
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
حَـــدثني شــَيخ مِــن الأَعــراب
أعرفــه بِالصــدق فـي الخِطـاب
قـــالَ خَرَجـــت رائِداً لأَهلـــي
وَكــانَ ذاكَ العــام عـام محـل
فســرت مِــن يـبرين نصـف ميـل
ثَـــم ضـــَللت لَقَــم الســَّبيل
وَكُنـــت إِذ ذاكَ غُلامــاً يفعــه
لَكــن قــواي كُلهــا مُجتَمعــه
قَلــبي جَميــع وَجِنــاني حاضـر
مـاض عَلـى الهَـول جَسـور شـاطر
فَعِنــدَما أَيقنــت إِنــي جـائر
عَــن مَقصــد قُمـت كـأنِّي حـائِر
استرشـــد الرِّيــاح وَالنُّجــوم
قَــد ســترتها دونــي الغُيـوم
فَلاحَ لـــي شــَخص قَريــب مِنــي
فــارتَعت مِــن ذاكَ وَسـاءَ ظَنـي
وَخلتــه الغــول فَجاشـَت نَفسـي
لأنَّهـــا لَـــم تَــكُ أَرض إِنــس
حَتَّـى إِذا مـا اشـتد مِنـهُ خَوفي
عَلقــت نَضــوى وَجــذبت ســَيفي
فَبــانَ لــي إِذ لمــع الحُسـام
وَاِنجــــاب مِــــن لألائه الظَّلام
تَخـــل واثــل فَقَصــَدت قَصــدَه
وَقُلــت أمســي وَأَبيــت عِنــدَه
حَتَّــى إِذا مــا جِئتــه وَجَـدته
يَهفــو عَلــى رَوض كَمـا أردتـه
عُيـــون مــاء وَرِيــاض أشــبة
تَســمَع لِلطيــور فيهــا جلبـة
فَقُلـــت هَـــذا مَنــزل أنيــق
وَإِنَّــــهُ بِنجعــــتي خَليــــق
ثُــم عَلقــت نـاقَتي فـي شـَجرة
وَنلـت مِـن بَعـض النخيـل ثَمَـرة
ثُـــم صـــَعدت نَخلــة لاهجعــا
فــي رَأسـِها مِـن الأَذى مُمتنِعـا
وَاِنقَشـَع السـحاب عَن وَجه القَمَر
وَبـانَ لـي مـا كـانَ يخفى وَظَهر
فَجـــاءَ بــبر وَهزبــرُ وَنمــر
وَالـوَحش وَالطَّيـر جَميعـاً تبتدر
وَجـــاءَت الأَنعــام وَالبَهــائم
وَالهــام وَالطُّيــور وِالأَراقــم
وَالحَشـــَرات جلهـــا وَدَقهـــا
مفتنــة فــي خُلقِهــا وَخَلقِهـا
وَارتفــع العَنقـاء فَـوقَ دلبـة
وَهـوَ أَميـر الطَّير يَبغي الخطبة
فَقــالَ حَمــد اللَّـه خَيـر نَطـق
وَشـــكره فَــرض مُــبين الحَــق
الحَمــد لِلَّــه عَلـى مـا خَصـَّني
بِـه مِـن الخلـق البَـديع الحَسَن
أَفرَدنــي مِــن لُطفِــه وَحكمتـه
بِصــــورة شـــاهِدة بِقـــدرته
حَتَّــى لَقَــد كَـذَب بـي الطَّغـام
وَشـــك فـــي وجــودي الأَنــام
لأَنَّهُـــم خَصــوا بِضــَعف وَصــغر
فَحَســِبوا مِثلهــم كُــل الصـُّور
وَأَنكَــروا مــا خَـرَق العـادات
فَكَـــذَبوا روايـــة الـــرواة
فَـإِن يَكُـن دينهُـم التَّكـذيب بي
فَلَيــسَ هَــذا مِنهُــم بِــالعَجَب
فَــإِنَّهُم قَــد كَـذبوا بِالصـانع
وَأَنكــروا البَعـث لِيَـوم جـامع
لجهلهـــم وَالجَهـــل شرشــيمة
جـاءَت مَـع النـاس مِـن المَشيمة
كَـــذاكَ تَكـــذيبهُم لجهلِهـــم
وَخُبثِهـــم وَنقصـــِهم وَبُخلِهــم
بِمـا يَـرى مِـن جـود كَفـي صدقه
وَنَفســـه الفاضــلة المــوفقه
إِذ لَم يَكونوا شاهدوا مِن البَشر
بَعـض الَّـذي بِـه لَقَد شاعَ الخَبَر
وَهُــم عَبيــد الحــس وَالعَيـان
وَخصـــماء العَقــل وَالبرهــان
لا يَقبَلـون شـاهِداً غَيـر النَّظَـر
وَلا يطيعــون العُقــول وَالفكـر
وَمِنهُــم مَــن يَجحَــد المَلائِكـة
وَالجـن أَيضـاً وَالأُمـور الشابِكة
كَـذاكَ لَـو لَـم يَنظُـروا السَّماء
لأَنكَـــروا النُّجــوم وَالأَنــواء
ســَقف رَفيــع فَــوقَهُم بِلا عَمَـد
مــا فيــهِ أَمـت شـائن وَلا أَود
وَخَيمـــة لَيــسَ لَهــا أَطنــاب
يَعجَــز عَــن أَوصـافِها الإطنـاب
وَكَــوكَب يَنظُــر فــي كُـلِّ بَلَـد
كَـــأَنَّه مَســـامت كُـــل أَحَــد
لَـو فَكـروا في جرم ذاكَ الكَوكَب
حَتّـــى يَــرى بِمشــرق وَمَغــرب
فـــي حالـــة وَاحــدة كَــأَنَّهُ
فَوقَــك أَو عَلَيــك مِنــهُ جنــه
وَالأَرض فيهــا عــبرة للمعتـبر
تخــبر عَـن صـُنع مَليـك مُقتـدر
تُســقى بِمــاء واحـد أَشـجارها
وَنبعــــة واحِـــدَة قرارهـــا
وَالشـَّمس وَالهَـواء لَيـسَ تَختَلـف
وَأُكلُهـــا مُختلِـــفٌ لا يَــأتَلِف
لَــو أَن ذا مِـن عَمـل الطَّبـائع
أَو أَنَّــهُ صــَنعة غَيــر صــانع
لَـم يَختَلـف وَكـانَ شـَيئاً وَاحِداً
هَــل يُشــبِه الأَولاد إِلا الوالـد
لَــو طبــخ الطَّبـاخ أَلـف قـدر
بِالمــاء وَاللَّحــمِ وَحُـب الـبر
مــا جـاءهُ مِـن بَعضـِها سـِكباج
وَلا قَلِيــــــاتٌ وَشــــــورباج
بَــل كُلهــا هَريسـة إِذ أَصـلها
مُتفــق لَــم يَتَفــاوَت أَكلهــا
الشــمس وَالهَــواء يـا مُعانـد
وَالمــاء وَالتُـراب شـَيء واحـد
فَمـا الَّـذي أَوجَـب ذا التفاضلا
إِلا حَكيــم لَــم يَــرده بـاطِلا
وَزَعَمــوا أن النُّجــوم صــانِعه
وَأنَّهــــا ضـــائِرة وَنـــافِعه
فــي ســاعَة يولَــد ألـف ألـفِ
وَحــالهم نِهايــة فــي الخلـف
فَواحِـــد يَمــوت فــي مَكــانه
وَواحِــد يَعيــش فــي أَقرانــه
وَواحِـــد ذو ثَـــروة تَطغيـــه
وَواحــــد شــــبعته تَكفيـــه
وَواحِـــد بـــرّ عَليــم ناســك
وَواحِـــد غُـــرّ جَهــول فاتِــك
وَواحِــد عَبــد ذَليــل مُضــطَهد
وَواحــد ملــك عَظيــم معتمــد
تخـــالف لَيـــسَ لَــهُ نِهــايه
فــي بَعضــِهِ مِــن كُلـهِ كِفـايَه
لَـو كـانَ هَـذا صـَنعة الطَّبـائع
لاتفقـوا فـي الحـال وَالصـَّنائع
بَـل هـوَ مِـن فعـل حَكيـم قـادر
وَخـــالِق للعـــالمين فـــاطِر
وَبَعضــهم يَقتــل بَعضــاً ظُلمـا
وَلا يَخـــاف حَرجـــاً أَو إِثمــا
تَراهُـم تَحـتَ البُـرود الضـافية
كَـأَنَّهُم طلـس الـذِّئاب الضـارِية
يَســعون بِالغيبــة وَالنَّميمــة
وَيخلقـــون الفِتَــن العَظيمــة
حِرصـاً عَلى الدُنيا الَّتي لا تَبقى
وَاللَّـهُ ما في الخَلق مِنهُم أَشقى
وَيَــدعونَ أنَّهُــم خَيــر الأُمــم
وَأَنَّهُـــم ذوو عقـــول وَحِكَـــم
وَأنَّهُـــم أَخَــص بِــاللَّه مَعــاً
مِــن غَيرِهـم فَظـالم مَـن ادعـا
هَيهـات مـا أَجـدرَهم مِـن رَبِهـم
بِصــَرفهم عَــن بــابِهِ وَحجبهـم
لأَنَّهُــم مــا يَفعَلـونَ مـا حتـم
وَلَيــسَ يَرضــون بِكُـل مـا حكـم
يُخــــالِفونَ حُكمـــه وَأَمـــره
وَيــــأمَنونَ بَطشـــه وَمكـــره
قَــد ضـمن الـرزق لَهُـم وَقـالا
كَفَيتُـــم فَأحســنوا الأَعمــالا
فَســَألوا مِـن غَيـرهِ مـا ضـمنه
وَضــيعوا وَمــا أَتــوا بِحسـنه
إِن رُزِقـوا مـالا كَـثيراً بَطـروا
أَو حرمـــوه ســَخطوا وَفجــروا
يَـــدَّخِرون وَالشـــقي المُــدخر
مــا فيهُــم ذو فطنـة فَيعتَـبر
بِمَـن مَضـى مِـن قَبلهـم مِن الأُمم
كَيـفَ مَضـوا وَخَلفـوا هَذي النِّعَم
فَلَيتَنــي أَبصــَرت فيهِــم رجلا
حـبراً ألـد فـي الخِصـام جَـدَلا
يَعتمـد الإنصـاف فـي المُجادلـة
لا يَقصــد اللجــاج وَالمماحلـة
فَــإِن مــن مَقصــودِه العِنــاد
كَالجمـــل المصــعب لا يَنقــاد
وَلَــو رَأى لِلخَصــم كُــل آيــه
مـــا زادَهُ ذاكَ ســِوى غــوايه
فَــإِنَّهُم قَــد شــاهَدوا آيــات
لرســــل الرَّحمـــن مُعجِـــزات
فَلــم يزدهــم ذاكَ غَيــر كُفـر
وَعَمـــه عَـــن الهُــدى وَخســر
إِذ لَم يَكُن في عَزمِهِم أَن يُؤمِنوا
قَــد عَلِمـوا بِكُفرِهـم وَأَيقَنـوا
أَســـأَلهم وَلا يَقولــوا مينــا
بِـــأَي شــَيء فضــلوا عَلَينــا
وَنَحـــنُ لا نُشــرك بِــاللَّه وَلا
نَقنَــط مِــن رَحمَتِـهِ إِذ نَبتَلـي
أذكــر مِـن عُيـوبهم مـا أذكـر
وَإِنَّنــي مِــن ذِكرهــم اسـتغفر
فَقــالَت الطيــور مثــل قَـولِه
وَضــَجت الــوَحش بـه مِـن حَـولِه
وَقـــالَت الأَنعـــام وَالســباع
لَقَــد أَصــابَ الملــك المُطـاع
فَقــال لــي الشـيخ فَـأدرَكتَني
حميــــة الطَّبـــع وَحركتنـــي
وَســـاءَ فــي مَقــاله وَشــفني
وَهَزنـــي لِلقَـــول وَاســتخفني
ثُــم هَمَمــت بِــالجَواب ناصـِراً
جنسـي فَقَـد ألزَمنـا المعـايرا
ثُـــم ذَكَـــرت أَنَّنـــي وَحَيــد
بِينَهُــــم وَأَنَّهُــــم عَديــــد
فَقُلــت حفــظ النَفـس أَولا قُصـِد
وَبَعـــد ذاكَ للفَخــار أَجتهــد
وَإِن أَضــَعت مُهجَــتي لَـم أَحفَـظ
عرضــي وَكَيــف بعــدَها تيقظـي
وَكُنـتُ مثـل مَـن أَضـاعَ المـالا
لِطَلَــب الربــح فَقَــد أَحــالا
أبو يعلى نظام الدين البغدادي ابن الهبَّارية: شاعرٌ هجّاء من شعراء quotخريدة القصرquot ويقال في كنيته أبو العلاءترجم له ابن خلكان قال:ابن الهبارية الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح بن حمزة بن عيسى بن محمد بن عبد الله ابن داود بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي المعروف بابن الهبارية الملقب نظام الدين البغدادي الشاعر المشهور؛ كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد، لكنه كان خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لايكاد يسلم من لسانه أحد. وذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: من شعراء نظام الملك، غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف، وسبك في قالب ابن حجاج وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة، والنظيف من شعره في غاية الحسن. حكي عنه أنّه هجا بالأجرة النّظام، فأمر بقتله، فشفع فيه جمال الإسلام محمّد بن ثابت الخُجَنْدِيّ، وكان من كِبار العلماء، فقبِل شفاعته، فقام يُنشد نظام الملك، يومَ عفوِه عنه، قصيدةً، قال في مطلعها:بعزّةِ أمرِك دارَ الفلَكْ حَنانَيْك، فالخَلْقُ والأمرُ لكْفقال النّظام: كذبت، ذاك هو الله عزّ وجلّ، وتمّم إنشادها.ثم أقام مدّة بأصفهان. وخرج الى كرْمان، وأقام بها الى آخر عمره. مات بعد مدّة طويلة.وذُكر أنّه توفّي في سنة أربع وخمس مئة.وترجم له الإمام الذهبي في التاريخ فقال بعدما سماه: والهبارية هي من جداته، وهي من ذرية هبار بن الأسود بن المطلب. (1)قرأ الأدب ببغداد، وخالط العلماء، وسمع الحديث، ومدح الوزراء والأكابر.وله معرفة بالأنساب، وصنف كتاب الصادح والباغم والحازم والعازم، نظمه لسيف الدولة صدقة بن منصور، وضمنه حكماً وأمثالاً، ونظم كليلة ودمنة. وله كتاب مجانين العقلاء، وغير ذلك. وله كتاب ذكر الذكر وفضل الشعر. وقد بالغ في الهجو حتى هجا أباه وأمه. وشعره كثير سائر، فمنه قصيدة شهيرة: أولها: (حي على خير العمل=على الغزال والغزل)قال الأرجاني: سألت ابن الهبارية عن مولده، فقال: سنة أربع عشرة وأربعمائة.وقال أبو المكارم يعيش بن الفضل الكرماني الكاتب: مات بكرمان في جمادى الآخرة سنةتسع وخمسمائة. ا.هـقال الزركلي: من كتبه (الصادح والباغم-ط) أراجيز في ألفي بيت على أسلوب كليلة ودمنة، و(نتائج الفطنة في نظم كليلة ودمنة - ط)، و(فلك المعاني)، و(ديوان شعر) أربعة أجزاء..