
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
الرَّبِيعُ بنُ زِيادِ العَبْسِيُّ، سَيِّدٌ مِنْ ساداتِ قَبِيلَةِ عَبْسٍ، وَأَحَدُ دُهاةِ العَرَبِ وَشُجْعانِهِمْ، وَهُوَ أَحَدُ الكَمَلَةِ مِن أَوْلادِ فاطِمَةَ بِنْتِ الخُرْشُبِ إِحْدَى المُنْجَباتِ فِي العَرَبِ، وَكانَ الرَّبِيعُ مقرّباً مِنَ النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ ملكِ الحِيْرَةِ، ثُمَّ أَقْصاهُ النُّعْمانُ عَنْ مَجْلِسِهِ بِسَبَبِ حادِثَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَ الرّبيعِ ولَبيدِ بنِ رَبيعةَ، وَقَدْ شَهِدَ الرَّبِيعُ حَرْبَ داحِس وَالغَبراءَ وَكانَ مِنْ قادَةِ عَبْسٍ فِيها.
عَمْرُو بْنُ قَمِيئَةَ، مِنْ قَبِيلَةِ بَكْرِ بْنِ وائِلٍ، وهو مِنْ أَقْدَمِ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، شاعِرٌ فَحْلٌ صَنَّفُهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّامِنَةِ مِنْ طَبَقاتِ فُحُولِ الشُّعَراءِ، اشْتُهِرَ بِمُرافَقَتِهِ لِاِمْرِئِ القَيْسِ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، وَإِيّاهُ عَنَى امْرَؤُ القَيْسِ بِقَوْلِهِ (بَكَى صاحِبِي لَما رَأَى الدَّرْبَ دُونَهُ)، وَقد تُوُفِّيَ فِي رِحْلَتِهِ هذِهِ فَسُمِّيَ عَمْراً الضّائِعَ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 85هـ/ 540م.
السُّليك بن السُّلَكة هو السُّليك بنُ بنُ عمرِو بنِ سنان، من قبيلةِ سعد بنِ زيد مناة المنحدرة من قبائل تميم النّزارية العدنانيّة. والسُّلَكَة: أمُّه، ويُنسَب إليها. شاعرٌ جاهليٌّ من كبارِ الشّعراءِ الصّعاليك، عُرِفَ بغاراتِهِ على قبائلِ مراد وخثعم وبكر بن وائل، وكان معروفاً بشدّة البأس والقدرةِ الفائقةِ على العَدْو والمعرفة العظيمة بالصّحراء والمفاوز والقفار. يُعَدّ من أغربةِ العرب؛ لسوادِ بشرتِهِ ونسبتِهِ إلى أمِّه وشجاعتِهِ وشاعريّته، وقد قُتِل على يد أنس بن مدرك الخثعميّ نحو سنة 17ق.ه/606م. عدّهُ المفضّل الضبّيّ من أشدّ رجال العرب وأنكرِهم وأشعرِهم، ويدورُ شعرُه حول وصفِ صعلكتِهِ وغاراتِهِ ومشاهدِه.
امرُؤ القيس بن حُجر بن الحارث الكِنْدِيّ، يُلقّبُ بالملك الضّلّيل وبذي القُروح. شاعرٌ جاهليٌّ كبيرٌ من قبيلةِ كندة الّتي شكّلت مملكةً في نجد قبل الإسلام، تُوفّيَ نحو 85ق.ه/545م. عاشَ مرحلتينِ بارزتينِ من حياته؛ ابتدأت الأولى منذُ صباه وتميّزت بالتّرفِ واللَّهو النّاتجينِ عن كونِهِ ابناً لأسرةٍ ملكيّة، والأخرى ابتدأت بمقتل أبيه الملك حُجر بن الحارث على يد قبيلةِ أسد، وهي مرحلة امتازت بالحروب وطلب الثّأرِ والتنقّل بين القبائل العربيّة إلى أن وصلَ إلى قيصرِ الرّوم طلباً للمساعدة، وهناك أهداهُ الملكُ حلّةً مسمومةً جعلته يموتُ بمرضٍ جلديّ. يُعَدّ شاعراً من أهمّ الشّعراء العرب على مرّ العُصور؛ فهو من أصحاب الطّبقة الأولى وله المعلّقة الأشهر في الأدب العربيّ، وقد اعتُنِيَ بديوانه عناية بالغة في القديم والحديث. أمّا موضوعاتُ شعرِه فتركّز على الوصف والطّبيعة والأطلال ووصفِ الفرس والصّيد والمرأة واللّهو، بالإضافة إلى الشّعر المقولِ في التأريخِ لمقتل أبيه والأحداث اللّاحقة.
طَرَفَةُ بْنُ العَبْدِ بْنِ سُفْيانَ بْنِ سَعْد بن مالكٍ، من قبيلة بكْرِ بن وائِلٍ، مِنْ أَشْهَرِ شُعَراء الجاهِلِيَّةِ، وَمِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وُلِدَ فِي بادِيَةِ البَحْرَيْنِ، وَنَشَأَ يَتِيماً، وَامْتازَ بِالذَكاءِ وَالفِطْنَةِ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَأَقْبَلَ فِي شَبابِهِ عَلَى حَياةِ اللَّهْوِ وَالمُجُونِ وَمُعاقَرَةِ الخَمْرِ، ثُمَّ وَفَدَ عَلَى عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ مَلِكِ الحَيْرَةِ مَعَ خالِهِ المُتَلَمِّسِ وَأَصْبَحَ مِنْ نُدَمائِهِ، وَقَدْ أَمَرَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ عامِلَهُ فِي البَحْرَيْنِ أَنْ يَقْتُلَ طَرَفَةَ لِهَجاءٍ قالَهُ فِيهِ، فَقَتَلَهُ وَقَدْ بَلَغَ العِشْرِينَ وَقِيلَ سِتّاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، كانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةٍ (60 ق.هـ/ 565م).
زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ رَباحٍ، المُزَنِيّ نَسَباً، الغَطَفانِيُّ نَشْأَةً، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِنْ أَصْحابِ المُعَلَّقاتِ، وَمِنْ أَصْحابِ الطَبَّقَةِ الأُولَى بَيْنَ الشُّعَراءِ الجاهِلِيِّينَ، عاشَ فِي بَنِي غَطَفانَ وَعاصَرَ حَرْبَ داحِس وَالغَبْراءَ، وَكَتَبَ مُعَلَّقَتَهُ يَمْدَحُ هَرِمَ بْنَ سِنان وَالحارِثَ بْنَ عَوْفٍ اللَّذَيْنِ ساهَما فِي الصُّلْحِ وَإِنْهاءِ الحَرْبِ، تُوُفِّيَ حَوالَيْ سَنَةِ 13 قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَبِيدُ بنُ الأبرصِ الأسديّ، أبو زِياد، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ قَديم، تُوفّيَ نحو 77ق.ه/545م. أحدُ شعراءِ المعلّقاتِ في تصنيف التّبريزيّ وشعراء المجمهراتِ في تصنيف أبي زيدٍ القرشيّ، وعدّه ابنُ سلّام في شعراء الطّبقة الرّابعة. كانَ شاعرَ قبيلتِهِ "أسد" وأحد وجهائها الكبار، اشْتُهِرَ بتوثيقِهِ لمآثرِ قبيلتِهِ لا سيّما حادثة قتلِهِم للملك الكِنْدِيّ "حُجر بن الحارث"، وفي شعرِهِ مناكفاتٌ مع امرئ القيس الّذي كان يطلبُ ثأرَه في قبيلةِ عَبيد. يُعَدّ في الشّعراء المعمّرين، وتدور موضوعاتُ شعرِهِ حول الحكمة ووصف الشّيب والشّيخوخة، بالإضافة إلى شعرِهِ في الفخر بنفسهِ وقبيلتِه، وشعرِهِ في وصفِ العواصفِ والأمطار. يرى كثيرٌ من الباحثين أنّ شعرَهُ مضطربٌ من النّاحية العروضيّة، ويستدلّ آخرون بشعرِهِ على أنّه ممثّل لبدايات الشّعر العربيّ. قُتِلَ على يدِ المنذر بن ماء السّماء بسببِ ظهورِهِ عليهِ في يومِ بُؤسِهِ كما تقولُ الرّواياتُ التّاريخيّة.
هو عروة بن الورد بن حابس العبسيّ، من قبيلةِ عبس المنحدرةِ من قبائلِ غطفان النزاريّة العدنانيّة، كُنيتُهُ أَبو نجد، شاعِرٌ وفارسٌ من رؤوسِ الصّعاليكِ في العصرِ الجاهليّ، وقد لُقِّبَ بأبي الصّعاليك لأنّه كان يحمي الصّعاليك ويقودُهم في الغارات، كما أنّه أحدُ المنظّرين الكبار للصّعلكة في الشّعر الجاهليّ؛ فقد نظّرَ لضرورةِ ثورةِ الصّعاليك على الأغنياء وإعادة علاقات التّوازن الاقتصاديّ في المجتمع. اشتُهِرَ بكرمِهِ وجودِهِ وحمايتِه للضّعفاء والملهوفين ودعوته إلى مكارم الأخلاق. تدورُ معظمُ قصائدُه حول الصّعلكة وضرورة الضّرب في الأرض بحثاً عن الرّزق، كما أنّ له قصائد في بعض الشؤون القبليّة في عصرِه.
السَّمَوْأَلُ بْنُ عُرَيضِ بْنِ عادِياءَ، مِنْ قَبِيلَةِ الأَزْدِ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ، جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ عَلَى رَأْسِ طَبَقَةِ الشُّعَراءِ اليَهُود، لَهُ حِصْنٌ مَشْهُورٌ بِتَيْماءَ يُسَمَّى الأَبْلَق، عُرِفَ السَّمَوْأَلُ بِالوَفاءِ وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ حَوْلَ حِفْظِهِ لِدُرُوعِ امْرِئِ القَيْسِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ وَأَشْهَرُ شِعْرِهِ لامِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنُسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ فَــكُـــلُّ رِداءٍ يَــرْتَـــدِيـــهِ جَــمِــيــلُ) وَقَدْ نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ، وَكانَتْ وَفاتُهُ نَحْوَ عامِ 65ق.هـ المُوافِقُ لعامِ 560م.
أَوسُ بنُ حَجَرٍ، مِن بَنِي تَمِيمٍ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقَدَّمٌ، كانَ يُعَدُّ شاعِرَ مُضَرَ فِي الجاهِلِيَّةِ لَم يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى نَشَأَ النّابِغَةُ وَزُهَيْرٌ فَأَخْمَلاهُ، وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ زُهَيْرِ بنِ أَبِي سُلْمَى، وَكانَ زُهَيْرٌ راوِيَتَهُ، وَقَدْ عَدَّهُ ابنُ سَلَّامٍ فِي طَبَقاتِهِ مِن شُعَراءِ الطَّبَقَةِ الثّانِيَةِ، وَكانَ أَوسٌ مُعاصِراً لِعَمْرِو بنِ هِندٍ، وَنادَمَ مُلُوكَ الحِيْرَةِ. عُمِّرَ طَوِيلاً وَتُوُفِّيَ نَحْوَ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومِ بنِ مالكِ بنِ عَتّابٍ، مِن قَبيلَةِ تَغْلِبَ بنِ وائِلٍ، وَأُمُّهُ لَيلى بِنتُ مُهلْهِلِ بنِ رَبيعةَ، شَاعِرٌ جَاهليٌّ مِن أَصحابِ المُعلَّقاتِ، وَهو مِنَ الشُّعراءِ المُقلِّينَ، سَادَ قَومَهُ وَهو فِي الخامِسةَ عشرةَ مِن عُمرهِ وكان فارِساً شُجاعاً وهو أحدُ فُتَّاكِ الجاهليّةِ، قَتلَ عَمرَو بنَ هِندٍ مَلِكِ الحِيرةِ فِي قِصّةٍ مَشْهُورَةٍ، وَماتَ وَقدْ بَلغَ مئةً وخَمسينَ عاماً، وكانت وفاتُه نحوَ سَنةِ 40ق.هـ/ 584م.
هُوَ الرَّبِيعُ بنُ زِيادِ بنِ عَبْدِ اللّٰهِ بنِ سُفْيانَ بنِ ناشِبِ بنِ هِدْمِ بنِ عُوذِ بنِ غالِبِ بنِ قُطَيعَةَ بنِ عَبسِ بنِ بَغِيضِ بنِ رَيْثِ بنِ غَطَفانَ بنِ سَعْدِ بنِ قَيْسِ عَيْلانَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارٍ.
وردَ فِي (الأَغاني) أنَّ أُمَّهُ هِيَ فاطمةُ بِنتُ الخُرشُبِ، واسمُ الخُرْشُبِ عَمرُو بنُ النَّضِرِ بنِ حارثةَ بنِ طَريفِ بنِ أَنمارَ بنِ بَغيضِ بنِ رَيثِ بنِ غَطَفانَ، وَهِي إِحدى المُنجباتِ، وقد وَلَدَتْ سَبعةً، وهُم: الرَّبيعُ ويُقالُ لَهُ الكامِلُ، وعُمارَةُ وهُوَ الوَهّابُ، وأَنَسُ وهُوَ أَنَسُ الفَوارِسِ وهُوَ الواقِعَةُ، وَقَيسٌ وهُوَ البرد، والحارثُ وهُوَ الحَرونُ، ومالِكُ وهُوَ لَاحِقٌ، وعَمرٌو وهُوَ الدَّرَّاكُ. والكَمَلَةُ مِن أَولادِها أَربَعةٌ هُم: الرَّبيعُ وعُمارةُ وقيسٌ وأَنَسُ.
وذُكِرَ أنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ جُدعانَ لَقِيَ فاطمةَ بنتَ الخُرشُبِ وهيَ تَطوفُ بِالكعبةِ فَقالَ لَها: نَشدتُكِ بِربِّ هذهِ البَنيَّةِ، أَيُّ بَنيكِ أَفضَلُ؟ قالتْ: الرّبيعُ، لا بَلْ عُمارةُ، لا بلْ أَنَسٌ، ثَكِلْتُهُم إِن كُنتُ أَدرِي أَيُّهُم أفضَلُ.
وقَدْ قالَ فِيهم حاتمُ الطّائيّ:
لَعَمْرُكَ ما أَضاعَ بَنُو زِيادٍ ذِمـارَ أَبِيهِـمِ فِيمَنْ يُضيعُ
بَنـو جِنِّيَّـةٍ وَلَـدَتْ سُيُوفاً صـَوارِمَ كُلُّهـا ذَكَـرٌ صَنِيعُ
وَجـارَتُهُمْ حَصـانٌ ما تُزَنَّى وَطاعِمَةُ الشِّتاءِ فَما تَجُوعُ
شـَرَى وُدّي وَتَكْرِمَتي جَمِيعاً لِآخِـرِ غـالِبٍ أَبَـداً رَبِيـعُ
ووَرَدَ فِي (الاشتِقاق) أنّ الرَّبيعَ بنَ زِيادٍ كانَ يُلقَّبُ دَالِقاً، لِكَثرَةِ إِغارَتِهِ. مِن قَولِهِم: سَيفٌ دَلُوقٌ ودَالِقٌ إِذا انْسَلَخَ مِن الجَفْنِ.
نَشَأَ الرَّبِيعُ بنُ زِيادٍ فِي أُسْرَةِ من سراةِ قبيلةِ بَنِي عَبسٍ، وَكانَ مِنْ فُرْسانِهِمْ المَعْدُودِينَ، وَكانَ مِمَّنْ يَفِدُ عَلَى النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ فِي الحِيْرَةِ وَيُنادِمُهُ، ذُكِرَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ الرَّبِيعَ كانَ مُقَرَّباً مِنَ النُّعْمانِ بنِ المُنْذِرِ، وَكانَ النُّعْمانُ إِذا أَرادَ أَنْ يَخْلُوَ عَلَى شَرابِهِ بَعَثَ إِلَيْهِ، وكانَ الرَّبِيعُ عَلَى عَداوَةٍ مَعَ رَهْطِ لَبِيدِ بنِ رَبِيعَةَ، فَلَمّا وَفَدَوا عَلَى النُّعْمانِ وكانَ فِيهم أَبُو بَراءٍ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ وَإِخْوَتُهُ طُفَيْلٌ وَمُعاوِيَةُ وَعُبَيدَةُ، وَمَعَهُمْ لَبِيدٌ، كانُوا يَحْضُرُونَ لِحاجَتِهِمْ، فَإِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ خَلا بِهِ الرَّبِيعُ فَطَعَنَ فِيهِمْ وَذَكَرَ مَعايِبَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ بِالنُّعْمانِ حَتَّى صَدَّهُ عَنْهُمْ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ يَوْماً فَرَأَوْا مِنْهُ جَفاءً، وَقَدْ كانَ يُكْرِمُهُمْ وَيُقَرِّبُهُمْ، فَخَرَجُوا غِضاباً وَلَبِيدٌ مُتَخَلِّفٌ فِي رِحالِهِمْ يَحْفَظُ مَتاعَهُمْ، فَأَتاهُمْ ذاتَ لَيْلَةٍ وَهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أَمْرَ الرَّبِيعِ، فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ فَكَتَمُوهُ، فَقالَ: وَاللهِ لا حَفِظْتُ لَكُمْ مَتاعاً، وَلا سَرَحْتُ لَكُمْ بَعِيراً أَوْ تُخْبِرُونِي فِيمَ أَنْتُمْ؟ وَكانَتْ أُمُّ لَبِيدٍ يَتِيمَةً فِي حِجْرِ الرَّبِيعِ، فَقالُوا: خالُكَ قَدْ غَلَبْنا عَلَى المَلِكِ وَصَدَّ عَنّا وَجْهَهُ. فَقالَ لَبِيدٌ: هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَزْجُرَهُ عَنْكُمْ بِقَوْلٍ مُمِضٍّ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ النُّعْمانُ أَبَداً؟ فَقالُوا: وَهَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ قالَ: نَعَمْ.
قالُوا: فَإِنّا نُبْلُوكَ، قالَ: وَما ذاكَ؟ قالُوا: تَشْتُمُ هذِهِ البَقْلَةَ - وَقُدّامُهُمْ بِقِلَّةٌ دَقِيقَةُ القُضْبانِ، قَلِيلَةُ الوَرَقِ، لاصِقَةٌ بِالأَرْضِ، تُدْعَى التُرْبَةُ - فَقالَ: هذِهِ التُّرْبَةُ الَّتِي لا تُذْكِي ناراً وَلا تُؤَهِّلُ داراً، وَلا تَسُرُّ جاراً، عُودُها ضَئِيلٌ، وَفَرْعُها كَلِيْلٍ، وَخَيْرُها قَلِيلٌ، أَقْبَحَ البُقُولِ مَرْعىً، وَأَقْصَرُها فَرْعاً، وَأَشُدُّها شاسِعٌ، وَآكِلُها جائِعٌ، وَالمُقِيمُ عَلَيْها قانِعٌ، فَالْقُوْا بِي أَخا عَبَسٍ، أَرُدُّهُ عَنْكُمْ بِتَعْسٍ، وَأَتْرُكُهُ مِنْ أَمْرِهِ فِي لَبْسٍ، فَأخَذُوهُ مَعَهُمْ وَأَدْخَلُوهُ عَلَى النُّعْمانِ، فَوَجَدُوهُ يَتَغَدَّى وَمَعَهُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الغَداءِ أَذِنَ لِلجَعْفَرِيِّينَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَذَكَرُوا الَّذِي قَدَّمُوا لَهُ مِنْ حاجَتِهِمْ، فَاعْتَرَضَ الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ فِي كَلامِهِمْ، فَقالَ لَبِيدٌ فِي ذلِكَ:
أفِي كُلِّ يَوْمٍ هامَتِي مُقَزَّعَةْ يا رُبَّ هيجا هيَ خَيرٌ مِن دَعَهْ
نَحْنُ بَنُو أُمِّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةْ وَنَحْنُ خَيْرُ عامِرِ بنِ صَعْصَعَةْ
الْمُطْعِمُونَ الْجَفْنَةَ الْمُدَعْدَعَةْ وَالضَّارِبُونَ الْهامَ تَحْتَ الْخَيْضَعَةْ
مَهْلاً أَبَيْتَ اللَّعْنَ لا تَأْكُلْ مَعَهْ إِنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَةْ
وَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِيها إِصْبَعَهْ يُدْخِلُها حَتَّى يُوارِي أَشْجَعَهْ
كَأَنَّما يَطْلُبُ شَيْئاً ضَيَّعَهْ
فَرَفَعَ النُّعْمانُ يَدَهُ مِنْ الطَّعامِ وَقالَ: خَبَّثْتَ وَاللهِ عَلَيَّ طَعامِي يا غُلامُ، وَما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ. فَقالَ الرّبيعُ: كَذَبَ وَاللهِ اِبْنُ الفاعِلَةِ، وَلَقَدْ فَعَلْتُ بِأُمِّهِ كَذا. فَقالَ لَهُ لَبِيدٌ: مِثْلُكَ فَعَلُ ذلِكَ بِرَبِيبَةِ أَهْلِهِ وَالقَرِيبَةِ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنَّ أُمِّي مِنْ نِساءٍ لَمْ يَكُنَّ فَواعِلَ ما ذَكَرْتَ. وَقَضَى النُّعْمانُ حَوائِجَ الجَعْفَرِيِّينَ، وَمَضَى مِنْ وَقْتِهِ وَصَرَفَهُمْ، وَمَضَى الرَّبِيعُ بْنُ زِيادٍ إِلَى مَنْزِلِهِ مِنْ وَقْتِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ النُّعْمانُ بِضِعْفِ ما كانَ يَحْبُوهُ، وَأَمَرَهُ بِالاِنْصِرافِ إِلَى أَهْلِهِ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ الرَّبِيعُ: إِنِّي قَدْ تَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَرَ فِي صَدْرِكَ ما قالَهُ لَبِيدٌ، وَلَسْتُ بَرائِمٍ حَتَّى تَبْعَثَ مَنْ يُجَرِّدُنِي فَيَعْلَمَ مَن حَضَرَكَ مِنَ النّاسِ أَنِّي لَسْتُ كَما قالَ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: إِنَّكَ لَسْتَ صانِعاً بِانْتِفائِكَ مِمّا قالَ لَبِيدٌ شَيْئاً، وَلا قادِراً عَلَى ما زَلَّتْ بِهِ الأَلْسُنُ، فَالْحَقْ بِأَهْلِكَ. فَقالَ الرَّبِيعُ:
لَئِنْ رَحَلْــتُ جِمـالِي إِنَّ لِـي سـَعَةً مـا مِثْلُهـا سـَعَةٌ عَرْضـاً وَلا طُولا
بِحَيْـثُ لَـوْ وُزِنَـتْ لَحْـمٌ بِأَجْمَعِهـا لَـمْ يَعْدِلُوا رِيشَةً مِنْ رِيشِ شَمْوِيلا
تَرْعَى الرَّوائِمُ أَحْرارَ الْبُقُولِ بِها لا مِثْــلَ رَعْيِكُـمُ مِلْحـاً وَغَسـْوِيلا
فَـابْرُقْ بِأَرْضـِكَ يـا نُعْمانُ مُتَّكِئاً مَـعَ النَّطاسـِيِّ يَوْماً وَابْنِ تَوْفِيلا
فكَتبَ إليهِ النُّعمانُ:
شَرِّد برَحلِكَ عنِّي حَيثُ شِئْتَ وَلَا تُكثِرْ علَيّ ودَعْ عَنكَ الأَباطِيلا
فَقد ذُكِرْتَ بِشَيءٍ لَستُ ناسِيَهُ ما جاورَتْ مِصرُ أَهلَ الشّامِ والنِّيلا
قد قِيلَ ذلَكَ إِنْ حَقًّا وإِنْ كَذِبًا فَما اعْتِذَارُكَ مِنْ قَولٍ إِذا قِيلا
وَقَدْ وُصِفَ الرَّبِيعُ بنُ زِيادٍ -كَما جاءَ فِي (العُمْدَةِ)- أَنَّهُ كانَ فَحّاشاً عِيّاباً بَذِيئاً سِبّاباً لا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَفِدُ عَلَى النُّعْمانِ. لكِن وردَ عنهُ فِي مَواضِعَ أُخْرَى أنّه اتّصفَ بِالحِكْمَةِ وَبُعْدِ النَّظَرِ، فَقَدْ وَرَدَ في (الأَغانِي) أَنَّ ضَيْفاً ضافَ أُمَّهُ فاطِمَةَ، فَطَرَحَتْ عَلَيْهِ شَمْلَةً مِنْ خَزٍّ وَهِيَ مِسْكٌ كَما هِيَ، (فَلَمّا وَجَدَ رائِحَتَها وَأَعْتَمَ دَنا مِنْها، فَصاحَتْ بِهِ، فَكَفَّ عَنْها، ثُمَّ عاوَدَ ذلِكَ مِراراً حَتَّى واثَبَها فَبَطَشَتْ بِهِ، فَإِذا هِيَ مِنْ أَشَدِّ النّاسِ، فَقَبَضَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ صاحَتْ: يا قَيْسُ، فَأَتاها، فَقالَتْ: إِنَّ هذا أَرادَنِي عَنْ نَفْسِي، فَما تَرَى فِيهِ؟ فَقالَ: أَخِي أَكْبَرُ مِنِّي، فَعَلَيْكَ بِهِ،...حَتَّى نادَتْ عُمارَةَ، فَأَتاها فَذَكَرَتْ ذلِكَ لَهُ، فَقالَ لَها: السَّيْفُ، وَأَرادَ قَتْلَهُ، فَقالَتْ لَهُ: يا بُنَيَّ، لَوْ دَعُونا أَخاكَ فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، فَدَعْتُ الرَّبِيعَ، فَذَكَرَتْ ذلِكَ لَهُ، فَقالَ: أَفَتُطِيعُونَنِي يا بَنِي زِيادٍ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: فَلا تُزَنُّوا أُمَّكُمْ، وَلا تَقْتُلُوا ضَيْفَكُمْ، وَخَلُّوهُ يَذْهَبُ، فَذَهَبَ.
وَمِنْ أَخْبارِهِ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْهُ خِلافُهُ مَعَ قَيْسِ بنِ زُهَيْرٍ حَوْلَ دِرْعٍ ساوَمَهُ فِيها وَلَمّا نَظَرَ إِلَيْها وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ وَضَعَها عَلَى القَرَبُوسِ ثُمَّ رَكَضَ بِها فَلَمْ يَرُدَّها عَلَيْهِ، فَاعْتَرَضَ قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ أُمَّ الرَّبِيعِ فاطِمَةَ بِنْتَ الخُرْشُبِ فِي ظَعائِنَ مِنْ بَنِي عَبسٍ فَاقْتادَ جَمَلَها يُرِيدُ أَنْ يَرْتَهِنَها بِدِرْعِهِ. فَقالَتْ لَهُ: ما رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ فِعْلَ رَجُلٍ، أَيْنَ ضَلَّ حِلْمُكَ يا قَيْسُ، أَتَرْجُو أَنْ تَصْطَلِحَ أَنْتَ وَبَنُو زِيادٍ أَبَداً وَقَدْ أَخَذْتَ أُمَّهُمْ فَذَهَبْتُ بِها يَمِيناً وَشِمالاً فَقالَ النّاسُ فِي ذلِكَ ما شاؤُوا أَنْ يَقُولُوا: وَحَسْبُكَ مِنْ شَرٍّ سَماعُهُ فَأَرْسَلَتها مَثَلاً. فَعَرَفَ قَيْسٌ ما قالَتْ فَخَلَّى سَبِيلَها ثُمَّ أَطْرَدَ إِبِلاً لَهُ وَقِيلَ: إِبِلُهُ وَإِبِلُ إِخْوَتِهِ فَقَدمَ بِها مَكَّةَ فَباعَها لعَبْدِ اللّٰهِ بنِ جُدْعانَ.
وَقد عُرِفَ الرَّبِيعُ بِشَجاعَتِهِ وَشِدَّةِ بَأْسِهِ، فَسُمِّيَ بِالدّالِقِ لِكَثْرَةِ غاراتِهِ كَما جاءَ فِي كِتابِ (الاشْتِقاقِ)، وَوَرَدَ فِي كِتابِ (الشِّعْرِ وَالشُّعَراءِ) أَنَّ الرَّبِيعَ هُوَ مَنْ أَطْلَقَ دُرَيْدَ بنَ الصِّمَّةِ بَعْدَ أَنْ أُصِيبَ وَقُتِلَ أَخُوهُ عَبْدُ اللِّٰه وَلِذا كانَ لَهُ عِنْدَ دُرَيْدٍ يَدٌ مُتَقَدِّمَةٌ فَجازاهُ بِذلِكَ. وَأَشارَ صاحِبُ كِتابِ (المُحْبَّر) أَنَّ الرَّبِيعَ كانَ مِنْ البُرصِ الأَشْرافِ فِي الجاهِلِيَّةِ.
وَكانَ الرَّبِيعُ بنُ زِيادٍ مِنْ قادَةِ قَوْمِهِ فِي حَرْب داحِس وَالغَبراءِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَبْلَ نُشُوبِ هذِهِ الحَرْبِ كانَ مُجاوِراً فِي فَزارَةَ، فَلَمّا قُتَلَتْ فَزارَةُ مالِكَ بْنَ زُهَيْرٍ أَخا قَيْسِ بنِ زُهَيْرٍ عادَ إِلَى قَوْمِهِ بَنِي عَبسٍ، وَقالَ فِي رِثاءِ مالِكٍ:
مَـنْ كـانَ مَسـْرُوراً بِمَقْتَـلِ مالِكٍ فَلْيَــأْتِ نِســْوَتَنا بِنِصـْفِ نَهـارِ
قَـدْ كُـنَّ يَخْبَـأْنَ الْوُجُـوهَ تَسَتُّراً وَالْيَــوْمَ حِيــنَ بَـدَوْنَ لِلنُّظَّـارِ
يَجِـدُ النِّسـاءُ حواسـِراً يَنْـدُبْنَهُ يَضـــْرِبْنَ أَوْجُهَهُـــنَّ بِالْأَحْجــارِ
يَخْمِشـْنَ حُـرَّاتِ الْوُجُوهِ عَلى امْرِئٍ ســَهْلِ الْخَلِيقَــةِ طَيِّـبِ الْأَخْبـارِ
وَأَتاهُ قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ وَصالَحَهُ بَعْدَ أَنْ كانا مُتَشاحِنَيْنِ بِسَبَبِ الدِّرْعِ، ثُمَّ تَجَمَّعَ بَنُو عَبْسٍ وَرَئِيسُهُمْ الرَّبِيعُ بنُ زِيادٍ وَتَجَمَّعَ بَنُو ذُبْيانَ وَرَئِيسُهُمْ حُذَيْفَةُ بنُ بَدْرٍ، وَاسْتَمَرَّتْ الحَرْبُ بَيْنَهُمْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ عاماً، ومن أَيِّامِها الَّتي شَهدَها الربيعُ يَوْمُ المُرَيْقَبِ وَيَوْمُ الهَباءَةِ، وَفِي يَوْمِ الهَباءَةِ قُتِلَ حُذَيْفَةُ بنُ بَدْرٍ وَقُتِلَ أَخوهُ حَمَلُ بنُ بَدْرٍ قَتَلَهُ الرَّبِيعُ، وَفِي ذلِكَ يَقُولُ قَيْسُ بنُ زُهَيْرٍ:
تَعَلَّـمْ أَنَّ خَيْـرَ النَّـاسِ طُرّاً عَلـى جَفْرِ الْهَباءَةِ ما يَرِيمُ
وَلَـوْلا ظُلْمُـهُ مـا زِلْتُ أَبْكِي عَلَيْهِ الدَّهْرَ ما طَلَعَ النُّجُومُ
وَلَكِـنَّ الْفَتَـى حَمْـلَ بْنَ بَدْرٍ بَغَـى وَالْبَغْـيُ مَرْتَعُـهُ وَخِيمُ
حدّدَ لويس شِيخو في كِتابِهِ (شُعراء النَّصرانيَّةِ) سَنةَ وفاةِ الرَّبيعِ بِنحوِ عامِ 590م، ما يُوافقُ سنةَ 30ق.هـ، وورد هذا التَّاريخُ أَيضاً فِي (الأعلام) للزَّركَليِّ.