
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
لقيتهـا ليتنـي مـا كنـت القاها
تمشـي وقـد أثقـل الأملاق ممشـاها
أثوابهــا رثّــةٌ والرجـل حافيـة
والـدمع تـذرفه فـي الخدّ عيناها
بكـت مـن الفقـر فاحمرّت مدامعها
واصـفرّ كـالورس مـن جـوع محيّاها
مـات الـذي كـان يحميها ويسعدها
فالـدهر مـن بعده بالفقر أشقاها
المـوت أفجعهـا والفقـر أوجعهـا
والهــمّ أنحلهـا والغـمّ أضـناها
فمنظــر الحـزن مشـهود بمنظرهـا
والبــؤس مــرآه مقـرون بمرآهـا
كـرّ الجديـدين قـد ابلى عباءتها
فانشــقّ أســفلها وانشـق أعلاهـا
ومـزّق الـدهر ويـل الدهر مئزرها
حـتى بـدا من شقوق الثوب جنباها
تمشـي بأطمارهـا والـبرد يلسعها
كــأنه عقــرب شــالت زباناهــا
حـتى غـدا جسـمها بالبرد مرتجفا
كالغصن في الريح واصطكّت ثناياها
تمشـي وتحمـل باليسـرى وليـدتها
حملاً علـى الصـدر مدعوماً بيمناها
قــد قمّطتهــا بأهــدام ممزّقــة
فـي العيـن منثرها سمبحٌ ومطواها
مـا أنـس لا أنـس أنيّ كنت أسمعها
تشـكو إلـى ربّهـا أوصـاب دنياها
تقــول يــا ربّ لا تـترك بلا لبـن
هـذي الرضـيعة وارحمنـي وإياهـا
مـا تصـنع الأم فـي تربيب طفلتها
أن مسـّها الضـرّ حـتى جـفّ ثدياها
يـا ربّ مـا حيلتي فيها وقد ذبلت
كزهـرة الـروض فقد الغيث أظماها
مـا بالهـا وهي طول الليل باكية
والأم ســـاهرة تبكــي لمبكاهــا
يكـاد ينقـدّ قلـبي حيـن أنظرهـا
تبكـي وتفتـح لـي من جوعها فاها
ويلمّهــا طفلــة بــاتت مروّعــةً
وبـتّ مـن حولها في الليل ارعاها
تبكـي لتشـكوَ مـن داءٍ ألـم بهـا
ولسـت أفهـم منهـا كنـه شـكواها
قد فاتها النطق كالعجماء أرحمها
ولســت أعلــم أيّ السـقم آذاهـا
ويـح ابنـتي أن ريب الدهر روّعها
بـالفقر واليتـم آهـا منهما آها
كــانت مصـيبتها بـالفقر واحـدة
ومــوت والــدها بـاليتم ثنّاهـا
هـذا الـذي فـي طريقي كنت أسمعه
منهـا فـأثرّ فـي نفسـي وأشـجاها
حــتى دنَـوت إليهـا وهـي ماشـية
وادمعـي أوسـعت فـي الخد مجراها
وقلــت يـا أخـت مهلاً أننـي رجـل
أشـارك النـاس طـرّاً فـي بلا ياها
سـمعت يـا أخـت شكوىً تهمسين بها
فـي قالـة أوجعـت قلـبي بفحواها
هـل تسـمح الأخـت لي أني أشاطرها
مـا في يدي الآن استرضي به اللها
ثـم اجتـذبت لهـا من جيب ملحفتي
دراهمــاً كنـت اسـتبقي بقاياهـا
وقلـت يـا أخـت أرجو منك تكرِمتي
بأخــذها دون مــا مــنٍّ تغشـاها
فأرســلت نظــرةً رعشــاءَ راجفـةً
ترمـي السـهام وقلبي من رماياها
وأخرجــت زفــرات مــن جوانحهـا
كالنـار تصـعد مـن أعماق أحشاها
وأجشــهت ثـم قـالت وهـي باكيـة
واهـاً لمثلـك مـن ذي رقـة واهـا
لـو عمّ في الناس حسَنٌ مثل حسّك لي
ماتـاه فـي فلوات الفقر من تاها
أو كـان فـي الناس انصاف ومرحمة
لـم تشـك أرملـة ضـنكاً بـدنياها
هــذي حكايــة حـال جئت أذكرهـا
وليـس يخفـي علـى الأحرار مغزاها
أولـى الأنـام بعطـف الناس أرملةٌ
وأشرف الناس من في المال واساها
معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة - ط)(محاضرات في الأدب العربي - ط) وغيرها الكثير.