
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
خَرَجـت مِـن بَعـض ضـُروب البَصـره
فــي رفقـة مِـن عـامر للعمـره
حَتّـى إِذا كُنـا عَلـى رَمل الحمى
وَقَـد خَبطنـا جَـوف لَيـل مظلمـا
فـــي لَيلــة بــاردة مطيــره
رِياحهــــا شـــَديدة كَـــثيرة
قـالَ أَصـيحابي اِنزلـوا فعرسوا
فَاللَّيــل داج وَالرِّفـاق نعسـوا
فَعــرس القَــوم بِـواد ذي شـَجر
وَلَـم أَزَل أربـؤهم إِلـى السـحر
فــي لَيلــة ذات رِيــاح وَمَطـر
لا نجــم فــي سـَمائِها وَلا قمـر
حَتّـى إِذا الفَجـر بَـدا للنـاظر
وَحــانَ حيــنَ رحلــة المُسـافر
هَــب أَصــيحابي مِــن الرّقــاد
إِلــى ظُهــور الإبــل وَالجِيـاد
وَثـــوروا وَانطلقـــوا خلســت
وَقُلـــت لا ضــير إِذا احتبســَت
فَظلــت فـي أَصـل كنـاس للحمـر
وَقَــد سـكرت بِـاللغوب وَالسـهر
فَنمــت للحيــن جَميــع يَــومي
ثَــم اِنتَبَهـت فَرقـاً مِـن نَـومي
فَقُمــت مَرعوبــاً مَــع الأَصــيل
جوعـــان عَطشـــان بِلا دَليـــل
اعتكــر اللَّيــل وَزادت حيرَتـي
فــي جنحِــهِ وَجوعَــتي وَخيفَـتي
وَلَـم أَجـد في الحَزم غَير المَكث
فـي مَوضـِعي خَـوف التوى وَاللبث
وَقُلــت إِن ســرت بِغَيــر هـادي
ضـَللت فـي أضـواج هَـذا الوادي
وَخِفـــت مِـــن ســِباعه وَجنــه
وَلَــم أَبــل مِـن سـَهلِهِ وَحُزنِـهِ
ثَــم هَجَمـت فـي مَكـاني جاثِمـاً
وَكُنـتُ فـي ذاكَ الهُجـوم حازِمـا
وَلَــم أزَل انظُـر فـي النَـواحي
وَأرهــب الجَــرس مِــن الرِّيـاح
حَتَّـى بَـدا شـَخص فَحـدقت النَّظَـر
وَلَــم أَكـد أثبتـهُ مِـن الحَـذَر
ثُــم بَــدا لــي فَرَأيــت رَجُلاً
شــَيخاً يُنــاجي صـاحِباً مكتهلا
قَـد أَكثَـرا الخِصـام وَالجِـدالا
وَأَعلَنــا الشــِّجار وَالمَقــالا
وَافتخــرا وَكَــثرة المُفــاخرة
تَـدعو إِلـى العِنـاد وَالمُشاجرة
فَكـانَ قَـول الشـَّيخ قومي الهند
الحُكمـــاء العُلمـــاء اللــد
لَهـــم علــوم وَحلــوم وَفطــن
وَحكمـــة بالغـــة إِذ تمتحــن
لَـو لَم يَكُن من فضلِهم إِذ يختبر
فَضــل الرِّجــال منصـف وَيعتـبر
إِلا الَّـذي أَبـدوه فـي الشـطرنج
لِلنـاس مِـن علـم سـَديد النهـج
جـــد عَظيـــم لَقبــوه هَــزلا
يَصــير الــرأي الأفيــن جـزلا
فيــهِ إِشــارات إِلــى مَــواعِظِ
نافِعــــة لِكُـــل واع حـــافِظ
قَــد رَســَموها لِلهُــدى مِثـالاً
أَن الحَكيــم يَضــرب الأَمثــالا
يَعنـون أن العَيـش فـي التَدبير
وَلَيـــسَ بِالقســمة وَالتقــدير
وَالمَـــرء لِلأَفعـــال مُســتَطيع
مُحكــــم يحفَــــظ أَو يضـــيع
وَذَلِــــــكَ العَـــــدل بِلا خِلاف
لَــو وفــق الرِّجــال لِلإنصــاف
قـالَ لَـه الكَهـل وَقَـومي الفرسُ
الحُكمـــاء مــا بِــذاكَ لَبــس
لَهُــم سِياســات وَتَــدبير حسـن
كَالشـّرع عَدلاً في الفُروض وَالسنَن
وَملكهـــم معتضـــد بِــالحكمه
كَــأَنَّهُم قَــد أيـدوا بالعصـمه
لا نَعبــد الأَصــنام وَالأَوثانــا
وَلا نَــرى الظُلـم وَلا العُـدوانا
وَالعَيــش بِــالرزق وَبِالتقـدير
وَلَيــسَ بِــالرَأي وَلا التــدبير
وَقَــد وضــَعنا النـرد لِلمثـال
لَــو فطنــت بَصــائر الرِّجــال
وَمـا قَصـدنا بِالفصـوص اللعبـا
حاشـا لَنـا لَكـن قَصـَدنا الأَدَبا
وَإِنَّمـــا ســمى لعبــاً حيلــه
تَخفـى بِـهِ مـا فيـهِ مِـن فَضيلَه
وَإِنَّمــــا يَعشـــقه الرِّجـــال
لأَنَّـــهُ لَعـــب كَمـــا يُقـــال
وَلَـــو دَروا أَن المُــراد الأَدَبُ
بِوضــعِهِ وَصــُنعِهِ مــا لَعبــوا
فَـــالحَق قَــد تعلمــه ثَقيــل
يأبــــاه إِلا نَفَــــر قَليـــل
وَأَنمـــا أَخفيـــت المَصـــالح
وَمـوه القَـول الشـَّفيق الناصـح
وَدَلَســــتُ بِظـــاهر اللـــذات
كَــم راحــة تَكمــن فــي أَذاة
كَمثلمــــا رَكبـــت الأَلحـــان
وَوضـــعت للحكمـــة العيــدانُ
يَظنهــا الجاهــل لَهـواً وَلَعـب
وَلَــو دَرى بِوضـعِها مـاذا طُلـب
مِـن راحـة الـروح وَبَسـط النفس
وَهزهــــا لطبعهـــا بِـــالأنس
لَـم يَسـتَمع قـط الغنـاء وَنَفـر
عَنــهُ لان الحَـق مـا فيـهِ وَطـر
قــالَ لَـهُ الهنـدي هَـذي حجَـتي
ســَلَكت فيمــا جئتــه مَحجــتي
شــَطرنجنا لمثــل هَــذا وَضـعا
أَول فَــن فـي العُلـوم اِخترعـا
وَفَضـــله بـــاد بِغَيــر ميــن
مـا أَوضـَح الصـُّبح لـذي عَينيـن
وَإِن بُرهـــاني فيـــه ظـــاهِر
وَالحَـــق لا يَــدفعه المكــابِرُ
يَكفيــك مِـن شـاهد مـا ذكرتـه
أَمـــر بِعَينــي هَــذهِ نَظرتــه
أعـــدل قــاض قَلــد العيــانُ
وَلَيـــسَ فَــوقَ حُكمِــهِ بُرهــانُ
إِن الأَميـــر المزيــديَّ صــدقه
بِنَفســـِهِ الفاضــلة الموفقــة
نــالَ العُلا وَســاسَ أَمـر ملكـه
حَتّــى غَـدا منتَظِمـاً فـي سـلكه
وَلَيــسَ شــَيء غَيــره يُســاعده
بَـل كُـل شـَيء في الوَرى يُعانده
الـــوَقت وَالقِــران وَالرِّجــال
وَهـــوَ بِلُطــفِ رَأيــهِ يَحتــال
بِجـــــده وَلطفــــه وَكَــــده
وَحــذقه فــي كَيــدِهِ لا جنــده
فبـــان أَن الأَمــر بِالمحــاله
كَفـــى بِمـــا ذَكَرتــهُ دَلالــه
أَول رَمـز فـي اِعتِبـار الطَّبَقـه
لأَنَّهــــا عِنــــدَهُم محققــــه
لا يَلعَبــنَّ أَبَــداً مَــع مُحســن
مجـــود فــذاكَ فعــل الأَرعــن
كَـــذاكَ لا تُحـــارب القويـــا
مِــن العَــدو إِن تَكُــن ذَكيــا
فَــإِن مــن حـارب مـن لا يَقـوى
بِحَربِــهِ جَــر عَلَيــهِ البَلــوى
وَحـــارب الأَكفــاء وَالأَقرانــا
فَــالمَرء لا يُحــارب السـلطانا
وَإِن مــن رُموزِهــا لَـو يعتـبر
لاعبهـــا بِأَمرِهـــا وَيَفتَكـــر
يـا أَيُّها الإِنسان كُن في الدنيا
كَلاعـب الشـطرنج وانـحُ المَعنـى
محــترِزاً مِــن العَــدو مُحتَـرس
تَنــج وَتَســلم مِـن أَذاه وَتكـس
فَـالحين فـي الأَهـوان وَالتجـوز
وَالحَـزم كُـل الحَـزم في التحرز
وَانتهــز الفُرصــة إِن الفُرصـة
تَعــود إِن لَــم تَنتهزهـا غَصـه
وَاِسـبق إِلـى الأَجـود سـَبق ناقِد
فَســَبقك الخَصــم مِـن المكابـد
كَسـَبق أَهـل الشـام أَصـحاب عَلى
كَيـداً إِلـى ماء الفُرات السلسل
فَلَـم يَـزَل أَهـل العِـراق هيمـا
حَتّـى جَلـوا دُجى الوَغى البَهيما
وَالشــاه لا يخضـر عِنـدَ الشـاه
فَإِنَّهــا مِــن أَعظَــم الـدَّواهي
وَقَـد رَأينـا أَمـس فـي زَمانِنـا
وَحَســبنا المُـدرك فـي عياننـا
لَمــا أَتــى طغرلنــكُ بَغـذاذا
وَلَــم يَجـد مِنـهُ امـرؤ معـاذا
جــاءَ إِلَيــهِ الملــك الرحيـم
مُســــتَقبلاً فَقـــالَ لا تريـــم
واستحضــر الشــطرنج للملاعبـه
إِشــارة مِنــهُ إِلـى المُحـارَبه
حَتّــى إِذا تَوَســطا فـي اللعـبِ
جــاءَ ابـن ميكـال بِـأَمر عجـب
صــافح عَمــداً شــاهه بِشــاهه
للطفــه فـي الكَيـد وَانتِبـاهه
فــرد ذاكَ ابــن بـويه منكـراً
فَلــج طغرلنــك حَتّــى أَكثَــرا
قـــالَ لَـــهُ وَغلــط الرحيــم
وَقَــد لعمــري يَغلــط الحَكيـم
مــا جَـرت العـادة أن الشـاها
يَــدخل بيـتَ الشـاه قـالَ آهـا
فَلــم دخلــت بَيتنــا وَضــحكا
أخطـــأ غــرّ للرســوم تركــا
ثُــمَ أَشــارَ أَن خــذوه فاخــذ
وَقــامَ مِــن بَيـن يَـديهِ وَجبـذ
فَكُــن كَــثير الحفـظ وَالتـوقى
وَســالِكاً فيــهِ ســَبيل الرفـق
وَفتــش الأُمــور عَــن أَسـرارِها
كَـم نكتَـةٍ حتفـك فـي إظهارهـا
لا تشــرهن فَتَأخُــذَن مـا تَرَكـا
وَانظـر لِمـاذا تـرك الـرخ لكا
فَرُبَّمـــا كــانَت لَــهُ مَكيــده
فــي تَركِــهِ عــادته السـديده
انظـر وَفَكـر أَبَـداً في العاقبة
فَإنَّهــا عَــن العُقــول غـائِبَه
لا تشــرهن إِلــى حطــام عاجِـل
كَــم أكلــةٍ أَودَت بِنَفـس الآكـل
وَبِئسـت العـادة فاحذرها الشره
وَقـس بِمـا رَأيتـه مـا لَـم تَره
وَاكـرم الخيـم العَفـاف وَالظلف
وَالأُم الأَخلاق حـــــرص وَصــــلف
وَاحـذر فَكَـم مـن سـَكرة مَسمومه
حــرص النُّفــوس عـادَةٌ مَـذمومه
لا ســِيما مــا كــانَ مِـن عَـدوّ
كَــم صــَبوَة جاءتــكَ مِـن سـلو
لا تَفتـح الدسـت وَلا الحَـرب مَعاً
وَاِقنَـع بسـلم مـا وَجَـدت مقنعا
وَاِدفـع اِسـاءات العِدى بِالحُسنى
وَلا تخــل يُسـراك مثـل اليُمنـى
وَاحفـظ قَليـل المـال وَالكَثيرا
وَاحـرس صـَغير الجُنـد وَالكَبيرا
لا تحقــرن راجِلاً فــي الفَيلَــق
فَرُبَّمـــا غلبتـــه بِالبيـــذق
لا تَعطيــن شـَيئاً بِغَيـر فـائِدَه
فَإِنَّهـا مِـن السـَّجايا الفاسـِدَه
لا تَيأَســـَن مِــن فَــرج وَلُطــف
وَقـــوة تَظهـــر بَعـــدَ ضــَعف
فَرُبَّمــا جــاءكَ بَعــد اليــاس
روح بِلا كَـــــد وَلا التِمــــاس
فَـإِن رَأَيـت النَّصـر قَـد لاحَ لَكا
فَلا تَقصــر وَاحتَــرز أن تهلكـا
وَالبَغـي فَاحـذره وَخيـم المَرتع
وَالعُجـب فَـاتركه شـَديد المَصرَع
عِنـد تَمـام البَـدر يَبـدو نَقصه
ورُبَّمــا ضــر الحَريــص حِرصــه
كَـم بطـرَ الغـالب بَغيـا فَتَـرك
عَنــهُ التـوقي وَاِسـتَهانَ فَهلـك
فرقــع الخــرق بلطـف واجتهـد
وَامكـر إِذا لَم يَنفَع الصدق وَكَد
كَــذاكَ فــي صـَفين كـانَ الأَمـر
لَـم ينـج أَهـل الشام إِلا المَكر
لَمــا رَمـوا بِالصـيلم العَظيـم
وَعَجِــزوا دَعـوا إِلـى التَحكيـم
وَاحـرص لِتَأخـذ بِالخـداع ما له
وَلا تبــــق رجمــــة رِجـــاله
لا تحقـرن مِنهـم صـَغيراً محتقـر
فَرُبَّمــا أَســالَت النفـس الأبـر
أضــعفهُ مـا اِسـتَطَعت أن ضـعفه
يــدني وَإِن طــالَ مَـداه حتفـه
وَأَبــذل لَــهُ نَفــائس الأَمـوال
تَــدفع بِهــا شــَدائد الأَهـوال
فَــالمَرء يفــدي نَفسـه بِـوَفره
عَسـاه أَن يَنجـو بِـهِ مِـن أَسـره
كَـذاكَ فـي الشطرنج يَفدى الشاه
بِغَيــرِهِ مِــن فَـرط مـا يَغشـاه
وَإِن أَتــى فــي جَحفــل عَظيــم
مِــن المَــوالي وَمِــن الصـَّميم
فَــإِن تَكُــن كــثرتهم مجتمعـه
لطمـع فـي النَّهـب قَد جاوا مَعَه
فَاشـغلهم بِـالنهب عَنـهُ واعكـر
عَلَيــهِ وَهــوَ آمــن لَـم يَشـعر
كَــذاكَ قَيــس بــن زُهيـر فعلا
بِـــآل بَــدر إِذ أَتــوه جَحفَلا
لَمــا أَتــى حُذيفــة بـن بَـدر
فــي عَــدَد ســَد فجــاج الـبر
قــالَ الرَّبيــع عِنــدَها لِقَيـس
أَشـــر فَــأَنتَ حُــوَّلٌ ذو كَيــس
فَقــالَ قَيــس ناصـِحاً يـا عَبـس
الحَــق بــاد لَيــسَ فيـهِ لَبـس
مــا فيهــم ذو حَنــق عَلَينــا
وَمــا لَهُــم مِــن بـرةٍ لَـدَينا
بَـل كُـلُّ مَـن جـاءَ لحـرص وَطَمـع
وَلَـو حَـوى شـَيئاً مِن النهب رجع
وَلَــم يُحـارب عَـن بَنـي ذبيـان
مخـــاطراً بِــالنفس وَالحصــان
فخلَّفــوا الأَمــوال وَالأَثقــالا
وَغادَروهـــا لَهُـــم أنفـــالا
فَكــانَ مـا دبَّـر قَيـس وَافـترق
جَيـش الفَـزاري جَميعـاً وَانطلـق
وَجــاءَهُم وَهُــم عَلـى الهبـاءة
فَســاءَ قَيســاً أعظـم المسـاءة
وَرُبَّمـــا ضــرَّك بَعــض مالكــا
وَســاءَكَ المحســن مِـن رِجالكـا
حَتّــى تَــود أنــهُ لَــم يَكُــن
يَــوم رَأَيـت شَخصـه فـي الزَّمَـن
إِن اعتضــاد الشـاه بِـالفرزان
مَوعِظَــة فــي الســر للسـلطان
لِيتَقــي فــي الخَطـب بِـالوَزير
مُفَوضـــاً إِلَيــهِ فــي الأُمــور
وَكُـــل إِنســـان فَلا بُــدَ لَــه
مِــن صــاحب يَحمـل مـا أَثقَلـه
معاضـــد فــي رَأيــهِ وَنصــحه
موافـــق فــي حَربِــهِ وَصــُلحه
وَصـــاحب للســـر ذي كتمـــان
مخـــالص فـــي الســر وَالإعلان
وَالشـاه قَـد يَحمـل فـي الأَحيان
وَحربــــهُ أغيــــظ للأقـــران
وَذاكَ عِنــــدَ شـــدة شـــَديده
وَشــــَوكة وَشــــيكة حَديـــده
سـار ابـن مَـروان لِحَـرب مصـعب
وَقــالَ إن ســارَ ســِواي يغلـب
وَالحَـزم كُل الحَزم في المُطاوَلَة
وَالصـَّبر لا فـي سـُرعة المُزاوَلَة
بِــذاكَ شــَيخ العَــرَب المُهلـبُ
فـي حَربِـه الشـراة كـانَ يغلـب
لا تحــرج الخَصـم فَفـي إحراجِـه
جَميــع مــا تكـره مِـن لجـاجه
إِن عـــدياً إِذ تَعَــدى الحَــدّا
وَجــاءَ فــي قَتــل بَجيــر إِدَّا
واحـــرج الحــرث لاقــى شــرا
وجــر مــن إحراجــه مـا جـرَّا
وَالعقـد كَالخنـدَق فـي التّحصين
وَضـــَربه العَرضـــي كَــالكَمين
فَإِنَّمـــا الرِّجـــال بِــالإخوان
وَاليَـــد بِالســاعد وَالبَنــان
كَـــذَلِكَ الســـُّلطان بِالرِّجــال
وَالمــال لا ملــك بِغَيــر مـال
لا تَطلـــب الغايــة بِاللجــاج
وَكُـــن إِذا كَــوَيت ذا إنضــاج
فَمـا أَتى القائم مِن أَهل اللعب
ذو قُـــوة ظـــاهرة إِلا غلـــب
وَقــل مــا يَلعَــب بِــالقَوائم
إِلا فَــتى بِــالحَرب غَيـر عـالم
فَـــإِنَّهُ بَغــى عَلــى الرِّجــال
وَذاكَ مِـــــن دَقــــائِق الخلال
فَـــالبَغي داء مــا لــه دَواء
لَيـــسَ لملـــك مَعـــهُ بقــاءُ
لا تَغــترر فيهــا بِفَضـل قوتـك
فَرُبَّمـــا وَقَعــت جــوف هوتــك
قَــول زُهَيــر إِذ بَغــى لِخالـد
عَلـى الَّـذي أذكـر مِنـهُ شـاهِدي
إقنــع إِذا حــارَبتَ بِالســلامة
وَاحــذر فعـالاً تـوجب الندامـة
فَــإن رَأَيــت وَجـه غَلـب لائِحـاً
فَكُــن لأَقفــال الدسـوت فاتِحـا
فَالتـاجر الكَيـس فـي التِّجـارة
مَـن خـافَ فـي مَتجـره الخَسـارة
يَجهَــد فــي تَحصـيل رَأس مـاله
ثُــم يَــروم الربـح بِاحتيـاله
وَإِن هُـوَ اِسـتَخفى عَـن المُبارَزَه
فَــأنتَ أَحظـى مِنـهُ بِالمنـاجزه
فَاخــدعه كَــي يَظهــر لِلقــاء
إِن الخِـــداع آيـــة الــدهاء
كَـذلكَ المَنصـور كـادَ اِبنَي حسن
فَظَهَــرا بَعــد اختِفـاء للمحـن
مِـن عقـد الفيـل أَو الفرزانـا
أَو غَيـــرِهِ وَطَلـــب الأَمانـــا
فَكَيـــدُهُ حَتّـــى يَحــل عقــده
مفتتحـــاً بِيَـــده مــا ســَدَّه
هَـذا قَليـل مِـن كَـثير مـا ذكر
بلعـب الشـطرنج فـافهم وَاعتبر
قـالَ لَـهُ صـاحِبه اسـمع وافهـم
فَإِنَّمـــا العُلـــوم بــالتعلم
فـي النـرد أَيضـاً حكمـة عَظيمة
تــدركها الخَــواطر الســليمة
فـي النـاس مـن تسـعده الأَقدار
وَفعلــــه جَميعــــه إِدبـــار
فَلا يَــــزال بِقَبيـــح خُرقِـــة
يُفســـد حــال جَــاهه وَرزقــه
حَتّـــى تَــرى ســعوده نحوســاً
وَيَنثَنــي ذاكَ النَّعيــم بوســا
كمثــل مــن تســعده الفُصــوص
وَفعلــــه مُزيــــف مغمــــوص
كَمـا جَـرى فـي نَوبـة المخلـوع
وَقصـــة الطـــائع وَالمُطيـــع
وَمِنهُــــم بِعكســـه اللـــبيب
الجاهـــد الموفـــق الأَديـــب
إِن كــاده الـدَّهر بِسـوء عنفـه
قابــل بَلــواه بِحُســن لطفــهِ
فَنـــالَ بـــالرفق وَبِالتَــأَني
مـا لَـم يَنَـل بـالحرص وَالتعني
فَيَغتَـدي وَهـوَ الفَقيـر ذا نَشـب
وَعقلــه وَلُطفــه كــانَ السـَّبب
فَلا يَــبين ســوء فعــل دَهــره
عَلَيــهِ مِـن تَـدبيره فـي أَمـره
مثــل عَليــل يَلــزم الــدواء
فَيَقهــــر الأَمــــراض وَالأَدواء
فَــذاكَ مثــل مَـن يَجـور الفـصُّ
عَليـــهِ فَهــوَ بِــالأَذى مُختَــص
وَهــوَ بِحُسـن اللعـب وَالتَـدبير
يَســد خــرق الفَــص بِالتقـدير
يَصــلح إِفســاد الفُصـوص حـذقه
وَيَرقــع الخـرق العَظيـم رفقـه
كَــذَلِكَ المَــأمون فـي تَـدبيره
نـالَ المُنى في البُعد مِن سَريره
وَمِنهُــم مَــن يَجمَــع الحـالين
فَيَغتَــدي وَهــوَ ســَخين العَيـن
مثــل بَنـي بـويه لَمـا اِنقَضـَت
أَيـامهُم مـا اِصـطَلَحوا حَتى مَضَت
فَمثــل ذاكَ الجاهــل المَجـدود
وَعَكــس ذاكَ العاقــل المَحـدودُ
كمحســـن فــي نَقلِــهِ وَضــَربِهِ
مثـــل معيـــن جَـــدِّهِ بلبــه
مثـل ابـن مَنصـور وَلا مثـل لَـهُ
فَلا تشــبه مَجــده يــا أَبلَــه
أَورثــه المَجــد دَبيــس جــده
ثُــم أَعــانَ الإرث مِنــهُ جــده
فَقــالَ سـَيف الدَّولـة المَسـعود
كَـــأَنَّهُ فـــي قَــومِهِ مَعبــود
بِرَأيــــهِ وَجــــوده وَبَأســـِه
وَحكمــــه وَرفقــــه بِناســـه
يَرتَبـــط الدَولــة وَالســَعادة
وَيَقتَضـــي بِشــُكرِها الزِيــادة
فَهَـــذِهِ فيــهِ رُمــوز أَربَعــه
فَاغتــاظَ مِنـهُ خَصـمهُ إِذ سـَمِعَه
فَقــالَ أَيضــاً وَهـوَ غَيـر آفـك
فـي قَـولِهِ وَالصـدق دين الناسك
فـي مَـدحِهِ النـرد وَفيـهِ حكمـة
أُخـرى لِمَـن كـانَ بَعيـد الهمـة
لأنهــم حَكـوا بِـهِ أَمـر الفلـك
وَالجارِيات الزهر في ذات الحبك
يَطلـــب بَعضـــاً فَيَنـــال كلا
كَـــم مكــثر عــادَ بِــهِ مقلا
فَبَعضــهُم يَــأنيه مــا يُريــد
فمثلــه فــي أَمــرِهِ الســعيد
وَبَعضــهُم يَـأتيه ضـد مـا رَجـا
فَيَغتَــدي مِنهـا مُغيظـاً مُحرجـا
وَبَعضــهُم فــي مَوضــع مُستأسـر
كَـــــأَنَّه معتقــــل محيــــر
فُهــوَ أَســير فـي يَـدَيها عـان
مُحتَــرق القَلــب لَمــا يُعـاني
وَكُلمــــا عاتبهـــا وَســـَبها
غَيظــاً عصــته وَأطــاعت رَبهـا
كَــذاكَ مَــن يُنكــر حُكـم رَبـه
وَلا يَكـــون راضـــِياً بِكســـبه
وآخـــذاً مـــا جــاءهُ بِشــُكر
فَقَــد أَتــى فــي فعلـه بنكـر
قــالَ لَـهُ الهنـدي وَهـوَ صـادق
لَكــن لَنـا فَضـل عَلَيكُـم سـابق
تَصـــنيفنا كَليلـــة وَدمنـــة
يقضــي لَنــا بحكمــة وَفطنــة
كَــم فيــهِ مِــن مَوعظَـةٍ وَعلـم
وَحكمــة تعجــب أَهــل الفهــم
قــالَ لَــهُ الفرسـيُّ فـي سـِواه
لَــو كُنـت ذا علـم بِـه معنـاه
قــال وَمــا رَأَيتـهُ قـالَ أَجَـل
ذاكَ لِنَقــص فيــك لَيـسَ يحتمـل
لَيــسَ يضــر البَـدر فـي سـَناه
أَنَّ الضـــَرير قَـــط لا يـــراه
كَـم حكمـة ضـَجت بِهـا المَحافـل
مَليحــة وَأنــتَ عَنهــا غافــل
ســَمعت بِــاللَّه حَـديث الناسـك
إِذ راعَــهُ اللَّيــل بلـص فاتـك
فَقـال لـم أسـمعه فـاذكر أسمع
لا تَنفَــع الأَخبـار إِلا مَـن يَعـي
أبو يعلى نظام الدين البغدادي ابن الهبَّارية: شاعرٌ هجّاء من شعراء quotخريدة القصرquot ويقال في كنيته أبو العلاءترجم له ابن خلكان قال:ابن الهبارية الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله ابن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي المعروف بابن الهبارية الملقب نظام الدين البغدادي الشاعر المشهور؛ كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لايكاد يسلم من لسانه أحد. وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن. حكي عنه أنّه هجا بالأجرة النّظام، فأمر بقتله، فشفع فيه جمال الإسلام محمّد بن ثابت الخُجَنْدِيّ، وكان من كِبار العلماء، فقبِل شفاعته، فقام يُنشد نظام الملك، يومَ عفوِه عنه، قصيدةً، قال في مطلعها:بعزّةِ أمرِك دارَ الفلَكْ حَنانَيْك، فالخَلْقُ والأمرُ لكْفقال النّظام: كذبت، ذاك هو الله عزّ وجلّ، وتمّم إنشادها.ثم أقام مدّة بأصفهان. وخرج الى كرْمان، وأقام بها الى آخر عمره. مات بعد مدّة طويلة.وذُكر أنّه توفّي في سنة أربع وخمس مئة.وترجم له الإمام الذهبي في التاريخ فقال بعدما سماه: والهبارية هي من جداته، وهي من ذرية هبار بن الأسود بن المطلب. (1)قرأ الأدب ببغداد، وخالط العلماء، وسمع الحديث، ومدح الوزراء والأكابر.وله معرفة بالأنساب، وصنف كتاب الصادح والباغم والحازم والعازم، نظمه لسيف الدولة صدقة بن منصور، وضمنه حكماً وأمثالاً، ونظم كليلة ودمنة. وله كتاب مجانين العقلاء، وغير ذلك. وله كتاب ذكر الذكر وفضل الشعر. وقد بالغ في الهجو حتى هجا أباه وأمه. وشعره كثير سائر، فمنه قصيدة شهيرة: أولها: (حي على خير العمل=على الغزال والغزل)قال الأرجاني: سألت ابن الهبارية عن مولده، فقال: سنة أربع عشرة وأربعمائة.وقال أبو المكارم يعيش بن الفضل الكرماني الكاتب: مات بكرمان في جمادى الآخرة سنةتسع وخمسمائة. ا.هـقال الزركلي: من كتبه (الصادح والباغم-ط) أراجيز في ألفي بيت على أسلوب كليلة ودمنة، و(نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة - ط)، و(فلك المعاني)، و(ديوان شعر) أربعة أجزاء..