
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
قـرأت ومـا غيـر الطبيعـة مـن سـفر
صــحائف نحــوي كـل فـن مـن الشـعر
أرى غــرر الأشــعار تبــدو نضــيدوً
علـى صـفحات الكـون سـطراً علـى سطر
ومــا حادثــات الــدهر إلاّ قصــائد
يفــوه بهــا للسـامعين فـم الـدهر
ومــا المــرء إلا بيـت شـعر عروضـه
مصــائب لكــن ضــربه حفـرة القـبر
تنظّمنـــا الأيـــام شــعراً وإنّمــا
تـرّد المنايـا مـا نظمـن إلى النثر
فمّنــا طويــل مســهب بحــر عمــره
ومنّــا قصـير البحـر مختصـر العمـر
وهـذا مديـح صـيغ مـن أطيـب الثنـا
وذاك هجــاء صــيغ مــن منطـق هجـر
وربّ ينــام فــي المقــابر زرتهــم
بمنهـــل دمــع لا ينهنــه بــالزجر
وقفــت علــى الأجــداث وقفـة عاشـق
علــى الــدار دارس الطلــل القفـر
فمـا سـال فيـض الـدمع حـتى قرنتـه
إلـى زفـرات قـد تصـاعدن مـن صـدري
أســــكان بطـــن الأرض هلاّ ذكرتـــم
عهـوداً مضـت منكـم وأنتم على الظهر
رضــيتم بأكفــان البلــى حللاً لكـم
وكنتـم أولـي الديباج والحلل الحمر
وقـد كنتـم تـؤذي الحشـايا جنـوبكم
فكيـف رقـدتم والجنـوب علـى العَفـر
ألا يــا قبــوراً زرتهـا غيـر عـارف
بهـا سـاكن الصـحراء من ساكن القصر
لقــد حــار فكـري فـي ذويـك وإنـه
ليختـار فـي مثوى ذويك أو لو الفكر
فقلـــت وللأجـــداث كفـــي مشــيرة
ألا أن هـذا الشـعر مـن أفجـع الشعر
وليـــل عـــدافىّ الجنــاحين بتــه
أســامر فــي ظلمـائه واقـع النسـر
وأقلــع مــن سـفن الخيـال مراسـياً
فنجـري مـن الظلمـاء فـي لجـج خضـر
أرى القيــة الزرقـاء فـوقي كأنهـا
رواق مــن الــديباج رصــع بالــدر
ولـولا خـروق فـي الـدجى مـن نجـومه
قبضـت علـى الظلمـاء بالأنمـل العشر
خليلـيّ مـا أبهـى وأبهـج فـي الرؤى
نجومـاً بـأجواز الـدجى لم تزل تسرى
إذا مــا نجــوم الغـرب ليلا تغـورت
بـدت أنجـم في الشرق أخرى على الأثر
تجـوّلت مـن حسـن الكـواكب في الدجى
وقبـح ظلام الليـل فـي العرف والنكر
إلــى أن رأيـت الليـل ولّـت جنـوده
على الدهم يقفو أثرها الصبح بالشقر
فيالــك مــن ليــل قــرأت بوجهــة
نظيـم إليهـا فـي نـثر أنجمه الزهر
وقلـــت وطرفـــي شـــاخص لنجــومه
ألا أن هـذا الشـعر مـن أحسـن الشعر
ويـوم بـه اسـتيقظت مـن هجمة الكرى
وقـد قـدّ درع الليـل صمصـامةُ الفجر
فـــأطربني والــديك مشــجٍ صــياحه
ترنّــم عصــفور يزقــزق فــي وكــر
وممـا ازدهـى نفسـي وزاد ارتياحهـا
هبــوب نســيم سجســجٍ طيــب النشـر
فقمــت وقــام النــاس كــل لشـأنه
كأنـا حجيـج الـبيت فـي ساعة النَّفر
وقــد طلعــت شــمس النهـار كأنّهـا
مليــك مـن الأضـواء فـي عسـكر مجـر
بــدت مــن وراء الأفـق ترفـل للعلا
رويــداً رويـداً فـي غلائلهـا الحُمـر
غــدت ترســل الأنــوار حتّـى كأنّهـا
تسـيل علـى وجـه الـثرى ذائب التبر
إلـى أن جلـت فـي نورها رونق الضحا
صـقيلاً وفـي بحـر الفضـاء غـدت تجري
وأهــدت حيــاةً فـي الشـعاع جديـدةً
إلــى حيـوان الأرض والنبـت والزهـر
فقلـــت مشـــيراً نحوهــا بحفــاوة
إلا أن هـذا الشـعر مـن أبـدع الشعر
وبيضــة خـدر أن دعـت نـازح الهـوى
أجــاب ألا لّبيــك يـا بيضـة الخـدر
مــن اللاء يملكــن القلــوب بكلمـة
ويحييـن ميـت الوجـد بـالنظر الثزر
تهــادت ترينـي البـدر محدقـةً بهـا
أوانــس إحــداق الكــواكب بالبـدر
فللّـه مـا قـد هجِـنَ لـي مـن صـبابة
ألفـت بهـا طـيّ الضـلوع علـى الجمر
تصــافح إحـداهّن فـي المشـي تربهـا
فنحــر إلــى نحـر وخصـر إلـى خصـر
مــررنَ وقــد أقصــرت خطـوي تأدّبـاً
وأجمعــت أمـري فـي محافظـة الصـبر
فطأطــأنّ للتســليم منهــنَ أرؤســاً
عليهــا أكاليــل ضـفرن مـن الشـعر
فــألقيت كفّــي فــوق صـدري مسـلمّاً
وأطرقــت نحــو الأرض منحنـي الظهـر
وأرســـلت قلـــبي خلفهــنّ مشــيعاً
فـراح ولـم يرجـع إلـى حيـث لا أدري
وقلـــت وكفـــي نحـــوهنّ مشـــيرة
ألا أن هـذا الشـعر مـن أجمـل الشعر
ومـــادة نســـج الــدمقس غطاؤهــا
بمجلــس شــبان هــم أنجــم العصـر
رقـى مـن أعاليهـا الفنغـراف منبراً
محاطـــاً بأصـــحاب غطارفـــة غــر
وفــي وســط النــادي ســراج منـور
فتحســبه بــدراً وهـم هالـة البـدر
فــراح بــإذن العلـم ينطـق مقـولاً
عرفنــا بـه أن البيـان مـن السـحر
فطــوراً خطيبـاً يحـزن القلـب وعظـه
وطـوراً يسـرّ السـمع بـالعزف والزمر
يفــوه فصــيحاً بـاللغى وهـو أبكـم
ويسـمع ألحـان الغنـا وهـو ذو وقـر
أميـن أبـي التدليس في القول حاكياً
فتســمعه يـروي الحـديث كمـا يجـري
تــراه إذا لقنتــه القــول حافظـاً
تمـرّ الليـالي وهـو منـه علـى ذكـر
فيالــك مــن صــنع بــه كـل عاقـل
أقـــر لآديســون بالفضــل والفخــر
فقلــت وقــد تمــت شقاشــق هــدره
ألا أن هـذا الشـعر مـن أعجـب الشعر
وأصـيد مـأثور المكـارم فـي الـورى
يريــك إذا يلقــاك وجــه فـتى حـر
يــروح ويغــدو فـي طيالسـة الغنـى
ويقضـي حقـوق المجـد من ماله الوفر
تخـــوّنه ريـــب الزمــان فــاولعت
بإخلاقهــا ديبــاجتيه يــد الفقــر
فأصــبح فــي طـرق التصـعلك حـائراً
يجــول مــن الاملاق فــي ســمل طمـر
كـأن لـم يـرح فـي موكب العزّ راكباً
عتـاق المـذاكي مالـك النهـي والأمر
ولــم تزدحــم صـيد الرجـال ببـابه
ولـم يغمـر العـافين بالنائل الغمر
فظــل كئيــب النفــس ينظـر للغنـى
بعيـن مُقِـلٍّ كـان قـس عيشـة المـثري
إلـى أن قضـى فـي علـة العُـدم نحبه
فجّهــزه مــن مــالهم طـالبو الأجـر
فرحــت ولــم يحفــل بتشـييع نعشـه
أشــيعه فــي حــامليه إلـى القـبر
وقلـت وأيـدي النـاس تحثـوا ترابـه
ألا أن هـذا الشـعر مـن أحـزن الشعر
ونائحــة تبكــي الغــداة وحيــدها
بشـجو وقـد نـالته ظلمـاً يـد القهر
عــزاه إلـى إحـدى الجنايـات حـاكم
عليــه قضـى بطلاً بهـا وهـو لا يـدري
فويــل لــه مــن حــاكم صـُبَ قلبـه
مـن الجـور مطبوعـاً على قالب الغدر
مــن الــروم أمــا وجهــه فمشــوّه
وقــاح وأمــا قلبــه فمــن الصـخر
أضـــرّ بعــفّ الــذيل حــتى أمضــّه
ولـم يلتفـت منـه إلـى واضـح الغدر
تخطّفــه فــي مخلــب الجــور غيلـةً
فـزجّ بـه مـن مظلـم السجن في القمر
تنــوء بــه الأقيــاد أن رام نهضـةً
فيشـكو الأذى والـدمع مـن عينه يجري
تنــاديه والســجان يكــثر زجرهــا
عجــوز لـه مـن خلـف عاليـة الجـدُر
بنـــيّ أظـــنّ الســجن مســّك ضــّره
بنــيّ بنفســي حـلّ مـا بـك مـن ضـرّ
بنـيّ اسـتعن بالصـبر مـا أنت جانياً
وهـل يخـذل اللـه الـبريء من الوزر
فجئت أعاطيهـــا العــزاء وادمعــي
كأدمعهــا تنهــلّ منّـي علـى النحـر
وقلــت وقــد جاشــت غـوارب عـبرتي
ألا أن هـذا الشـعر مـن اقتـل الشعر
معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.