
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
خــبرٌ فـي الأرض أوحتـه السـما
لأولــي العلــم برســل الفكـر
أنّ هــــذي الأرض كـــانت أولا
مــا تـرى بحـراً بهـا أو جبلا
أو ســهولاً أو رُبــاً أو ســُبُلا
أو رياضــا زهرهـا الغـضّ نمـا
مــن ســحاب جادهــا بــالمطر
إنمــا كــانت كتلــك الأخـوات
مـــن نجــوم ســائرات دائرات
حـول شـمس هـي إحـدى النيـرات
كُــنّ مــن قبــلُ عليهـا سـدما
كتلـــةً واحــدة فــي النظــر
ثـم بعـدُ انفصلت من ذا السديم
قطـــعٌ منهــا صــغير وجســيم
ضــمن أفلاك بهـا الـدورَ تـدُيم
فاســتقرّ الكــلّ فيهـا أنجمـا
حــول غيـر الشـمس لـم تسـتدر
أولاً نبتـــون منـــه انفصــلا
ثـــم اُورانِـــسُ يهـــدي زُحَلا
ثـــم للمشـــتري مريـــخٌ تلا
ثــم هــذي الأرض فـالزهرة مـا
بعــدها غيــر أخيهــا الأشـهر
وأخــــو الزهـــرة بالشـــمس
اقتـدى ولهـا أقـربَ سـيّارٍ غدا
وهـي سـارت خلفـهَ طـول المـدى
فأمــــام الأرض ذان انتظمـــا
خلفهــا المريّـخ ثـم المشـتري
أرضــنا كــانت لظــىً مشـتعله
مــذ مـن الشـمس غـدت منفصـله
لــم تـزل فـي دورهـا منتقلـه
كتلــةً فيهـا اللهيـب احتـدما
وهـي ترمـي فـي الفضـا بالشرر
كـان فيـح النـار منهـا مُصعِدا
وهجـاً فـي الجّـو عنهـا مبعـدا
حيـــث لا يمكـــن أن ينعقـــد
فوقهـــا منــه بخــار ديمــا
هـــاطلاتِ بالحيـــا المنهمــر
بقيــت حينــاً وهــذا أمرهــا
وهــي بالإشــعاع يخبــو حرّهـا
وانثنــى يـبرد مـن ذا ظهرهـا
فاكتســت قشـراً يحـاكي الأدمـا
واســتمرت بطنهــا فــي ســعر
ثـم قـد صـار علـى مـرّ الزمان
قشــرها يغلــظ آنــاً بعـد آن
بيـد أن النـار عنـد الهيجـان
قــد أعــادت قشــرها منخرمـا
بصــــدوع مُدهشـــات البصـــر
شخصــت أطـراف هاتيـك الصـدوع
بجبــال شــمخت منهـا الفـروع
ولهـا فـي العيـن أشـكال تروع
تقــذف الأفــواه منهــا حممـا
صـــار منهــنّ ركــام الحجــر
حصـلت مـن قـذف هاتيـك المواد
حيــث يجمــدن جبــال ووهــاد
وركــــاز وصــــخور وجمـــاد
بعضــــها دقّ وبعـــضٌ عظمـــا
وهـو صـلب الجسـم صـعب المكسر
وهنـاك انعقـدت فيهـا الغيـوم
مـن بخـار كـان فـي الجوّ يعوم
رّده الـبرد مياهـاً فـي التخوم
فجــرى الســيل عليهـا مفعمـا
كـــلّ غـــور فوقهــا منحــدر
عمّهـا السـيل فغطـى حيـن سـال
سـطحها مجترفـأ منهـا الرمـال
فطمــا المــاء ولكـن الجبـال
شخصـت فـي المـاء لمـا أن طما
وعلــت كالســفن فــوق الأبحـر
غمــر المــاء بهـا مـا غمـرا
ثـــم خلّــى بعضــها منحســرا
محـدثاً فـي السـطح منهـا جزرا
أنــزل المـاء بهـا مـا حطمـا
مــن أطفــال وحتــات المــدر
بسـيول المـاء كـم فيها ارتكم
مــن رمــال رسـبت فيهـا أكـم
ولكـــم خــدّت أخاديــد وكــم
قــد بنــت مــن طبقـات علمـا
نضــدت فيهــا صــفيح المرمـر
ثـم صـارت وهـي مـن قبـل موات
تصــلح الأقطـار منهـا للحيـاة
فـانبرت تنبت في البدء النبات
ثـم أبـدت مـن قواهـا النسـما
وارتقــت فيهــا لنـوع البشـر
فغــدت إذ ذاك تزهـو بالريـاض
وبهـا الأدواح تنمـو في الغياض
ثــم ترميهــا أكــفّ الانقـراض
بانحطــام حيــث تُمســي فحمـا
حجريــــاً بمــــرور الأعصـــر
مـن حطـام الخلق في الأرض هضاب
كــــــوَّنتهن أكـــــفّ الانقلاب
مــا تـراب الأرض واللـه تـراب
إنمــــا ذاك حطـــام قـــدما
مــن جســوم باليــات الكســر
كــم علـى الأرض رفـاتٌ باليـات
مــن جسـوم طحنتهـا الـدائرات
فـاحتفر فـي الأرض تلك الطبقات
تجــد الانقــاض فيهــا رممــا
هــــي للأحيـــاء أو للشـــجر
كــل وجــه الأرض للخلـق قبـور
خفّـف الـوطء علـى تلـك الصدور
والعيـون النجـلِ منهم والثغور
إنمــا أنــت ســتفنى مثلمــا
قـد فَنُـوا والمـوت دامي الظفُر
ظلــت الأرض علــى كـرّ الـدهور
تبحــر الأجبـل فيهـا والبحـور
فوقهــا تجبِــل والمـاء يغـور
علـــى ذاك اســـتدلّ الحكمــا
بجبـــال الســـمك المســتحجر
علمــاء الأرض لــم تـبرح تـرى
حَيَـــوان الــبرّ لمــا دثــرا
منــه فـي الأبحـر أبقـى أثـرا
وكـذا فـي الـبرّ ألفـى العلما
أثـــراً مــن حيــوان الأبحــر
كـل مـا فـي الأرض من قفر وبيد
وجبــال شــهقت فــوق الصـعيد
عـن زهـاء الربـع منها لا يزيد
وســوى ذلــك منهــا انكتمــا
تحــت مـاء البحـر لـم ينَحسـر
فــي صــعيد الأبحــر المنغمـس
مثــلُ مــا يوجـد فـوق اليبـس
مـــن جبـــال نــاتئات الأرؤس
ووهــــادٍ تســـتزل القـــدما
ورُبــــاً مختلفـــات القـــدر
ما نرى اليوم من الماء الحميم
والـبراكين الـتي تحكي الجحيم
ومـن الزلزال ذي الهول العظيم
دلّ أن الأرض فيمــــا قــــدما
ذات جـــــرم ذائب مســـــتعر
كــل مــا كـان بحـال السـيلان
فهــو يغــدو كــرةً بالـدوران
وكـذاك الأرض فـي ماضـي الزمان
كرويـــاً قــد غــدا ملتئمــا
جِرمهــا مــن ســيلان العنصــر
ثـم أن الأرض مـن قبـل الجمـود
وَلَــدت منهـا وليسـت بـالولود
قمـــراً دار عليهـــا بســعود
وجَلا فـي الليـل عنهـا الظلمـا
فهــي بنــت الشـمس أم القمـر
معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.