
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أَناتـكَ يـا دَهـري رُويـدَ المَصـائبِ
رُوَيـدكَ مـا أَبقَيـتَ لـي مِـن رَغائبِ
وَمــا فَتَــرَت كَفَّـاكَ عَنـي وَلا وَنَـت
تُبَعثِــرُ آمــالي وَتَقَصــى مَطـالِبي
وَمـا خِفتَنـي يا دَهر بَل زِدتَني أَذىً
وَأَسـرَفَتَ فـي دَفعـي وَراءَ المَصـاعبِ
كَأَنَّــكَ مِنّــي طــالبٌ ثَــأرَ مَيِّــتٍ
تَــردَّى قَــتيلاً بـي وَلَسـتَ بِطـالِبي
وَيـا دَهـرُ مـا عَـوَّدتُ نَفسـي تَوَجُّعاً
وَلا أَنـا أَشـكو مِـن مَريـرِ النَوائبِ
وَلا جَزعَـــت نَفســي لِخَطــبٍ مُــرَوِعٍ
وَإِن هُــوَ أَعيــاني وَأَرهَـقَ جـانِبي
وَلا بُـدَّ لـي يـا دَهـرُ مِن بَثِّ لَوعَتي
وَلا بُـدَ لـي مِـن ثـاقبِ الرَأيِ صائبِ
وَحَقِّـــكَ ماذيَّــاكَ ضــَعفٌ وَلا وَنــى
وَلا هُــوَ شــَكوى مِـن زَمـانٍ مُحـاربِ
وَلَكِنَّـــهُ قَلـــبٌ تَفَجَّـــرَ ســاخِطاً
بِمــا لَقِيَــت أَحشـاؤُهُ مِـن مَتـاعبِ
يُكـادُ يَـذوبُ اليَومَ مِن فَرطِ ما حَوى
مِــن الأَلَـم المُضـني وَلَيـسَ بِـذائبِ
تَقـولُ كَربـت اليَـومَ أَتـرك عـادَتي
لِعَمــرُكَ لَــم تَكـرب وَلَسـتُ بِكـارِبِ
وَمــا أَنـتَ إِلّا جـائرٌ وَاِبـنُ جـائرٍ
تَــداعَب لَكِــن فَـوقَ حَـقِّ المُـداعبِ
لَقيـتُ مِـن الـدُنيا وَمَن ظُلمِ أَهلِها
نَضـيضَ الأَفـاعي فـي سـُمومِ العَقاربِ
صــَحبتهمُ دَهــراً طَـويلاً فَمـا جَنَـت
يَــدايَ فَـتيلاً مِـن قِطـافِ التَحـاببِ
أَقــامَ عَلــى غَــدرٍ وَدسَّ أَباعِــدي
وَقَلَّــبَ لــي ظَهـرَ المِجَـنِّ أَقـارِبي
وَمـا أَنصـَفتَني إِخـوتي فـي وِدادِهِم
وَلَكــن جَـرُوا رَكضـاً وَراءَ المَـآربِ
أَخـدتُ مِـنَ الـدُنيا تَجـاريبَ أَهلِها
فَمـا نَفَعَـت شـَيئاً وَأَغنَـت تَجـارِبي
وَيـا وَطَنـي مـازلتَ لـي خَيـرَ صاحبٍ
إِذا خـانَنَي خَيـرُ الصـَديقِ المُصاحبِ
عَلــى تُربِـكَ الغـالي نَثَـرتُ قَلائِدي
وَســَيَّرتُ أَمثــالي مَسـيرَ الكَـواكبِ
وَدوَّى قَصــيدي فــي رُبوعِـكَ مُعلِنـاً
بِمـا فـي ضـَميري مِن غَريبِ الغَرائبِ
وَيــا وَطَنــي عَقَّتــكَ شـِيبٌ وَفتيـةٌ
تَـداعَوا كَـثيراً في مَهاوي المَعاطبِ
أَمــاتَهُمُ حــبُّ الظُهــورِ فَســوَّدوا
صــَحائِفَ لا يَرضـى بِهـا نُصـفُ كـاتبِ
أَلَــمَّ بهـم سـخفٌ وَأَودى بِهُـم هَـوى
فَمـالوا لِمُنحَـطِّ المُنـى وَالرَغـائبِ
وَســَيَّرَهم فــي دَهرِهــم كُـلُّ كـاذبٍ
وَمــا غــالبَ الأَيّـامَ منطـقُ كـاذبِ
أَلا فَليَســيروا فــي ضــَلالٍ وَذلــةٍ
فَلَســـتُ لإخــوانِ الضــلالِ بِصــاحبِ
عَلــــيَّ لطلاّبِ الظُهـــورِ كَتـــائبٌ
تُبَـدِّدُ مـا قَـد جَمَّعـوا مِـن كَتـائبِ
حَلَفــتُ يَمينــاً لا أُغــادرُ جَمعَهـم
عَلــى غيــرِ أَشــلاءٍ وَغَيـرِ مَقـانبِ
ســَأُعملُ حَــدَّ السـَيفِ فـي أَمِّ أرؤُسٍ
خَـرائبَ يـا وَيـحَ الـرؤوسِ الخَرائبِ
لَهُــم مَـن يُراعـي كَـلَّ سـَيفٍ مُجـربٍ
يُريهِـم سـَريعاً كَيـفَ فَعَـل القَواضبِ
سَأَســمَعُ نَــوحَ الثــاكِلاتِ مُحبّبــاً
وَأَســـمَعُ مَســروراً دَويَّ النَــوائبِ
كَـذا عَوَّدتني النَفسُ أَن أُحطِّم الهَوى
وَأَن أَتعـالى فَـوقَ أَعلـى المَراكـبِ
كَــذا خَلقتنــي للحَــوادثِ هِمَّــتي
وَأوهبنــي عَزمــي لجـوبِ الغَيـاهبِ
تَمَرَّســتُ بِالأَيّــامِ حَتّــى عَرَكتُهــا
وَعــدتُ وَمــا أَحـرَزتُ صـَفقةَ خـائبِ
وَلا بُــدَّ مِــن يَــومٍ أَغَــرٍّ مُحجَّــلٍ
تَضـيقُ بِـهِ العَليـا عَلـى كُـلِّ راغبِ
تَـرونَ بِـهِ يَـومَ الحِمـى مَـن بُزاتُهُ
وَتَســتَبقُ الآســادُ قَبــلَ الثَعـالبِ
يُحَصــحِصُ فيـهِ الحَـقُّ أَبيـضَ ناصـِعاً
وَتَنهَــزمُ الأَوغــادُ مِـن كُـلِّ جـانبِ
سـِجالاً تَـدورُ الحَـربُ بَينـي وَبَينَكُم
وَتُضـرمُ نـاراً فـي صـَميمِ المَكـاتبِ
وَلَســتُ أَخــالُ النَصـرَ إِلّا مُحـالفي
وَهَــل أَنـا إِلَا غـالبٌ وَابـنُ غـالبِ
لَئن فـاتَني حَـظٌّ مِـن الـدَهرِ وَافـرٌ
وَأَخطَـأني صـَوب الغَـوادي السـَواكبِ
وَمــالَ بِعِطفــيَّ الشــَقاءُ وَقَصــَّفَت
زُهــورُ حَيــاتي مُضـنياتِ المَتـاعبِ
فَمـا أَنـا بِالمفجوعِ في حُسنِ مَنطقي
وفـي أَدَبـي العـالي وَنبـلِ مَواهبي
وإِن نَضــَبَت مِنِّــي يَنـابيعُ ثَروَتـي
فَلَيــسَ مَعيـنُ القَـولِ منِّـي بِناضـبِ
لـي الأَطيبـانِ اليَـوم علمي وَمَنطِقي
وَذيَّـانِ مـا أَرجـوهُ قَبـلَ المَراتـبِ
إِذا أَنـا لَـم أُدرِك بهـذينِ مَطلَـبي
فَلا حَمَلتنــي فــي جِهــادٍ مَنـاكِبي
وَإِن أَنــا أَعطَيـتُ الزَمـان مَنـالَهُ
فَلا ضــَمَّني عَمــي النَبيـل وَلا أَبـي
هُـوَ الـدَهرُ يـا نَفسـي يُذِلُّ فيَنتَشي
ســُروراً بِــأذلالِ الكُمـاةِ السـَلاهبِ
يَجــورُ وَلَكِــن فــي عمــاءٍ وَضـلَّةٍ
وَيَعــدلُ لَكِـن تَحـتَ سـَيفِ المُحـاربِ
فَمــا بَخِلَــت كَفَّـاهُ شـُحّاً وَلا هَمَـت
لِجــودٍ وَلا قــامَت بِاســداءِ واجـبِ
مُـرِي قَلبِـيَ الـدامي يَثِب مِن ضُلوعِهِ
وَيَضــرِب عَلـى الأَيّـامِ ضـَربَةَ غاضـبِ
يَشــتِّتُ شـَملَ الـدَهرِ تَشـتيتَ قـادرٍ
وَيَجعــلُ مِــن دُنيــاه لُعبَـةَ لاعـبِ
وَمــا هِــيَ إلّا جَولــةٌ إِثـرَ جَولـةٍ
وَضـَربٌ يَفُـلُّ العَـزمَ مِـن كُـلِّ ضـاربِ
تَريــنَ فَتـاكِ الشـَهمَ رُبَّـانَ قَـومِهِ
إِذا اِفتقِـدَ الرُبـانُ مِـن كُـلِّ قاربِ
يَصــولُ وَلَكِــنَّ صــَولَهُ بنـت عَزمـةٍ
تُحشـرِجُ مِنهـا الـروحُ بَينَ التَرائبِ
وَيقـدِمُ إِقـداماً تَـرى المَـوتَ تَحتَهُ
يَعُــجُّ وَيَطــوي راكِبـاً بَعـد رَاكـبِ
لـيَ الحَـقُّ أَن أَسـتَلَّ أَحشـاءَ سـِفلةٍ
إِذا نَبَحــوا دونـي نُبـاحَ الأَكـالبِ
وَأَن أَتــروَّى مِــن دَمٍ غَيــر طـاهرٍ
إِذا اِرتَفَعــت يَومـاً وَقاحـةُ نـاعبِ
إِلــى مَـذهَبي أَدعـوهمُ أَن يَشـرِّقوا
وَيَعتَنِقــوا طَوعـاً وَقَسـراً مَـذاهِبي
فَقَد غَصَّ حَلقي الغَربُ بِالسَخفِ وَالهَوى
وَآلمتمـــوني أنتـــمُ بِالتكــالبِ
فَمَــن هُــوَ يُـدني للأَعـاربِ مَجـدَهُم
إِذا أَنـا لَـم أَثـأر لِمَجـدِ الأَعاربِ
وَكَيـفَ يَسـامُ الـذُلُّ شـَعبٌ جَـرَت بِـهِ
وَتَجـري دِمـاءٌ مِـن عَلـي بـن طـالبِ
لَئِن تَكُــنِ الـدُنيا أَضـرَّت بِمُهجَـتي
فَحَظِّـي مِـنَ الأُخـرى فَسـيح الجَـوانبِ
وَأن تَكُــنِ الأَيّــامُ أَوسـَعَنَنِي قَلـىً
فَمــا أَنــا للأَيّــامِ سـِبحةَ راهـبِ
يُعـدِّدُ فيهـا مـا قَضـى مِـن طُقوسـهِ
وَيَعبَــثُ أَنَّــى شــاءَ غَيـرَ مُحاسـَبِ
وَلِكِنَّنــي أَرهَقتُهــا فــي مَطـالِبي
وَيـا رَب مـا أَحلـى وَأَسـمى مَطالِبي
وَيـا رَب كـادَ البُـؤسُ يُثني عَزيمَتي
كَـــأَنَّ عَلــى البُــؤسِ ضــَربةَ لازبِ
تَحبَّبنـي فَقـري فَلَـو مَـرَّ بي الغِنى
لَمـا مَـرَّ إِلّا فـي اِحتشـامِ المُجانبِ
وَلَســتُ أُبــالي أَن أَروحَ وَأَغتَــدي
وَقَــد صـَغَرت مِنـي وأَلـوت أطـائبي
أَلا إِنَّ رايــاتِ العُلا فــوقَ هـامَتي
أَلا إِنَّ صـَوتَ المَجـد حُـرّاً أَهـابَ بي
الهــي أَعِنِّـي فـي جِهـادي وَطِلَبـتي
وَأَمطِــر رُبــوعي وابِلاتِ الســَحائبِ
وَيـا رَب لَـم أَخضـَع لَحـي وَلَـم أَسَل
ســِواكَ فَمــا حَــيٌّ ســِواكَ بِـواهبِ
محمد عبد الوهاب القاضي.شاعر الحب والكبرياء، والقلق النبيل مقرع المجتمع مناجز الاستعمار، ولد في قرية (الكتياب) إحدى ضواحي (المحمية) عام 1911م.وهو ينتمي إلى أسره الكتياب الجعلية المعروفة بخلاويها ونشاطها الملتزم بتعليم القرآن والعلوم الإسلامية.وهو ذو قرابة بالشاعر التجاني يوسف بشير.تعلم على يد عمه الشيخ محمد الكتيابي، ثم التحق في معهد أم درمان العلمي وذلك عام 1927 حيث أبدع وأجاد.وأسهم بقسط وافر في الحركة الثقافية والأدبية في الثلاثينيات.ثم سافر من السودان إلى مصر، والتحق بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف ثم تخرج بنتيجة عالية، وهي أول نتيجة يحرزها طالب غير مصري في تاريخ الأزهر الشريف، له (ديوان شعر - ط) رتبه على طريق الموضوعات، فيبدأ بقصائد الحب ثم القصائد الوطنية، ثم مرثيتان، ثم قصائد التأمل الفلسفي.مات سنة 1940.