعَ أَخِيهِ جُزْءٍ أَنَّ الشَّمّاخَ كانَ يَهْوَى امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ يُقالُ لَها كَلْبَةُ بِنْتُ جَوّالٍ أُخْتُ جَبَلِ بْنِ جَوّالٍ الشّاعِرِ... وَكانَ يَتَحَدَّثُ إِلَيْها وَيَقُولُ فِيها الشِّعْرَ، فَخَطَبَها فَأَجابَتْهُ وَهَمَّتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ لَهُ فَتَزَوَّجَها أَخُوهُ جُزْءُ بْنُ ضِرارٍ، فَآلَى الشَّمّاخُ أَلّا يُكَلِّمَهُ أَبَداً، وَهَجاهُ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
لَنَا صَاحِبٌ قَدْ خَانَ مِنْ أَجْلِ نَظْرَةٍ سَقِـيـمُ الْفُؤادِ حُبُّ كَلْبَةَ شَاغِلُهْ
فَماتا مُتهاجِرَيْنِ.
وَقَدْ اشْتُهِرَ الشَّمّاخُ بِمَدْحِ عَرابَةَ الأُوسِيِّ، وَقِصَّتُهُ يُورِدُها الأَصْفَهانِيُّ وَفِيها أَنَّ الشَّمّاخَ خَرَجَ يُرِيدُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَهُ عَرابَةُ بْنُ أَوْسٍ فَسَأَلَهُ عَمّا أَقْدَمَهُ المَدِينَةَ، فَقالَ: أَرَدْتُ أَن أَمْتارَ لِأَهْلِي. وَكانَ مَعَهُ بِعِيرانِ فَأَوْقَرَهُما لَهُ بُرّاً وَتَمَرّاً وَكسَاهُ وَبَرَّهُ وَأَكْرَمَهُ. فَخَرَجَ عَنْ المَدِينَةِ وَامْتَدَحَهُ بهذِهِ القَصِيدَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيها:
رَأَيْتُ عَرابَةَ الأُوسِيَّ يَسْمُو إِلَى الخَيْراتِ مُنْقَطِعُ القَرِينِ
وَعاشَ الشَّمّاخُ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ وَقَدْ اشْتَرَكَ فِي بعضِ الغَزَواتِ مِثْلَ غَزْوَةِ القادِسِيَّةِ وَمَوْقانَ وَغَيْرِها.
تُوفِّيَ الشَّمَّاخُ فِي غَزوَةِ مُوقانَ حَوالَي سَنَةِ 22هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 643 لِلمِيلادِ.
وَضَعَهُ ابنُ سَلَّامٍ الجُمحيُّ فِي الطَّبقةِ الثالثةِ وقَرَنَهُ بِالنَّابِغَةِ ولَبِيدٍ وأَبي ذُؤيبٍ الهُذَلِيّ، وَوَصَفَهُ فَقالَ: كانَ شَدِيدَ مُتُونِ الشِّعْرِ أَشدَّ أَسْرَ كلامٍ مِن لَبيدٍ، وَفِيهِ كَزازَةٌ، وَلَبِيدٌ أَسْهَلُ مِنهُ مَنْطِقاً.
يُعد مِن أَشْهَرِ شُعراءِ العَرَبِ وأَجْوَدِهم شِعراً عِندَ بَعضِ الشُّعراء والرُّواةِ، فَقد رُويَ أنَّهُ قِيلَ لِلحُطَيئَةِ حينَ حَضَرتْهُ الوَفاةُ: أَوصِ. فَقالَ: أَبلِغُوا أَهلَ الشَّمّاخِ أَنَّهُ أَشْعَرُ العربِ. ووردَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ المَهديَّ الخَليفةَ قالَ لِأَبِي دَأْبٍ أَنْشِدْنِي أَبياتاً مِن أَشْعَرِ ما قالَتِ العَرَبُ، فاخْتارَ أَبياتاً للشَّمّاخِ وقالَ: إِنَّ مِن أَشعرِ ما قالتِ العَرَبُ قَولَ الشَّمّاخِ:
وَأَشْـعَــثَ قَـدْ قَـدَّ السِّفـَارُ قَـمِــيــصَهُ وَجَـرُّ الشِّوَاءِ بِـالْعَــصَـا غَيْـرَ مُنْـضَـجِ
دَعَـوْتُ فَـلَبَّاــنِــي عَلَى ما يَنُـوبُـنِـي كَـرِيــمٌ مِـنَ الْفِـتْــيــانِ غَـيْـرُ مُزَلَّجِ
فَـتَــىً يَمْـلَأُ الشِّيزَى وَيُرْوِي سِنَـانَهُ وَيَــضْـــرِبُ فـي رَأْسِ الْكَـمِــيِّ الْمُـدَجَّجِ
أَبَـلُّ فَـلَا يَـرْضَــى بِـأَدْنَــى مَعِـيـشَـةٍ وَلَا فـي بُـيُــوتِ الْحَـيِّ بِـالْمُــتَــوَلِّجِ
اسْتَجادَ الأَصْمَعِيُّ قَصيدَةَ الشَّمّاخِ الَّتي مَطلَعُها (أَلَا نَـادِيَــا أَظْـعَــانَ لَيْـلَى تُـعَــرِّجِ / فَـقَــدْ هِـجْــنَ شَـوْقــاً لَيْتَهُ لَمْ يُهَيَّجِ) وقالَ عِندما سَأَلَهُ عَنها الخَليفةُ الرَّشيدُ: هِي عَروسٌ كَامِلَةٌ.
اشْتُهِرَ الشَّمّاخُ بِقدرَتِهِ عَلى الوَصْفِ، وَعدَّهُ ابنُ قُتيبةَ فِي (الشِّعر والشُّعراء) أَوصَفَ الشُّعراءِ لِلقَوسِ ولِلحَميرِ، وأَرْجَزَ النَّاسِ عَلى بَديهَةٍ.
أشارَ ابنُ قُتيبَةَ أَنَّ الشَّمَاخَ مِن الشُّعراءِ السَّابِقينَ لِلمعانِي، وَمِثالُ ذَلِكَ قَولُهُ: (تَـخَــامَـصُ عَنْ بَرْدِ الْوِشَاحِ إِذا مَشَـتْ / تَخَامُصَ حَافِي الْخَيْلِ فِي الْأَمْعَزِ الْوَجِي) أَخذَهُ ذُو الرُّمّةِ فقالَ يَصِفُ إِبِلاً: (تَشكو الوجى وَتَجافى عَن سَفائِفِها / تَجـافِيَ البيضِ عَن بَردِ الدَماليجِ).
مِنَ المَعانِي الَّتي أُخِذتْ عَلى الشَّمّاخِ قولُهُ مُخاطِباً ناقَتَهُ:
إِذَا بَلَّغْـتِـنِـي وَحَطَـطْـتِ رَحْلِي عَرَابَـةَ فَاشْـرَقِي بِدَمِ الْوَتِينِ
وَفُضِّلَ عَليهِ قَولُ أبي نواسٍ:
أَقولُ لِناقَـتـي إِذ بَلَغَـتـنـي لَقَد أَصبَـحـتِ عِنـدي بِاليَمينِ
فَلَم أَجعَـلكِ لِلقُربـانِ نَحراً وَلا قُلتُ اِشرَقي بِدَمِ الوَتينِ
وعَدَّهُ ابنُ رشيقٍ مِمَّا أَجادَ فِيهِ المُتَّبِعُ عَلى المُبْتَدِعِ، ورُوِيَ أنَّ عبدَ المَلِكِ بنَ مروانَ قَال عِندَما أُنْشِدَ هَذا البيتَ: بِئْسَتِ المُكافأَةُ كافَأَها، حَمَلتْ رَحلَهُ وَبلَّغَتْهُ بُغيتَهُ فَجَعَلَ مُكافَأَتَها نَحْرَها.
(ابنُ سَلّامٍ الجُمحيُّ/ طَبقاتُ فُحولِ الشُّعراءِ)
(اِبْنُ قُتَيْبَةَ/ الشِّعْرُ وَالشُّعَراءُ).
(أَبُو الفرجِ الأَصفهانيّ/الأغاني).
(ابْنُ رَشِيقٍ القَيْرَوانِيُّ/ العُمْدَةُ).
(مَطاع صفدِي وَخَلِيل حاوِي/ مَوْسُوعَةُ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ)