
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَبُو خِراشٍ الهُذَلِيُّ، خُوَيْلِدُ بنُ مُرَّةَ، أحدُ بَنِي قِردٍ مِن بَنِي سَعدِ بنِ هُذَيلٍ، صَحابِيٌّ لمْ يُذكَرْ لَهُ وِفادةٌ، وهوَ شاعِرٌ مُخضرَمٌ أَدركَ الجاهِليّةَ والإِسلامَ، وكانَ مِن فُرسانِ قومِهِ ومِنَ العدّائِينَ المَشهورينَ ذكر، وقد عاشَ حتّى خِلافَةِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ ولهُ معهُ أَخْبارٌ، وذُكِرَ فِي وَفاتِهِ أَنَّهُ جاءَهُ ضُيوف فَذَهَبَ لِيأْتِيهِم بِالماءِ فَنَهَشَتْهُ حيَّةٌ ولمْ يُعلِمْهُم بِما أَصابَهُ فَباتُوا لَيلَتَهُم حَتَّى أَصْبَحُوا فَوَجَدُوهُ مَيِّتاً، وحِينَ بَلَغَ خَبَرُهُ عُمرَ بنَ الخَطّابِ أَمَرَ أَنْ يُغرَّمَ الضّيوفُ دِيَتَهُ. وكانتْ وفاتُهُ نَحوَ عامِ 23 لِلهِجْرَةِ.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ خُوَيْلِدُ بنُ مُرَّةَ، أحدُ بني قرد، واسم قرد عَمرُو بنُ مُعاوِيَةَ بنِ تَميمِ بنِ سَعدِ بنِ هُذَيلِ بنِ مُدرِكَةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ.
وَذَكَرَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي (الاشْتِقاق) أَنَّ مَصْدَرَ خِراشٍ مِنْ شَيْئَيْنِ: إِمّا مَصْدَرُ خارَشتُهُ خِراشاً، وَهِيَ المُعاداةُ. أَوْ يَكُونُ مِنْ الإخْتِراشِ، وَهُوَ جَمْعُكَ الشَّيْءَ، خَرَشْتُ الشَّيْءَ أَخْرُشُهُ خَرْشاً. وَقَدْ سَمَّتْ العَرَبُ خِراشاً وَخَرَشَة.
وقد تَفرَّعتْ قَبيلةُ هُذيلٍ إِلى بُطونٍ مُتعدِّدَةٍ كَبنِي لحيانَ وَبَنِي سَعْدٍ، وبَنِي قِردٍ الّذينَ هُم رَهطُ أَبِي خِراشٍ، وهُذَيلٌ مِنْ أَكْبَرِ وَأَشْهَرِ قَبائِلِ العَرَبِ المُضْرِيَّةِ، وَمِنْ أَفْصَحِهِمْ لِساناً وَأَشَجَعِهِمْ وَأَشَدِّهِمْ بَأْساً، كانَتْ مَنازِلُها فِي الحِجازِ وكانَ يَحُدُّها مِن الشَّمالِ قَبِيلَةُ قُرَيْشٍ وَمِن الجَنُوبِ قَبِيلَةُ كِنانَةَ وَمِن الشَّرْقِ قَبِيلَةُ بَنِي سُفْيان ثَقِيف فِي شَفا الطّائِفِ وَمِنْ الغَرْبِ قَبِيلَةُ خُزّاعَةَ.
وَذُكِرَ لِأَبِي خِراشٍ تِسْعَةٌ مِنَ الإِخْوَةِ، فقد جاءَ فِي (الأَغانِي) أَنَّ بَنِيَ مُرَّةَ عَشَرَةٌ: أَبُو خِراشٍ، وَأَبُو جُنْدُبٍ، وَعُرْوَةُ، وَالأَبَحُّ، وَالأَسْوَدُ، وَأَبُو الأَسْوَدِ، وَعَمْرٌو، وَزُهَيْرٌ، وَجنادٌ، وَسُفْيانُ، وَكانُوا جَمِيعاً شُعَراءَ دُهاةً سِراعاً لا يُدْرَكُونَ عَدْواً.
عاشَ أَبُو خِراشٍ أَكْثَرَ حَياتَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (الإِصابَة) نَقْلاً عَنْ المَرْزُبانِيّ أَنَّ أَبا خِراشٍ أَدْرَكَ الإِسْلامَ شَيْخاً كَبِيراً، وَكانَ أَبُو خِراشٍ فارِساً مَشْهُوراً بِالعَدْوِ وَالسُّرْعَةِ، فَكانَ مِمَّنْ يَعْدُو عَلَى قَدَمَيْهِ فَيَسْبِقُ الخَيْلَ،، وردَ فِي (الأَغانِي) مِنْ أَخْبارِهِ أَنَّهُ دَخَلَ إِلَى مَكَّةَ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَلِلوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ فَرَسانِ يُرِيدُ أَنْ يُرْسِلَهُما فِي الحَلَبَةِ فَقالَ: ما تَجْعَلُ لِي إِنْ سَبَقْتُهُما عَدواً، قالَ: إِنْ فَعَلْتَ فَهُما لَكَ، فَسَبَقَهُما.
وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمّا هَدَمَ خالِدُ بْنُ الوَلِيدِ العُزَّى قالَ شِعْراً يَبْكِيها وَيَرْثِي سادِنَها دُبَيَّةَ السُّلَمِيَّ، وَكانَ دُبَيَّةُ قَدْ أَحْسَنَ ضِيافَةَ أَبِي خِراشٍ حِينَ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَرَأَى فِي رِجْليهِ نَعْلَيْنِ قَدْ أَخْلَقَتا، فَأَعْطاهُ نَعْلَيْنِ فَقالَ أَبُو خِراشٍ يَمْدَحُهُ:
حَذانِي بَعْدَ ما خَذِمتْ نِعالِي دُبَيَّةُ إِنَّهُ نِعمَ الخَلِيلِ
وَقَدْ أَسْلَمَ أَبُو خِراشٍ بَعْدَ ذلِكَ وَحَسُنَ إِسْلامَهُ وَكانَ شَيْخاً كَبِيراً، وَذَكَرَ المَرْزُبانِيُّ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ وَلَهُ مَعَهُ أَخْبارٌ.
وَكانَ لِأَبِي خِراشٍ أَخٌ يُدْعَى عُرْوَةَ أَسَرَتهُ قَبِيلَةُ فَهْمٍ فَافْتَداهُ أَبُو خِراشٍ وَجَعَلَ ابْنَهُ خِراشاً رَهِينَةً عِنْدَهُمْ حَتَّى أَتاهُمْ بِالفِدْيَةِ، ثُمَّ كانَ أَخُوهُ عُرْوَةً يَعْتَدِي عَلَى مالِ أَخِيهِ فَيَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ، وَأَبُو خِراشٍ يَتَجاوَزُ عَنْهُ، حَتَّى إِذا اجْتَمَعَ عُرْوَةُ يوماً مَعَ شِرْبٍ مِنْ قَوْمَهُ، أَخَذَ ناقَةً مِنْ إِبلِ أَبِي خِراشٍ وَأَرادَ نَحْرَها فَوَثَبَ أَبُو خِراشٍ إِلَيْهِ لِيَمْنَعَهُ فَلَطَمَهُ عُرْوَةُ وَأَخَذَ النّاقَةَ فَعَقَرَها، فَلَمّا كانَ مِنْ غَدٍ لامَهُ قَوْمُهُ، وَقالُوا لَهُ: بَئسَتْ لِعَمْرُ اللّٰهِ المُكافَأَةُ كانَتْ مِنْكَ لِأَخِيكَ، فَجاءَ عُرْوَةُ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، فَقالَ أَبُو خِراشٍ:
لَعَلَّكَ نافِعِي يا عُرْو يَوْماً إِذا جاوَرْتَ مَنْ تَحْتَ القُبُورِ
أَخَذْتَ خِفارَتِي وَلَطَمْتَ عَيْنِي وَكَيْفَ تُثِيبُ بِالمَنِّ الكَبِيرِ
وَقَدْ قُتِلَ أَخُوهُ عُرْوَةُ فِي إِحْدَى غاراتِهِ، فَقَدْ خَرَجَ عُرْوَةُ مَعَ ابْنِ أَخِيهِ خِراشٍ مُغِيراً عَلَى بَنِي ثُمالَةَ وَكانَ فِيها بِطنِينِ هُما بَنُو رزامٍ وَبَنُو بِلالٍ، فَظَفِرَ بَنُو ثُمالَةَ بِعُروةَ وَابْنِ أَخِيهِ، فَأَخَذَ بَنُو رزامٍ عُرْوَةَ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذَ بَنُو بِلالٍ خِراشاً فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَأَلْقَى عَلَيْهِ رِداءَهُ فَأَجارَهُ، فَلَمّا أُطْلِقَ قَدِمَ عَلَى أَبِيهِ، فَقالَ لَهُ: مَنْ أَجارَكَ؟ قالَ: لا أَدْرِي وَاللّٰهِ. وَفِي ذلِكَ قالَ أَبُو خِراشٍ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَرْثِي بِها أَخاهُ عُرْوَةَ وَمَطْلَعُها:
حَمِدْتُ إِلهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إِذْ نَجا خِراشٌ وَبَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
وَمِمّا قالَهُ أَيْضاً فِي رِثاءِ أَخِيهِ:
لَعَمْـرِي لَقَـدْ راعَـتْ أُمِيمَةَ طَلْعَتِي وَأَنَّ ثَـــوائِي عِنْـــدَها لَقَلِيلُ
تَقُـولُ أَراهُ بَعْـدَ عُـرْوَةَ لاهِيـاً وَذلِــكَ رُزْءٌ لَــوْ عَلِمْتِ جَلِيــلُ
وَلا تَحْسَبِي أَنِّي تَناسَيْتُ عَهْـدَهُ= وَلكِــنَّ صَبْرِي يـا أُمَيـمَ جَمِيـلُ
وَقَتَلَ قَوْمٌ مِنْ ثُمالَةَ أَيْضاً زُهَيْراً أَخا أَبِي خِراشٍ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مُعْتَمِراً، فَلَهُ يَقُولُ أَبُو خِراشٍ وَ قَدْ انْبَعَثَ يَغْزُو ثُمالَةَ وَيُغِيرُ عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ بِأَخِيهِ أَهْلَ دارَيْنِ:
خُذُوا ذلِكُمْ بِالصُّلْحِ إِنِّي رَأَيْتُكُمْ قَتَلْتُمْ زُهَيْراً وَهُوَ مُهْدٍ وَمُهْمَلُ
وَأُنْشِدَ لَهُ شِعْرٌ قالَهُ فِي زُهَيْرِ بْنِ العَجْوَةِ يَرْثِيهِ لِمّا قُتِلَ يَوْمَ الفَتْحِ، وَقِيلَ أُسِرَ يَوْمَ حُنِيْنٍ، فَرَآهُ جَمِيلُ بْنُ مَعمَرٍ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَقالَ أَبُو خِرّاشٍ يَرْثِيهِ:
فَجَّعَ أَضْيافِي جَمِيلُ بْنُ مَعمَرٍ بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إِلَيْهِ الأَرامِلُ
طَوِيلُ نِجادِ السَّيْف لَيْسَ بِجَيْدَر إِذا اهْتَزَّ وَاسْتَرَخَتْ عَلَيْهِ الحَمائِلُ
وَمِنْ أَخْبارِهِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ وَكانَ بَنُو الديلِ يَطْلُبُوهُ بِثَأْرٍ، فَتَرَبَّصُوا بِهِ، فَلَمّا عَلِمَهُمْ أَمْرَ زَوْجَتَهُ أَنْ تَجْتازَهُمْ، وَحِينَ دَنا مِنْهُمْ وَقَفَ قَلِيلاً كَأَنَّهُ يُصْلِحُ شَيْئاً فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وَعَدا فَلَمْ يَلْحَقُوهُ، وَقالَ أَبُو خِراشٍ فِي ذلِكَ:
رَفُونِي وَقالُوا يا خُوَيلِدُ لَمْ تُرَعْ فَقُلْتُ وَأَنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمْ
وَكانَ أَبُو خِراشٍ فارِساً عَفِيفَ النَّفْسِ، وَرَدَ فِي (الأَغانِي) أَنَّهُ أَقْفَرَ الزّادَ أَيّاماً، ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مِنْ هُذَيْلٍ جَزلَةٍ شَرِيفَةٍ، فَأَمَرَتْ لَهُ بِشاةٍ فَذُبِحَتْ وَشُوِيَتْ، فَلَمّا وَجَدَ بَطْنُهُ رِيحَ الطَّعامِ قَرْقَرَ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَقالَ: إِنَّكَ لَتُقَرْقِرُ لِرائِحَةِ الطَّعامِ، وَاللّٰهِ لَا طَعِمْتَ مِنْهُ شَيْئاً ثُمَّ طَلَبَ مِنْ رَبَّةِ البَيْتِ صَبْراً أَوْ مُرّا، فَأَتَتْهُ مِنْهُ بِشَيْءٍ فَاقْتَحَمَهُ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَى بَعِيرِهِ فَرَكِبَهُ، فَناشَدَتْهُ المَرْأَةُ فَأَبَى، فَقالَتْ لَهُ: يا هذا، هَلْ رَأَيْتَ بَأْساً أَوْ أَنْكَرْتَ شَيْئاً؟ قالَ: لا وَاللّٰهُ، ثُمَّ مَضَى وَأَنْشَأْ يَقُولُ:
وَإِنِّي لأُثْوِي الجُوعَ حَتَّى يَمَلَّنِي فَأَحْيا وَلَمْ تَدنَسْ ثِيابِي وَلا جِرْمِي
وَأَصْطَبِحُ الماءَ القَراحَ فَأَكْتَفِي إِذا الزّادُ أَضْحَى لِلمُزَلَّجِ ذا طَعْمِ
وَوَرَدَ أَنَّ أَبا خِراشٍ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ يَشْكُو لَهُ شَوْقَهُ إِلَى ابْنِهِ خِراشٍ، وَكانَ خِراشٌ قَدْ غَزا مَعَ المُسْلِمِينَ، وَذَكَرَ أبو خِراشٍ لِعُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ ناصِرٌ وَلا مُعِينٌ غَيْرَ ابْنِهِ فَقالَ:
أَلا مَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي خِراشاً وَقَدْ يَأْتِيكَ بِالنَّبَإِ البَعِيدُ
وَقَدْ يَأْتِيكَ بِالأَخْبارِ مَنْ لا تُجَهَّزُ بِالحِذاءِ وَلا تَزِيدُ
يُنادِيهِ لِيُغْبِقَهُ كُلَيْبٌ وَلا يَأْتِي لَقَدْ سَفِهُ الوَلِيدُ
ذَكَرَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي كِتابِهِ (الكامِلُ فِي التّارِيخِ) أَنَّ أَبا خِراشٍ تُوُفِّيَ أَيّامَ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ سَنَةَ 23 لِلهِجْرَةِ. وَلكِنَّ الزَّرْكَلِيَ جَعَلَ سَنَةَ وَفاتِهِ فِي كِتابِهِ (الأَعْلام) فِي حُدُودِ سَنَةِ 15 لِلهِجْرَةِ. وَكانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَتاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ قَدِمُوا حُجّاجاً، فَمَشَى إِلَى الماءِ لِيَأْتِيَهُمْ بِماءٍ يَسْقِيهِمْ وَيَطْبُخَ لَهُمْ، فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، فَأَقْبَلَ مُسْرِعاً وَأَعْطاهُمْ الماءَ وَشاةً وَقِدراً، وَقالَ: اطْبُخُوا وَكُلُوا، وَلَمْ يُعلِمْهُمْ ما أَصابَهُ، فَباتُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا، فَأَصْبَحَ أَبُو خِراشٍ وَهُوَ فِي المَوْتَى، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى دَفَنُوهُ. وَيُقالُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ خَبَرُ أَبِي خِراشٍ قالَ: وَاللّٰهِ لَوْلا أَنْ يَكُونَ سُنَّةً لَأَمَرْتُ أَلّا يُضافَ يَمانِيٌّ بَعْدَها، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عامِلِهِ أَنْ يَأْخُذَ النَّفَرَ الَّذِينَ نَزَلُوا بِأَبِي خِراشٍ فَيُغَرِّمَهُمْ دِيَتَهُ.
(المبرّد/ الكامل).
(أبو الفرجِ الأصفَهانيّ/ الأغاني).