
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
خُوَيْلِدُ بْنُ خالِد بنِ مُحَرِّث، مِنْ قَبِيلَةِ هُذَيل، عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ، وَقَدْ وَصَلَ المَدِينَةَ حِينَ وَفاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ دَفْنَهُ، وَهُوَ شاعِرٌ فَحَلٌّ جَعَلَهُ ابْنُ سَلامٍ فِي الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ، اشْتُهِرَ بِقَصِيدَتِهِ العَيْنِيَّةِ الَّتِي مَطْلَعُها (أَمِنَ المَنَوِّنِ وَرَيْبِها تَتَوَجَّعُ /وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ) قالَها فِي رِثاءِ أَبْنائِهِ الخَمْسَةِ الَّذِينَ ماتُوا بِالطاعُونِ فِي عامٍ واحِدٍ، تُوُفِّيَ فِي إِفْرِيقِيَّة وَقِيلَ بِمِصْرَ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ إِلَى المَدِينَةِ بَعْدَ فَتْحٍ إِفْرِيقِيَّةٍ نَحْوَ سَنَةِ 27ه.
عَمْرُو بْنُ الحارِثِ بْنِ مُنَبِّهٍ النِهْمِيّ، اشْتُهِرَ بِاِبْنِ بَرّاقَةَ نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلَةِ نِهْمِ الهَمْدانِيَّةِ، مِنْ الشُّعَراءِ الصَّعالِيكِ فِي الجاهِلِيَّةِ، وَقَدْ عُرفَ بِالشَّجاعَةِ وَالفَتْكِ وَكانَ مِنْ عَدّائِي العَرَبِ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ وَوَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقِلِّينَ، أَشْهَرُ شِعْرِهِ مِيمِيَّتُهُ الَّتِي مَطْلَعُها: (تَـقُـولُ سُلَيْـمَـى لا تَعَـرَّض لِتَلْفَـةٍ وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعالِيـكِ نائِمُ)، تُوفِّيَ بعدَ السَّنةِ الحادية عشرةَ للهِجرةِ.
الحُطَيْئَةُ هُوَ جَرْولُ بنُ أَوسٍ العَبْسِيُّ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَ الإِسْلامَ، وَهُوَ راوِيَةُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، وَعدّهُ ابنُ سلّامٍ فِي الطَبَقَةِ الثانِيَةِ في طبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ، وكانَ مِنْ أَكْثَرِ الشُّعَراءِ تَكَسُّباً بِشِعْرِهِ، وَهُوَ مِنْ أَهْجَى الشُّعَراءِ القُدامَى؛ فقد هَجا أُمَّهُ وَأَباهُ وَهَجاً نَفْسَهُ، وَقَدْ سَجَنَهُ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللّٰهُ عَنْهُ لِهِجائِهِ الزِّبرِقانِ بنِ بَدْرٍ، أَدْرَكَ خِلافَةَ مُعاوِيَةَ بنَ أبيِ سُفْيانَ، وَتُوُفِّيَ نَحْوَ سَنَةِ 45هـ/ 665م.
قُطْبَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَيُلَقَّبُ بِالحادِرَةِ أَوْ الحُوَيْدِرَةِ وَمَعْناهُ الضَّخْمِ، مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ غَطْفانَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مُقِلٌّ، أَشْهَرُ قَصائِدِهِ قصيدتُهُ العَيْنِيَّةُ ومَطْلَعُها (بَـكَــرَتْ سُـمَــيَّةُ غُدْوَةً فَتَـمَـتَّعِ / وَغَـدَتْ غُـدُوَّ مُـفــارِقٍ لَمْ يَرْجِـعِ) وَقَدْ اخْتارَها المُفَضَّلُ الضَّبِيَّ ضِمْنَ المُفَضَّلِيّاتِ، عُرِفَ بِمُهاجاتِهِ مَعَ زَبّانَ بْنِ سَيّار الفَزارِيّ، وَلا يُعْرِفُ تارِيخُ وَفاتِهِ إِلّا أَنَّ أَخْبارَهُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ عاشَ فِي أَواخِرِ العَصْرِ الجاهِلِيِّ.
الخَنْساءُ هِيَ تُماضِرُ بِنْتُ عَمرٍو بنِ الحارِثِ بنِ الشَّرِيدِ، مِن بَنِي سُلَيمٍ، شاعِرَةٌ مُخَضْرَمَةٌ، عاشَتْ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَدْرَكَتْ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَتْ، وَوَفَدَتْ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللّٰهُ عَليهِ وَسَلَّمَ مع قومِها، فَكانَ الرسول يَسْتَنْشِدُها وَيُعْجِبُهُ شِعْرُها، اشْتُهِرَتْ بِرِثائِها لِأَخَوَيْها صَخْرٍ وَمُعاوِيَةَ اللَّذَيْنِ قُتِلا فِي الجاهِلِيَّةِ، وَتُعَدُّ الخَنْساءُ أَشْهَرَ شاعِراتِ العَرَبِ، تُوُفِّيَتْ نَحْوَ عامِ 24ه/645م.
لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مالِكِ بْنِ جَعْفَرَ بْنِ كِلابٍ، مِنْ قَبِيلَةِ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، مِنْ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَفُرْسانِهِمْ وَأَشْرافِهِمْ، وَكانَ كَرِيماً نَذَرَ أَلّا تَهُبَّ الصَّبا حَتَّى أَطْعَمَ وَنَحَرَ، أَدْرَكَ الإِسْلامَ فَأَسْلَمَ، وَتَرَكَ قَوْلَ الشِّعْرِ بَعْدَ إِسْلامِهِ إِلّا بَيْتاً واحِداً، وَهُوَ مِنْ شُعَراءِ المُعَلَّقاتِ وَأَحَدِ المُعَمِّرِينَ عاشَ مِئَةً وَخَمْساً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، سَكَنُ الكُوفَةَ بَعْدَ إِسْلامِهِ وَتُوُفِّيَ فِيها حَوالَيْ سَنَةِ 41 هـ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 661م.
حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصارِيُّ، صَحابِيٌّ جَلِيلٌ وَشاعِرٌ مُخَضْرَمٌ عاشَ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأسلم بعدَ دُخولِ الرّسولِ صلّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ إلى المَدينَةِ، وحظي حسانُ بِمنزلةٍ كَبيرةٍ فِي الإسلامِ؛ حيثُ كانَ شاعِرَ الرَسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدافِعُ عَنْهُ وَيَهْجُو شُعَراءَ المُشْرِكِينَ، وَكانَ الرَّسُولُ يَقُولُ لَهُ: "اهْجُهُمْ وَرُوحُ القُدُسِ مَعَكَ"، عُرِفَ فِي الجاهِلِيَّةِ بِمَدْحِهِ لِلغَساسِنَةِ وَالمَناذِرَةِ، وتُوُفِّيَ فِي خِلافَةِ مُعاوِيَةَ وَكانَ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ حَياتِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي حَوالَيْ سَنَةِ 54هـ/674م.
دُرَيدُ بْنُ الصِمَّةِ بْنِ الحارِثِ بْنِ مُعاوِيَةَ، يَعُودُ نَسَبُهُ إِلَى هَوازِنَ مِنْ قَيْس عَيْلانَ، كانَ سَيِّدَ قَبيلَتِهِ بَني جُشَمَ وَشَاعِرَهُم وَفارِسَهُم، وَقد خاضَ مِئَةَ غَزْوَةٍ ما أخفقَ بِواحِدَةٍ مِنْها، وَفَقَدَ إِخْوَتَهُ الأَرْبَعَةَ فِي وَقْعاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَرْثاهُمْ، وَأَشْهَرُهُمْ عَبْدُ اللهِ الَّذِي رَثاهُ بِقَصِيدَتِهِ الدالِيَةِ (أَرَثَّ جَـدِيــدُ الْحَـبْــلِ مِنْ أُمِّ مَعْـبَـدِ / لِعَـــاقِــبَــةٍ أم أَخْـلَفَــتْ كُـلَّ مَـوْعِــدِ) وَعُمِّرَ دُرَيْدُ طَوِيلاً فَقِيلَ إِنَّهُ عاشَ مِئَتَيْ عامٍ أَوْ نَحْوَ ذلِكَ، وَقُتِلَ فِي مَعْرَكَةِ حُنَينٍ إِذْ أَخْرَجَهُ قَوْمُهُ تَيَمُّناً بِهِ، فَماتَ عَلَى شِرْكِهِ، وَكانَ ذلِكَ فِي السَّنَةِ الثّامِنَةِ لِلهِجْرَةِ.
قَيْسُ بنُ الخَطِيمِ، مِن قَبِيلَةِ الأَوْسِ، شاعِرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ وَلَمْ يُسْلِمْ، نَشَأَ يَتِيماً إِذْ قُتِلَ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَلَمّا بَلَغَ أَخَذَ بِثَأْرَيْهِما، وَكانَ فارِساً شُجاعاً شَهِدَ عَدَداً مِنْ الوَقائِعِ بَيْنَ الأَوْسِ وَالخَزْرَجِ، وَأَكْثَرَ شِعْرِهِ فِي يَوْمِ البُعاثِ، وَهُوَ مِنْ الشُّعَراءِ المُقَدَّمِينَ فِي الجاهِلِيَّةِ قَدَّمَهُ بَعْضُ الرُّواةِ وَعُلَماءُ الشِّعْرِ عَلَى حَسّانَ بنِ ثابِتٍ، وَهُوَ مِن طَبَقَةِ شُعَراءِ القُرَى فِي طَبَقاتِ ابنِ سَلامٍ. وقد قَتَلَهُ قَوْمٌ مِنْ الخَزْرَجِ بَعْدَ يَوْمِ البُعاثِ فِي حَوالَيْ السَّنَةِ الثّانِيَةِ قَبْلَ الهِجْرَةِ.
خِداشُ بنُ زُهيرٍ، مِن قَبيلَةِ عامِرِ بنِ صَعصعَةَ، شاعِرٌ جاهِلِيٌّ مِن أشرافِ قومِهِ وفُرسانِهم، شَهدَ حربَ الفِجارِ ولهُ فِيها أخبارٌ، وهو شاعِرٌ مُجيدٌ مُتقدِّمٌ، عَدّهُ أَبو عَمرِو بنُ العلاءِ أَشْعرَ مِن لَبيدٍ، وَهوَ مِن شُعراءِ الطَّبقةِ الخامِسَةِ عندَ ابنِ سَلَّامٍ فِي طَبقاتِ فُحولِ الشُّعراءِ.
هُوَ خُوَيْلِدُ بْنُ خالِدِ بْنِ مُحَرِّثِ بْنِ زُبَيْدِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صاهِلَةَ بْنِ كاهِلِ بْنِ الحارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلِ بْنِ مُدْرِكَة بْنِ إِلْياس بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزارٍ، وَيُنْسَبُ إِلَى هُذَيْلٍ، وَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ وَأَشْهَرِ قَبائِلِ العَرَبِ المُضْرِيَّةِ، وَمِنْ أَفْصَحِهِمْ لِساناً وَأَشَجَعِهِمْ وَأَشَدِّهِمْ بَأْساً، كانَتْ مَنازِلُها فِي الحِجازِ وكانَ يَحُدُّها مِن الشَّمالِ قَبِيلَةُ قُرَيْشٍ وَمِن الجَنُوبِ قَبِيلَةُ كِنانَةَ وَمِن الشَّرْقِ قَبِيلَةُ بَنِي سُفْيان ثَقِيف فِي شَفا الطّائِفِ وَمِنْ الغَرْبِ قَبِيلَةُ خُزّاعَةَ، وَقَدْ تَفَرَّعَتْ قَبِيلَةُ هُذَيْلٍ إِلَى عِدَّةِ بُطُونٍ مِنْ أشْهَرِها بَنُو لحيانَ وَبَنُو سَعْدٍ.
وَلا يُعْرَفُ الكَثِيرُ مِن التَّفاصِيلِ عَنْ أُسْرَتِهِ سوى أَنَّ لَهُ سِتَّةً مَنَ الأَوْلادِ ماتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ فِي عامٍ واحِدٍ أَصابَهُمْ الطّاعُونُ بِمِصْرَ، وَبَقِيَ مِنْ أَوْلادِهِ واحِدٌ اسْمُهُ مازِن وَيُكْنَى أَبا شِهابٍ ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ كانَ مِنْ شُعَراءِ هُذَيْلٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّ زَوْجَتَهُ كانَ اسْمُها أَمِيمَةُ الَّتِي يُخاطِبُها فِي قَصِيدَتِهِ العَيْنِيَّةِ المَشْهُورَةِ فِي رِثاءِ أَبْنائِهِ.
عاشَ أَبُو ذُؤْيَب أَكْثَرَ حَياتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمَ سَنَةَ 9 لِلهِجْرَةِ، وَيُقالُ إِنَّهُ كانَ فِي الخَمْسِينَ مِنْ عُمرِهِ، وَكانَ وَجِيهاً فِي قَوْمِهِ وَيُعَدُّ أَبْرَزَ شُعَراء قبيلتِهِ، وَقَدْ عاشَ حَياتَهُ فِي الجاهِلِيَّةِ فِي الحِجازِ بِوادٍ كانَ يَنْزِلُهُ مَعَ قَوْمِهِ يُسَمَّى وادِيَ الرَّجِيعِ، وَلا يَرِدُ حَوْلَ حَياتِهِ فِي الجاهِلِيَّةِ إِلّا بَعْضَ الحَوادِثِ، مِنْها ما رَواهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ أَبا ذُؤَيَبٍ كانَ يَهْوَى امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ، وَكانَ رَسُولُهُ إِلَيْها رَجُلاً مِنْ قَوْمِهِ يُقالُ لَهُ خالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ (ذُكِرَ فِي كتابِ "الأَغانِي" أَنَّهُ ابْنُ أُخْتِهِ) فَخانَهُ فِيها، فَقالَ أَبُو ذُؤْيَب:
تُرِيدِينَ كَيْما تَجْمَعِينِي وَخالِداً وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفانِ وَيْحَكِ فِي غِمْدِ
أُخالِدُ ما راعَيْتُ مِنَى قُرابَةٍ فَتَحْفَظُنِي بِالغَيْبِ أَوْ بَعْضِ ما تُبْدِي
وَكانَ أَبُو ذُؤَيْب خانْ فِيها ابْنَ عَمٍّ لَهُ يُقالُ لَهُ مالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ، فَقالَ خالِدٌ مُجِيباً لأَبَي ذُؤِيبٍ:
فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرتَها وَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهُا
وَقَدْ أَسْلَمَ أَبُو ذُؤْيَبٍ وَوَفَدَ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَقَدْ وَصَلَ المَدِينَةَ وَقَدْ تُوُفِّيَ الرَسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدَ دَفْنَهُ، وَقَدْ وَرَدَتْ لَهُ أبْياتٌ فِي رِثاءِ النَّبِيِّ يقول فيها:
لَمّا رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَسْلانِهِمْ مِنْ بَيْنِ مَلْحُودٍ لَهُ وَمَضْرَّحِ
مُتَبادِرِينَ لِشَرْجَعٍ بِأَكُفِّهِمْ نَصَّ الرِّقابِ لِفَقْدِ أبْيَضَ أَرْوَحِ
فَهُناكَ صِرْتُ إِلَى الهُمُومِ وَمَنْ يَبِتْ جارَ الهُمُومُ يَبِيتُ غَيْرَ مُرَوَّحِ
كُسِفَتْ لِمَصْرَعِهِ النُّجُومُ وَبَدْرُها وَتَزَعْزَعَتْ آطامُ بَطْنِ الأَبْطُحِ
وَتَزَعْزَعَتْ أَجْبالُ يَثْرِبَ كُلُّها وَنُخَيلُها لِحُلُولِ خَطْبٍ مَفْدِحِ
وَلَقَدْ زَجَرْتُ الطَّيْرَ قَبْلَ وَفاتِهِ بِمُصابِهِ وَزَجَرْتُ سَعْدَ الأَذْبُحِ
وَقَدْ أَسْلَمَ أَبُو ذُؤَيَبٍ وَحَسُنَ إِسْلامُهُ، وَيَذْكُرُ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّ أبا ذؤيبٍ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَ ابْنِهِ وَاِبْنِ أَخٍ لَهُ يُقالُ لَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَقالَ لَهُ: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ يا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ قالَ: الإِيمانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قالَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَأَيُّهُ أَفْضَلُ بَعْدَهُ؟ قالَ: الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قالَ: ذلِكَ كانَ عَلَيَّ وَإِنِّي لا أَرْجُو جَنَّةً وَلا أَخافُ ناراً، ثُمَّ خَرَجَ فَغَزا أَرْضَ الرُّومِ مَعَ المُسْلِمِينَ.
وَيَذْكُرُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أنَّ أَبا ذُؤْيَبٍ خَرَجَ فِي جُنْدِ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرحٍ إِلَى إفْرِيقِيَّةِ سَنَةَ 26هـ، وَكانَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُبَيْرِ وَقالَ فِيهِ فِي تِلْكَ الغَزْوَةِ:
فَـإِنَّ ابْـنَ تُـرْنَـى إِذَا جِئْتُـكُـمْ أَرَاهُ يُـدَافِــعُ قَـوْلاً بَـرِيــحــا
فـصَــاحِــبَ صِـدْقٍ كِـسِــيــدِ الضَّرَا ءِ يَنْهَـضُ في الْغَزْوِ نَهْضاً نَجِيحا
وَشـيـكَ الفُصـولِ بَعـيـدَ القُفـو لِ إِلّا مُـشـاحـاً بِهِ أَو مُشـيـحـا
يَـرِيــعُ الْغُزَاةُ وَما إِنْ يَرِيــ عُ مُـضْــطَــمِـراً طُرَّتَـاهُ طَلِيـحـا
كَـسَــيــفِ الْمُـرَادِيِّ لَا نَـاكِــلاً جَبَـانـاً وَلَا جَيْـدَرِيّـاً قَبِـيـحـا
هُناكَ رِوايَتانِ لِوَفاةِ أَبِي ذُؤْيَبٍ، أَوْلاهُما ما رَواهُ أَبُو الفَرَجِ الأَصْفَهانِيُّ أَنَّ أَبا ذُؤَيَبٍ كانَ قَدْ خَرَجَ لِلجِهادِ فِي بِلادِ الرُّومِ مَعَ ابْنِهِ وَاِبْنِ أَخِيهِ يُقالُ لَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، فَلَمّا قَفَلُوا أَخَذَهُ المَوْتُ، فَأَرادَ ابْنُهُ وَابْنُ أَخِيهِ أَنْ يَتَخَلَّفا عَلَيْهِ جَمِيعاً، فَمَنَعَهُما صاحِبُ الساقَةِ (أَيُّ مُؤَخِّرَةُ الجَيْشِ) وَقالَ: لِيَتَخَلَّفْ عَلَيْهِ أَحَدُكُما وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مَقْتُولٌ. فَقالَ لَهُما أَبُو ذُؤْيَبٍ: اقْتَرِعا، فَطارَتْ القُرْعَةُ لِأَبِي عُبَيْدٍ، فَتَخَلَّفَ عَلَيْهِ وَمَضَى ابْنُهُ مَعَ النّاسِ. وَيَذْكُرُ الأَصْفَهانِيُّ ما رَواهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي ذُؤَيَبٍ وَهُوَ يُحْتَضَرُ فَقَدْ قالَ لَهُ أَبُو ذُؤْيَبٍ: يا أَبا عُبَيْدٍ، احْفِرْ ذلِكَ الجُرفَ بِرُمْحِكَ ثُمَّ اعْضُدْ مِنْ الشَّجَرِ بِسَيْفِكَ ثُمَّ اجْرُرْنِي إِلَى هذا النَّهْرِ فَإِنَّكَ لا تَفْرَغُ حَتَّى أَفْرَغَ، فَاغْسِلْنِي وَكَفِّنِي ثُمَّ اجْعَلْنِي فِي حَفِيرِي وَانْثُلْ عَلَيَّ الجُرفَ بِرَمْحِكَ، وَأَلْقِ عَلَيَّ الغُصُونَ وَالشَّجَرَ، ثُمَّ اتَّبَعْ النّاسَ فَإِنَّ لَهُمْ رَهْجَةً تَراها فِي الأُفُقِ إِذا مَشَيْتَ كَأَنَّها جِهامَةٌ، قالَ: فَما أَخْطَأَ مِمّا قالَ شَيْئاً، وَلَوْلا نَعْتُهُ لَمْ أَهْتَدِ لِأَثَرِ الجَيْشِ. وَقالَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ:
أَبا عُبَيْدٍ رُفِعَ الكِتابُ وَاقْتَرَبَ المَوْعِدُ وَالحِسابُ
وَ عِنْدَ رَحْلِي جَمَلٌ نُجابُ أَحْمَرُ فِي حارِكِهِ انْصِبابُ
أَمّا الرِّوايَةُ الثّانِيَةُ فَهِيَ ما ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّ أَبا ذُؤْيَبٍ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي مَغْزَىً نَحْوَ المَغْرِبِ، فَماتَ، فَدَّلاهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي حُفْرَتِهِ.
وَقَد اخْتُلِفَ فِي مَكانِ وَفاتِهِ فَقِيلَ فِي إِفْرِيقِيَّة وَقِيلَ فِي مِصْرَ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ إِلَى المَدِينَةِ مُبَشِّراً بِفَتْحِ إِفْرِيقِيَّة هُوَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَكانَت وَفاتُهُ نَحْوَ سَنَةِ 27 لِلهِجْرَةِ المُوافِقَةِ لِسَنَةِ 648 لِلمِيلادِ.
يُعَدُّ أَبُو ذُؤْيْب أَشْعَرَ شُعَراءِ قَبِيلَةِ هُذَيْلٍ، وَيُرْوَى أَنَّ حَسّانَ بْنَ ثابِتٍ سُئِلَ مِنْ أَشْعَرِ النّاسِ قالَ حَيّاً أَوْ رَجُلاً قالَ حَيّاً قالَ أَشْعَرُ النّاسِ حَيّاً هُذَيْلٌ وَأَشْعَرُ هُذَيلٍ غَيْرُ مُدافَعٍ أَبُو ذُؤْيَب. وَأَوْرَدَ المَرْزَبانِيُّ فِي مُعْجَمِ الشُّعَراءِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلامٍ قالَ سَأَلْتُ عَمْرو بْنَ مُعاذٍ وَكانَ شاعِراً بَصِيراً مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟ قالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قالَ أَبُو ذُؤْيَبٍ.
عَدَّ ابْنُ سَلَّامٍ أَبا ذُؤْيَبٍ مِنْ فُحُولِ شُعَراءِ الجاهِلِيَّةِ وَوَضْعَهُ فِي الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ مَعَ النّابِغَةِ الجَعْدِيِّ وَالشَّمّاخِ وَلَبِيدٍ، وَرَأَى ابْنُ سَلّامٍ أَنَّ أَبا ذُؤَيَبٍ كانَ شاعِراً فَحْلاً، وَلا غَمَيْزَةَ فِيهِ، وَلا وَهْن.
جَعَلَهُ أَبُو زَيْدٍ القُرَشِيُّ رَأْسَ طَبَقَةِ أَصْحابِ المَراثِي فِي كِتابِهِ (جَمْهَرَةُ أَشْعارِ العَرَبِ) وَاخْتارَ لَهُ قَصِيدَتَهُ العَيْنِيَّةَ الَّتِي رَثَى بِها بَنِيهِ الخَمْسَةَ الَّذِينَ ماتُوا بِالطاعُونِ فِي عامٍ واحِدٍ، وَهِيَ مِنْ أَجْوَدِ شِعْرِ أَبِي ذُؤْيَبٍ وَقَدْ فُضِّلَ بِها أَبُو ذُؤْيَب كَما ذَكَرَ أبو الفرجِ الأَصْفَهانِيُّ، وَهِيَ مِنْ أَجْوَدِ قَصائِدِ المَراثِي عِنْدَ العَرَبِ جَعَلَها المُفَضَّلَ الضَبِيَّ مِنْ ضِمْنِ مُخْتاراتِهِ أَيْضاً. وَفِيها البَيْتُ الَّذِي عَدَّهُ الأَصْمَعِيُّ أَبْرَعَ بَيْتٍ قالَتْهُ العَرَبُ، وَهُوَ:
وَالنَّفْسُ راغِبَةٌ إِذا رَغَّبْتَها وَإِذا تُرَدُّ إِلَى قَلِيلٍ تُقْنَعُ
تَناوَلَ أَبُو ذُؤْيَبٍ مُعْظَمَ الأَغْراضِ الشِّعْرِيَّةِ فِي شِعْرِهِ مِنْ مَدْحٍ وَغَزلٍ وَهِجاءٍ وَفَخْرٍ وَبَرَعٍ فِي الرِّثاءِ، وَفِي الوَصْفِ وَلاسِيَّما وَصْفُ النَّحْلِ وَالعَسَلِ، وقَدْ ذَكَرَ بروكلمان أَنَّ لَأبي ذؤيبٍ أَصالَةً خاصَّةً فِي وَصْفِ النَّحْلِ، وَلَهُ قَصائِدُ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ أُخْتِهِ خالِدِ بْنِ زُهَيْرٍ هِيَ أَشْبَهُ بِالنَّقائِضِ.
ذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بَعْضَ ما يُؤْخَذُ عَلَى أَبِي ذُؤْيَبٍ في شِعره، مِنْ ذلِكَ قَوْلُهُ فِي صِفَةِ الدُّرَّةِ: فَجاءَ بِها ما شِئْتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ تَدُومُ الْبِحارُ فَوْقَها وَتَمُوجُ
وَقالُوا: الدُرَّةُ لا تَكُونُ فِي الماءِ الفُراتِ، إِنَّما تَكُونُ فِي الماءِ المِلِحِّ.
"كانَ شاعِراً فَحْلاً، وَلا غَمَيْزَةَ فِيهِ، وَلا وَهُن ... كانَ فَصِيحاً كَثِيرَ الغَرِيبِ مُتَمَكِّناً في الشِّعْرِ"
(ابنُ سلّام الجمحيّ/ طبقاتُ فحولِ الشُّعراء).
(أبو الفرج الأَصفهانيّ/ الأَغاني)
(البغداديّ/ خِزانةُ الأَدبِ).