
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أبو بَكْر الصِّدِّيق، عَبْدُ اللهِ بن أبي قُحافة التَّيْمي القُرَشي، أَوّلُ الخلفاءِ الرَّاشِدين، وأّوَّل مَنْ آمنَ مِن الرِّجال، وأَحَدُ ساداتِ قُرَيش في الجاهليّة وأَغنيائِهم، كانَ عالِماً بأنسابِ القبائِلِ وأَخْبارِها. صَحِب النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلّم في هِجْرَتِه للمَدينة المنوَّرة، وشَهِدَ معه المشاهِدَ كُلَّها، بُويع بالخلافةِ بعد وفاةِ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلَّم سنة 11هـ، فحاربَ المُرْتدِّين، وافْتُتِحَتْ الشَّام وجزءٌ كبيرٌ من العراقِ في عَهْدِه. ودارَ أغلبُ شِعْرِهِ في الدّفاع عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم والإسلامِ، بالإضافةِ إلى عدّةِ قصائدَ في رثاءِ النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعدَ وفاتِه.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هو عبدُ اللَّهِ بن عثمانَ بن عامرِ بن عَمْروِ بن كَعبِ بن سَعدِ بن تَيمِ بن مُرَّة بن كعبِ بن لُؤَيّ بن غالبِ بن فِهرِ بن مالكِ بن النَّضْر (وهو قُريش) بن كِنانة بن خُزيمةَ بن مُدْركةَ بن إلْياسَ بن مُضَر بن نزارَ بن مَعدّ بن عَدْنان. وقريشٌ قبيلةٌ مُضريِّةٌ عدنانيّةٌ، تنتسب إلى النبي إسماعيل عليه السّلام، وكانت لها السقايةُ والرّفادةُ وسدانة البيت، ومكانةٌ دينيّةٌ بارزة بين العرب.
يُكَنَّى بأبي بَكْر لأنَّه أَسَلمَ مُبكِّرًا، والصّدِّيق لأنَّه صَدَّق النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حادثة الإسراء، وقِيلَ إنَّه لقبُه في الجاهليّة إِذْ كانَ هو مَنْ يَحملُ الدِّيَات فيأخذُ عنهُ النَّاس ويصدِّقونه، أمَّا إنْ حَمَلها غيره فلا يصدِّقونه.
لُقِّب أيضًا بعَتِيق، وقد ذُكِر في المصادر عِدّة أسباب لهذا اللَّقب وهي:
عن عائشة رضي الله عنه قالت: إنَّ رسولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلّم وأصحابَه بفِناء البَيت إذْ جاءَ أبو بكر، فقال النبيُّ صلّى اللَّه عليه وسلّم: "مَنْ سَرَّه أنْ يَنْظرَ إلى عَتِيق من النّار فلْيَنظرْ إلى أبي بكر".
عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، قال: سألتُ عائشةَ عنِ اسْمِ أبي بكر، فقالت: عبدُ اللَّه. فقلت: إنّ الناس يقولون عَتيق؟ قالت: إنَّ أبا قُحافة كانَ له ثلاثةُ أولادٍ فسمَّى واحدًا عَتِيقاً، والثّانيَ مُعْتَقاً، والثالثَ عُتَيْقاً؛ أي بالتصغير.
وقيلَ لجمالِه، أو لأنَّه قديمٌ في الخَير، أو لِعتاقَةٍ في وجهِه.
تزوج أبو بكر من أربع نسوة، وهُنّ على التوالي:
1- قتيلة بنت عبد العزى بن سعد بن جابر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهي أم عبد الله وأسماء.
2- أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة الكنانية، وهي أم عائشة وعبد الرحمن، توفيت في ذي الحجة سنة 4هـ أو 5هـ أو 6هـ.
3- أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث بن تيم الشهرانية الخثعمية، وهي أم محمد، كانت زوج جعفر بن أبي طالب، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب.
4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجية الأنصارية، وقيل: مليكة بنت خارجة، وهي أم أم كلثوم.
لأبي بكر ستة أولاد، ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهم:
1- عبد الرحمن بن أبي بكر، أمه أم رومان، وهو شقيق عائشة.
2- عبد الله بن أبي بكر، أمه قتيلة بنت عبد العزى، وهو شقيق أسماء، وهو الذي كان يأتي النبيَّ وأباه أبا بكر بالطعام وبأخبار قريش إذ هما في الغار كل ليلة، توفي أول خلافة أبي بكر في شوال سنة 11هـ.
3- محمد بن أبي بكر، أمه أسماء بنت عميس، وهو أخو عبد الله بن جعفر لأمه، وأخو يحيى بن علي لأمه.
4- أسماء بنت أبي بكر، أمها قتيلة بنت عبد العزى، وهي زوج الزبير بن العوام وأم عبد الله بن الزبير، لقبت بذات النطاقين.
5- عائشة بنت أبي بكر، أمها أم رومان، وهي زوج النبي محمد وأشهر نسائه، لقبت بالصديقة بنت الصديق وأم المؤمنين، توفيت سنة 57هـ أو 58هـ ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، ودفنت بالبقيع.
6- أم كلثوم بنت أبي بكر، أمها حبيبة بنت خارجة، وقد وُلِدَت بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وُلِدَ أبو بكرٍ الصدِّيق في مكَّة بعد عامِ الفِيل بسنتَينِ وعِدّة شهور، نشَأَ وترَعْرَعَ فيها وكانَ من المُقَدَّمِينَ في الجاهليّة ومن رؤسائها وكِبارِ تُجَّارها، وقَدْ أسَلَمتْهُ قريشٌ الدِّيَات وكانتْ تُسمَّى الأَشْناق، وكانَ إذا حَمَل شيئاً صدَّقَتْه قريشٌ وأمْضَوْا حَمالَتَهُ وحَمَالة مَنْ قامَ مَعَهُ، وإنِ احْتَمَلها غيرُه خذلوهَ ولمْ يصدِّقوه. اشْتُهرَ بعِلْمِه في أنسابِ القبائلِ وأخبارِها لكنْ لم يكنْ يتعرّض بذِكْر المثالب لأيِّ قبيلة على عَكْس كثير من النسَّابة. حرَّمَ على نَفْسِه الخَمْر في الجاهليّة إذ مرَّ يومًا برجلٍ سَكران يضعُ يدَه في العُذرة أيْ الغائط ويدنيها من فيه، فإذا وَجَدَ ريحَها صَرَفها عنه، فقال أبو بكر: إنَّ هذا لا يدري ما يصنع، وهو يجدُ ريحَها فحَماها. ورُوِيَ عنهُ أنَّه لم يسجدْ لصنمٍ في الجاهليّة، وقدْ خاضَ رِحلةً طويلةً في البحثِ عن الدِّين الحقِّ بعدَ أنْ أدَركَ ضلالَ قومِه ومخالفتهم للفِطْرة السَّليمة، فالتقى بأبناء الدِّيانات الأخرى وذلك بِحُكْم عملهِ في التِّجارة وتَجْوالِه في شرقِ الأرض وغربِها، لكنْ لم يجدْ بُغْيَته.
والتقى ببعضِ أسفارهِ بالرّاهب بحيرا الذي أخبَرهُ أنَّ النبيّ المنتظر سيخرج من مكّة ومن قومِ أبي بكر وسيكون وزيره وخليفته بعد موته، فأسرَّ أبو بكر ذلك في نفسه. صَحِب أبو بكرٍ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم في الجاهليّة ونشَأتْ بينهما علاقةٌ قويّة ومعرفةٌ عميقة، فلمَّا بُعِثَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعا أبا بكر للإسلامِ لم يتردَّد ولم ينكرْ، فكانَ أّوَّلَ من أسلمَ من الرِّجال الأحرارِ وهو أوَّل مَنْ صلَّى مع النبيّ صلَّى الله عليه وسلّم، ودعا إلى الإسلامِ فأسلمَ على يديهِ: الزُّبَيرُ بن العوّام، وعثمانُ بن عفان، وطَلحةُ بن عبيد الله، وسعدُ بن أبي وقَّاص، وعبدُ الرحمن بن عوف، ثمّ جاءَ بعثمانَ بن مَظعون، وأبي عبيدة بن الجرّاح، وأبي سَلَمة بن عَبد الأسد، والأَرْقم بن أبي الأرقم. دافعَ عن النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في مواقفَ عديدةٍ في مكّةَ وأعتقَ رقاباً كثيرةً من المسلمينَ أبرزهم بلال بن رباح، ثمَّ لمَّا هاجرَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم اختار أبو بكر ليصْحَبَهُ في الهِجرة، ودخلَ معهُ غارَ ثَور وذكَرهُ الله في هذا الموقف في القرآن فقال: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلٰى ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
كانَ أحبَّ النَّاس للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلّم بعد ابنتهِ عائشة كما ذُكِر في بعضِ الأحاديث، ومن خواصِّه وأهلِ مشورتِه، وشَهِد معهُ المشاهدَ كلَّها. صلّى خَلْفَه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يصلِّ خلفَ أحَدٍ غيره إلّا عبد الرحمن بن عوف، وجاءتْ مرّةً امرأةٌ تسأل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالتْ له: إذا لم أجِدك – تريد الموت – فأسأل مَن؟ فقال لها: اسألي أبا بكر، ولما مرض النبي صلّى الله عليه وسلّم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذَّن بلال، فقال: "مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس"، فهذه أماراتٌ تدلُّ على رِفعة شأنِ أبي بكر ومدى قُربِه من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استدلّ بعض المؤرِّخين على هذه الأمارات بتوليَةِ أبي بكر الصدّيق الخلافة بعد وفاةِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
لمَّا تُوفِّي النّبي صلّى الله عليه وسلّم جَزِع أهلُ المدينة فقامَ فيهم خطيباً فقال أبو بكر الصديق:
"ألا من كان يعبد محمّداً، فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثمَّ قرأ (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). وقال في ذلك أيضًا قصيدةً مَطْلعها:
أَجِــدَّكَ مــا لِعَيْنِـكَ لا تَنـامُ كَـــأَنَّ جُفُونَهــا فِيهــا كِلامُ
لِأَمْــرِ مُصِــيبَةٍ عَظُمَــتْ وَجَلَّـتْ وَدَمْـعُ الْعَيْـنِ أَهْوَنُهُ انْسِجامُ
فُجِعْنـا بِـالنَّبِيِّ وَكـانَ فِينا ِإِمــامَ كَرامَـةٍ نِعْـمَ الْإِمـامُ
وروى الذّهبيّ أنّه لمَّا عَلِم الأنصارُ بوفاةِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم التفّوا حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة ليجعلوه خليفةً وذلك في سقيفة بني ساعدة ولما بلغ خبرُ اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين، وهم مجتمعون مع أبي بكر لترشيح من يتولى الخلافة، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإنّ لهم في هذا الحق نصيباً، فدارتْ بين المهاجرين والأنصارِ خُطب ونقاشاتٍ حتّى استقرّوا على ترشيحِ أبي بكر الصّدِّيق للخلافة.
ثمّ ارْتدَّتْ العربُ بعد وفاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلا قليلاً منهم، فقاتلهم أبو بكر الصدّيق ولم يدَّخِرْ جهداً في ذلك حتّى استقرّ أمرُ الجزيرة العربيّة، ثمَّ أَرْسَل الجيوشَ للعراق ففُتِح جزْءٌ كبيرٌ منها وبعدها الشَّام.
وفي عهدِهِ أيضاً جُمِعَ القرآنُ الكريمُ بعد أن استحرّ القتلُ في حفظَةِ القرآن بمعركةِ اليمامةِ مع المرتدّين، فأشارَ عمرُ بن الخطاب عليه بجمعِ المصحف، فكلّفَ أبو بكرٍ زيدَ بن ثابتِ بجمعِهِ، وبذلك جُمِعَ القرآنُ لأوّلِ مرّةٍ بين دفّتينِ في عهدِه.
وقد روت السّيّدة عائشة خبر وفاة أبيها أبي بكر فقالت: "أول ما بُدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسةَ عشرَ يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصّلاة وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه". واستمرَّ مرضُ أبي بكر مدّة خمسة عشر يوماً، حتّى مات يوم الاثْنين ليلة الثّلاثاء 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، قالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ أبا بكر قال لها: "في أيِّ يومٍ مات رسول الله ﷺ؟"، قالت: "في يوم الاثنين"، قال: "إنّي لأرجو فيما بيني وبين الليل، ففيم كفَّنْتُموه؟"، قالت: "في ثلاثة أثواب بيض سُحولية يمانيّة ليس فيها قميصٌ ولا عمامة"، فقال أبو بكر: "انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين"، فقيل له: "قد رَزَقَ الله وأحسن، نكفنك في جديد"، قال: "إن الحي هو أحوج إلى الجديد ليصون به نفسه عن الميت، إنما يصير الميت إلى الصديد وإلى البلى". وقد أوصى أنْ تغسِّله زوجه أسماء بنت عميس، وأنْ يُدْفَنُ بجانب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان آخرَ ما تكلّم به أبو بكر قولُ الله تعالى: "توفَّني مسلماً وألحقني بالصالحين". وتوفّي أبو بكر وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين سنة، وبذلك استوفى سن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ودفن جانبه، وقد جعل رأسه عند كَتِفَي النبي، وصلّى عليه خليفَتُه عمر بن الخطاب، ونزل قبرَهُ عمر وعثمان وطلحة وابنه عبد الرّحمن، وأُلْصِق اللَّحْدُ بقبر النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
على الرّغم من أنّ شهرة أبي بكر الصّدّيق تدورُ حول صحبتِهِ للنبيّ صلى الله عليه وسلّم وخلافتِه، إلّا أنّه كانَ جيِّد الشِّعْر؛ فقد ذكرهُ أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب، وذُكِرَ في بعض كتب الأدب، وكان غالبُ شعرِهِ يدورُ في الدِّفاعِ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم والإسلامِ وإبانِة محاسنِه وفضائله، ولهُ أبياتٌ في الحكمة، إضافةً إلى رثاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.