
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
أمِــنْ تَــذَكُّرِ جِيــران بِــذِي سـَلَمٍ
مَزَجْـتَ دَمْعـاً جَـرَى مِـنْ مُقْلَـةٍ بِـدَمِ
أمْ هَبَّـتْ الريـحُ مِـنْ تِلْقـاءِ كاظِمَةٍ
وأوْمَـضَ البَـرْقُ فِي الظلْماءِ مِنْ إضَمِ
فمـا لِعَيْنَيْـكَ إنْ قُلْـتَ اكْفُفاهَمَتـا
وَمـا لِقَلْبِـكَ إنْ قُلْـتَ اسـْتَفِقْ يَهِـمِ
أَيَحْســَبُ الصــَّبُّ أنَّ الحُــبَّ مُنْكتِـمٌ
مــا بَيْــنَ مُنْســَجِمٍ منـهُ ومُضـْطَرِمِ
لـولاَ الهَـوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ
ولا أَرِقْــتَ لِــذِكِرِ البَـانِ والعَلَـمِ
فكيـفَ تُنْكِـرُ حُبّـاً بعـدَ مـا شـَهِدَتْ
بــهِ عليـكَ عـدولُ الـدَّمْعِ وَالسـَّقَمِ
وَأَثْبَــتَ الوجِـدُ خَطَّـيْ عَبْـرَةِ وضـَنىً
مِثْـلَ البَهـارِ عَلَـى خَـدَّيْكَ وَالعَنَـمِ
نَعَـمْ سـَرَى طَيـفُ مَـنْ أهـوَى فَأَرَّقَنِي
والحُــبُّ يَعْتَــرِضُ اللَّــذاتِ بـالألَمِ
يـا لائِمِـي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً
مِنِّـي إليـكَ ولـو أَنْصـَفْتَ لَـمْ تَلُـمِ
عَـــدَتْكَ حــالِي لا ســِرِّي بِمُســْتَتِرٍ
عَـــنِ الوُشــاةِ وَلا دائي بِمُنْحَســِمِ
مَحَّضـْتَنِي النُّصـْحَ لكِـنْ لَسـْتُ أَسـْمَعُهُ
إنَّ المُحِــبِّ عَـنْ العُـذَّالِ فـي صـَمَمِ
إنِّـي اتهَمْـتُ نَصـِيحَ الشـَّيْبِ في عَذَلٍ
والشـِّيْبُ أَبْعَـدُ فـي نُصـِحٍ عَنْ التُّهَمِ
فـإنَّ أمَّـارَتِي بالسـُّوءِ مـا اتَّعَظَـتْ
مِـنْ جَهْلِهَـا بنـذيرِ الشـِّيْبِ وَالهَرَمِ
ولا أَعَـدَّتْ مِـنَ الفِعْـلِ الجَمِيـلِ قِرَى
ضــَيفٍ ألــمَّ بِرَأْســِي غيـرَ مُحْتَشـِمِ
مَـنْ لِـي بِـرَدِّ جِمـاحٍ مِـنْ غَوايَتِهـا
كمــا يُـرَدُّ جِمـاحُ الخَيْـلِ بـاللُّجُمِ
فلا تَــرُمْ بالمعاصـِي كَسـْرَ شـَهْوَتِها
إنَّ الطعــامَ يُقَــوِّي شـَهْوَةَ النَّهِـمِ
والنَّفْـسُ كالطِّفْـلُ إنْ تُهْمِلُهُ شَبَّ عَلَى
حُــبِّ الرِّضــاعِ وإنْ تَفْطِمْـهُ يَنْفَطِـمِ
فاصــْرِفْ هَواهـا وَحـاذِرْ أنْ تُـوَلِّيَهُ
إنَّ الهَـوَى مـا تَـوَلَّى يُصـْمِ أَوْ يَصِمِ
وَراعِهـا وهِـيَ فـي الأعمـالِ سـائِمَةٌ
وإنْ هِـيَ اسـْتَحَلَتِ المَرعَـى فلا تُسـِمِ
كَــمْ حَســَّنَتْ لَــذَّةًً لِلْمَـرْءِ قاتِلَـةً
مِـنْ حَيْثُ لَمْ يّدْرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ
وَاخْـشَ الدَّسـائِسَ مِـنْ جُـوعٍ وَمِنْ شَبَعٍ
قَــرَبَّ مَخْمَصــَةٍ شــَرٌّ مِــنَ التُّخَــمِ
واسـْتَفْرِغِ الـدَّمْعَ مِنْ عَيْنٍ قد امْتَلأَتْ
مِـنَ المَحـارِمِ وَالْـزَمْ حِمْيَـةَ النَّدَمِ
وخـالِفِ النُّفْـسَ والشـَّيْطَانَ واعْصِهِمِا
وإنْ هُمَــا مَحَّضــَاكَ النُّصـْحَ فـاتَّهِمِ
وَلا تُطِــعْ منهمــا خَصـْماً وَلا حَكَمـاً
فـأَنْتَ تَعْـرِفُ كَيْـدَ الخَصـْمِ والحَكَـمِ
أســْتَغْفِرُ اللـهَ مِـنْ قَـوْلٍ بِلاَ عَمَـلٍ
لقــد نَســَبْتُ بـه نَسـْلاً لِـذِي عُقُـمِ
أمَرْتُـكَ الخَيْـرَ لكـنْ ما ائْتَمَرْتُ به
ومـا اسـْتَقَمْتُ فمـا قَوْلِي لَكَ اسْتَقِمِ
ولا تَــزَوَّدْتُ قبــلَ المَــوْتِ نافِلـةً
ولَــمْ أُصــَلِّ سـِوَى فَـرْضٍ ولَـمْ أَصـُمِ
ظَلَمْـتُ سـُنَّةَ مَـنْ أَحْيـا الظَّلامَ إلَـى
أنِ اشــْتَكَت قَـدَماهُ الضـُّرَّ مِـنْ وَرَمِ
وشــدَّ مِــنْ ســَغَبٍ أحشــاءهُ وَطَـوَى
تَحْــتَ الحِجَـارَةِ كَشـْحَاً مُتْـرَفَ الأَدَمِ
وَرَاوَدَتْــهُ الجِـالُ الشـُّمُّ مِـنْ ذَهـبٍ
عَــنْ نَفْســِهِ فأراهــا أيُّمـا شـَمَمِ
وَأَكَّـــدَتْ زُهْــدَهُ فيهــا ضــرُورَتُهُ
إنَّ الضـَّرُورَة لا تَعْـدُو علـى العِصـَمِ
وَكَيْـفَ تَـدْعُو إلَى الدُّنيا ضَرُورُةُ مَنْ
لـولاهُ لَـمْ تُخْـرِجِ الدُّنيا مِنَ العَدَمِ
مُحَمَّــدُ ســَيِّدَ الكَـوْنَيْنِ والثَّقَلَيْـنِ
والفَرِيقَيْــنِ مِــنْ عُـرْبٍ ومِـنْ عَجَـمِ
نَبِيُّنَــا الآمِــرُ النَّــاهِي فلاَ أَحَـدٌ
أبَّــرَّ فِــي قَــوْلِ لا مِنْـهُ وَلا نَعَـمِ
هُـوَ الحَـبيبُ الـذي تُرْجَـى شـَفَاعَتُهُ
لِكــلِّ هَــوْلٍ مِــنَ الأهـوالِ مُقْتَحَـمِ
دَعـا إلـى اللـهِ فالمُسْتَمْسـِكُونَ بِهِ
مُسْتَمْســِكُونَ بِحَبْــلٍ غيــرِ مُنْفَصــِمِ
فـاقَ النَّبِيِّيـنَ فـي خَلْـقٍ وفـي خُلُقٍ
وَلَــمْ يُــدانُوهُ فـي عِلْـمٍ وَلا كَـرَمِ
وَكلُّهُــمْ مِــنْ رَسـُولِ اللـهِ مُلْتَمِـسٌ
غَرْفـاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ
ووَاقِفُـــونَ لَـــدَيْهِ عنــدَ حَــدِّهِمِ
مِـنْ نُقْطَة العِلْمِ أَوْ مِنْ شَكْلَةِ الحِكَمِ
فهْــوَ الــذي تَـمَّ معنـاهُ وصـُورَتُه
ثـمَّ اصـْطَفَاهُ حَبيبـاً بـارِىءُ النَّسَمِ
مُنَــزَّهٌ عَــنْ شــَرِيكٍ فــي محاسـِنِهِ
فَجَــوْهَرُ الحُسـْنِ فيـه غيـرُ مُنْقَسـِمِ
دَعْ مـا ادَّعَتْـهُ النَّصـارَى في نَبيِّهِمِ
وَاحْكُـمْ بمـا شْئْتَ مَدْحاً فيهِ واحْتَكِمِ
وانْسـُبْ إلـى ذانـه ما شئْتَ مِنْ شَرَفٍ
وَانْسـُبْ إلـى قَـدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فــإنَّ فَضـْلَ رسـولِ اللـه ليـسَ لـهُ
حَــدُّ فيُعْــرِبَ عنــه نــاطِقٌ بِفَــمِ
لــو ناســَبَتْ قَـدْرَهُ آيـاتُهُ عِظَمـاً
أحْيـا اسـمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ
لَـمْ يَمْتَحِنَّـا بمـا تعْمل العُقولُ بِهِ
حِرْصــاً علينــا فلــمْ ولَــمْ نَهَـمِ
أعْيـا الـوَرَى فَهْمُ معْناهُ فليس يُرَى
فـي القُـرْبِ والبُعْدِ فيهِ غيرُ مُنْفَحِمِ
كالشـِّمْسِ تَظْهَـرُ لِلْعَيْنيـنِ مِـنْ بُعُـدٍ
صــَغِيرةً وَتُكِــلُّ الطَّــرْفَ مِـنْ أُمَـمِ
وَكيـفَ يُـدْرِكُ فـي الـدُّنيا حَقِيقَتَـهُ
قَــوْمٌ نِيَـامٌ تَسـَلَّوْا عنـهُ بـالحُلُمِ
فمبْلَــغُ العِلْــمِ فيــهِ أنـهُ بَشـَرٌ
وأنــهُ خَيــرُ خَلْــقِ اللــهِ كلِّهِـمِ
وَكـلُّ آيٍ أتَـى الرُّسـْلُ الكِـرامُ بها
فإنمــا اتَّصــَلَتْ مِــنْ نُـورِهِ بهِـمِ
فــإنَّه شــّمْسُ فَضــْلٍ هُـمْ كَواكِبُهـا
يُظْهِـرْنَ أَنْوَارَهـا للنـاسِ في الظُّلَمِ
أكْــرِمْ بِخَلْــقِ نَبِــيٍّ زَانَــهُ خُلُـقٌ
بالحُســْنِ مُشــْتَمِلٍ بِالبِشــْرِ مُتَّسـِمِ
كـالزَّهْرِ فـي تَـرَفٍ والبَـدْرٍ في شَرَفٍ
والبَحْـر فـي كَـرَمٍ والـدَّهْرِ في هَمَمِ
كــأَنَّهُ وَهْــوَ فَــرْدٌ مِــنْ جلالَتِــهِ
فـي عَسـْكَرٍ حيـنَ تَلْقَـاهُ وفـي حَشـَمٍ
كَأنَّمـا اللُّؤلُـؤُ المَكْنُـونُ فـي صَدَفٍ
مِــنْ مَعْــدَنَيْ مَنْطِـقٍ منـهُ ومَبْتَسـَمِ
لا طِيــبَ يَعْــدِلُ تُرْبـاً ضـّمَّ أَعظُمَـهُ
طُـــوبَى لِمُنْتَشــِقٍ منــهُ وَمُلْتَثِــمِ
أبــانَ مَوْلِــدُهُ عَــنْ طِيــبِ عُنْصـُرِِ
يــا طِيــبَ مُبْتَــدَإٍ منـه ومُخْتَتَـمِ
يَــوْمٌ تَفَــرَّسَ فيــه الفُـرْسُ أنَّهـمُ
قـد أُنْـذِرُوا بِحُلـولِ البُؤْسِ والنَقَمِ
وبــاتَ إيـوانُ كِسـْرَى وَهْـوَ مُنْصـَدِعٌ
كَشــَمْلِ أَصــْحَابِ كِسـْرَى غَيْـرَ مُلْتَئِمِ
والنَّـارُ خامِـدَةُ الأنفـاسِ مِـنْ أَسـَفٍ
عليـهِ والنَّهْـرُ ساهي العَيْنِ مِنْ سَدَمِ
وســاءَ ســاوَةَ أنْ غاضـَتْ بُحَيْرَتُهـا
ورُدَّ وارِدُهــا بــالغَيْظِ حيـنَ ظَمِـي
كـأنَّ بالنـارِ مـا بالمـاءِ مِنْ بَلَلٍ
حُزْنـاً وَبالمـاءِ ما بالنَّارِ مِنْ ضَرَمِ
والجِــنُّ تَهْتِــفُ وَالأَنْــوارُ سـاطِعَةٌ
وَالحَـقُّ يَظْهَـرُ مِـنْ مَعْنَـى ومِـنْ كَلِمِ
عَمُـوا وَصـَمُّوا فـإعْلانُ البَشـائِرِ لَمْ
تُســْمَعْ وَبارِقَـةُ الإِنْـذَارِ لَـمْ تُشـَمِ
مِـنْ بَعْـدِ مـا أَخْبَرَ الأقْوامَ كاهِنُهُمْ
بــأنَّ دينَهُــمُ المُعْــوَجَّ لَـمْ يَقُـمِ
وبَعْـدَ مـا عايَنُوا في الأُفْقِ مِنْ شُهُبٍ
مَنْقَضـَّةِ وفْـقَ مـا فـي الأرْضِ مِنْ صَنَمِ
حَـتى غـدا عَـنْ طَرِيـقِ الوَحْيِ مُنْهَزِمٌ
مـن الشـياطِينِ يَقْفُـو إثْـرَ مَنْهَـزِمِ
كـــأنَّهُمْ هَرَبــاً أَبطــالُ أَبْرَهــةٍ
أَوْ عَسـْكَرٌ بالحَصـَى مِـنْ رَاحَتَيْهِ رُمِي
نَبْـذاً بهِـهِ بَعْـدَ تَسـْبِيحِ بِبَطْنِهِمـا
نَبْــذَ المُسـَبِّحِ مِـنْ أحشـاءِ مُلْتَقِـمِ
جــاءتْ لِــدَعْوَتِهِ الأشــْجارُ سـاجِدَةً
تَمْشــِي إليــهِ عَلَـى سـاقٍ بِلا قَـدَمِ
كأنَّمــا ســَطَرَتْ سـَطْراً لِمَـا كَتَبَـتْ
فُرُوعُهـا مِـنْ بَـدِيعِ الخَطِّ في اللَّقَمِ
مِثْــلَ الغَمَامَـة أنَّـى سـَارَ سـائِرَةٌ
تَقِيــهِ حَــرَّ وطِيــسٍ لِلْهَجِيـرِ حَمـي
أقْســَمْتُ بــالقَمَرِ المُنْشـَقِّ إنَّ لَـهُ
مِــنْ قَلْبِـهِ نِسـْبَةٌ مَبْـرُورُةَ القَسـَمِ
ومَـا حَـوَى الغـارُ مِنْ خَيرٍ وَمِنْ كَرَمٍ
وكـلُّ طَـرْفٍ مِـنَ الكُّفَّـارِ عنـه عَمِـي
فالصِّدْقُ في الغارِ والصِّدِّيقُ لَمْ يَرِمِا
وَهُـمْ يقولـونَ مـا بالغـارِ مِنْ أَرِمِ
ظَنُّـوا الحَمامِ وظَنُّوا العَنْكَبُوتَ على
خَيْـرِ البَرِيِّـةِ لَـمْ تَنْسـُجْ ولـمْ تَحُمِ
وِقايــة اللـهِ أغنَـتْ عَـنْ مُضـَاعَفَةٍ
مِـنَ الـدُّرُوعِ وَعَـنْ عـالٍ مِـنَ الأُطُـمِ
مـا سامَنِي الدَّهْرُ ضَيْماً وَاسْتَجَرْتُ به
إلاَّ اسـْتَلَمتُ النَّـدَى مِـنْ خَيْرِ مُسْتَلَمِ
لا تُنْكِـرِ الـوَحْيَ مِـنْ رُؤْيَـاهُ إنَّ لهُ
قَلْبـاً إذا نـامتِ العَيْنـانِ لَمْ يَنَمِ
وذاكَ حيـــنَ بُلــوغِ مِــنْ نُبُــوَّتِهِ
فليــسَ يُنْكِــرُ فيــهِ حـالٌ مُحْتَلِـمِ
تَبَــارَكَ اللــهُ مـا وحْـيٌ بِمُكْتَسـَبٍ
وَلا نَبِـــيٌّ عَلَـــى غَيْـــبٍ بِمُتَّهَــمِ
كَـمْ أبْـرَأْتَ وَصـِباً بـاللَّمْسِ راحَتُـهُ
وأَطْلَقَــتْ أرِبـاً مِـنْ رِبْقَـةِ اللَّمَـمِ
وأحْيَــتِ الســُنَّةُ الشـَهْبَاءُ دَعْـوتُهُ
حـتى حَكضـتْ غُـرَّةَ فـي الأعْصُرِ الدُّهُمِ
بعـارِضٍ جـادَ أَوْ خِلْـتَ البِطـاحَ بها
سـَيْبٌ مِـنَ اليَـمِّ أَوْ سـَيْلٌ مِنَ العَرِمِ
دَعْنِــي وَوَصــْفِي آيــاتٍ لـهُ ظَهَـرَتْ
ظُهـورَ نـارِ القِـرَى لَيْلاً عَلَـى عَلَـمِ
فالـدُّرُّ يَـزدادُ حُسـْناً وَهْـوَ مَنْتَظِـمٌ
وَليــسَ يَنْقُــصُ قَـدْراً غيـرَ مَنْتَظِـمِ
فمــا تَطَـاوَلُ آمـالُ المَدِيـحِ إلـى
مـا فيـهِ مِـنْ كَـرَمِ الأخلاقِ والشـِّيَمِ
آيــاتُ حَــقٍّ مِــنَ الرَّحْمـنِ مُحْدَثَـةٌ
قَدِيمَــةٌ صــِفَةُ المَوصــوفِ بالقِـدَمِ
لَــمْ تَقْتَـرِنْ بِزمـانٍ وَهْـيَ تُخْبِرُنـا
عَــنِ المعـادِ وعَـنْ عـادٍ وعَـنْ إرَمِ
دامَــتْ لَـدَيْنا فَفـاقَتْ كـلَّ مُعْجِـزَةٍ
مِـنَ النَّبِيِّيـنَ إذْ جـاءَتْ ولَـمْ تَـدُمِ
مُحَكَّمــاتٌ فمــا تُبْقِيــنَ مِـنْ شـُبَهٍ
لـذِي شـِقاقٍ ومـا تَبْغِيـنَ مِـنْ حَكَـمِ
مــا حُـورِبَتْ قَـطُّ إلاَّعـادَ مِـنْ حَـرَبٍ
أَعُـدَى الأعـادي إليهـا مُلْقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بَلاغَتُهـــا دَعْـــوَى مُعارِضــِها
رَدَّ الغَيُـورِ يَـدَ الجَـاني عَنِ الحُرَمِ
لهـا مَعـانٍ كَمَـوْجِ البَحْـرِ فـي مَدَدٍ
وفَـوْقَ جَـوْهَرِهِ فِـي الحُسـْنِ والقِيَـمِ
فمــا تُعَــدُّ وَلا تُحْصــى عَجَائِبُهــا
ولا تُســامُ عَلَــى الإكثـارِ بالسـَّأَمِ
قَـرَّتْ بهـا عَيْـنُ قارِيهـا فَقُلْـتُ لهُ
لقــد ظَفِـرتَ بِحَبْـلِ اللـهِ فاعْتَصـِمِ
إنْ تَتْلُهـا خِيفَـةً مِـنْ حَـرِّ نارِ لَظىً
أَطْفَـأْتَ نـارَ لَظـىً مِنْ وِرْدِها الشَّبِمِ
كَأَنَّهـا الحَـوْضُ تَبْيَـضُّ الوجـوهُ بـه
مِـنَ العُصـاةِ وقـد جـاءُوهُ كَـالحُمَمِ
وَكَالصـــَِراطِ وكــالمِيزانِ مَعْدِلَــةً
فالقِسْطُ مِنْ غَيرها في الناسِ لَمْ يَقُمِ
لا تَعْجَبَـــنْ لِحَســُودٍ راحَ يُنْكِرُهــا
تَجـاهُلاً وهْـوَ عَيْـنُ الحـاذِقِ الفَهِـمِ
قـد تُنْكِرُ العيْنُ ضَوْءَ الشِّمْسِ من رَمَدٍ
ويُنْكِـرُ الفَـمُّ طَعْـمَ المـاءِ كم سَقَمٍ
يـا خيـرَ مـنَ يَمَّـمَ العافُونَ ساحَتَهُ
ســـَعْياً وفَـــوْقَ الأَيْنُــقِ الرُّســُمِ
وَمَــنْ هُـوَ الآيَـةُ الكُبْـرَى لَمُعْتَبِـرٍ
وَمَـنْ هُـوَ النِّعْمَـةُ العُظْمَـى لِمُغْتَنِمِ
ســَرَيْتَ مِــنْ حَــرَمٍ لَيْلاً إلَـى حَـرَمٍ
كمـا سـَرَى البَدْرُ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وَبِــتَّ تَرْقَـى إلَـى أنْ نِلْـتَ مَنْزِلَـةً
مِـنْ قَـابِ قَوْسـَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ
وَقَــدَّمتْكَ جَميــعُ الأنبيــاءِ بِهــا
والرُّسـْلِ تَقْـدِيمَ مَخُـدُومٍ عَلَـى خَـدَمِ
وأَنْـتَ تَخْتَـرِقُ السـَّبْعَ الطَّبـاقَ بهِمْ
فـي مَـوْكِبِ كُنْـتَ فيـهِ صـاحِبَ العلَمِ
حـتى إذا لَـمْ تَـدَعْ شـَأْوَاً لِمُسـْتَبِقٍ
مِــنَ الــدُّنُوِّ وَلا مَرْقَــىً لِمُســْتَنِمِ
خَفَضــْتَ كــلَّ مَقــامِ بالإِضــافَةِ إذْ
نُـودِيتَ بـالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ
كَيْمَــا تَفُــوزَ بِوَصــْلٍ أَيِّ مُســْتَتِرٍ
عَـــنِ العُيُــونِ وَســِرٍّ أَيِّ مُكْتَتِــمِ
فَحُــزْتَ كــلَّ فَخَــارٍ غَيْــرَ مُشـْتَرَكٍ
وَجُــزْتَ كــلَّ مَقــامٍ غيــرَ مُزْدَحَـمِ
وَجَــلِّ مِقْـدَارُ مـا وُلِّيـتَ مِـنْ رُتَـبٍ
وعَــزَّ إدْرَاكُ مـا أُولِيـتَ مِـنْ نِعَـمِ
بُشـْرَى لَنَـا مَعْشـَرَ الإِسـِلامِ إنًّ لنـا
مِــنَ العِنَايَـةِ رُكْنـاً غيـرَ مُنْهَـدِمِ
لَمَّـا دَعـا اللـهَ داعِينـا لَطَـاعَتِهِ
بــأَكْرَمِ الرُّسـْلِ كُنَّـا أَكْـرَمَ الأُمَـمِ
راعِـتْ قلـوبَ العِـدا أَنبـاءُ بِعْثَتِهِ
كَنَبْــأَةٍ أَجْفَلَــتْ غَفْلاً مِــنَ الغَنَـمِ
مــا زالَ يَلْقـاهُمَ فـي كـلِّ مُعْتَـرَكٍ
حـتى حَكَـوْا بالقَنـا لَحْماً على وَضَمِ
وَدُّوا الفِـرارَ فكـادُوا يَغْبِطُـونَ بهِ
أَشـْلاَءَ شـالَتْ مَـعَ العِقْبَـانِ والرَّخَمِ
تَمْضـِي اللَّيـالِي وَلا يَـدْرُونَ عِـدَّتها
مـا لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيالِي الأَشْهُرِ الحُرُمِ
كأنَّمــا الـدِّينُ ضـَيْفٌ حَـلَّ سـَاحَتَهُمْ
بِكـلِّ قَـرْمٍ إلَـى لَحْـمِ العِـدا قَـرِمِ
يَجُــرُّ بَحْــرَ خَمِيــسٍ فــوقَ سـابِحَةٍ
يَرْمِــي بِمَـوجٍ مِـنَ الأبطـالِ مُلْتَطِـمِ
مِــنْ كــلِّ مُنْتَــدِبٍ للــهِ مُحْتَســِبٍ
يَســْطو بِمُسْتَأْصــِلٍ لِلْكُفْــرِ مُصـْطَلِمِ
حتَّـى غَـدَتْ مَلَّـةُ الإسـلامِ وهِـيَ بِهِـمْ
مِـنْ بَعْـدِ غُرْبَتِهـا مَوْصـُولَةَ الرَّحِـمِ
مَكْفُولَــةً أَبَــداً مِنهــمْ بِخَيْـرِ أَبٍ
وخيــرِ بَعـلٍ فَلَـمْ تَيْتَـمْ وَلَـمْ تَئِمِ
هـمُ الجِبـالُ فَسـَلْ عنهـمْ مُصـادِمَهُمْ
مــاذا رأى مِنْهُـمُ فـي كـلِّ مُصـطَدَمِ
وسـَلْ حُنَيْنـاً وسـَلْ بَـدْراً وَسَلْ أُحُداً
فُصـُول حَتْـفٍ ملهُـمْ أَدْهَـى مِنَ الوَخَمِ
المُصـْدِرِي البِيضَ حُمْراً بعدَ ما وَرَدَتْ
مِـنَ العِـدا كُـلَّ مُسـْوَدٍّ مِـنَ اللِّمَـمِ
وَالكـاتِبِينَ بِسـُمْرِ الخَـطِّ مَـا تَرَكَتْ
أقْلامُهُــمْ حَــرْفَ جِسـْمٍ غَيْـرَ مُنْعَجِـمِ
شـاكِي السـِّلاحِ لهـمْ سـِيمَى تُمِيِّزُهُـم
والـوَرْدُ يَمْتـازُ بالسـِّمَى عَنِ السَّلَمِ
تُهْـدِي إليـكَ رِيـاحُ النَّصـْرِ نَشـْرَهُمُ
فَتَحْسـَبُ الزَّهْـرَ فـي الأكمامِ كلَّ كَمِي
كـأنَّهمْ فـي ظُهُـورِ الخَيْـلِ نَبْتُ رُباً
مِـنْ شـَدَّةِ الحَـزْمِ لاَ مِـنْ شِدَّةِ الحُزُمِ
طـارَتْ قلـوبُ العِدا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرْقاً
فمــا تُفَـرِّقُ بيـنَ البَهْـمِ والبُهَـمِ
ومَــنْ تَكُــنْ بِرَسـُولِ اللـهِ نُصـْرَتُهُ
إنْ تَلْقَـهُ الأُسـْدُ فـي أجامِهـا تَجِـمِ
ولَــنْ تَـرَى مِـنْ وَلِـيٍّ غَيْـرَ مُنْتَصـِرِ
بــهِ ولا مِــنْ عَــدُوٍّ غيْــرَ مُنْقَصـِمِ
أحَـــلَّ أُمَّتَــهُ فــي حِــرزِ مِلَّتِــهِ
كـاللَّيْثِ حَـلَّ مَـعَ الأشـبالِ فـي أُجَمِ
كَـمْ جَـدَّلَتْ كلمـاتُ اللـهِ مِـنْ جَـدِلٍ
فيـهِ وكـم خَصـَمَ البُرْهـانُ مِـنْ خَصِمِ
كفــاكَ بـالعِلْمِ فـي الأُمِـيِّ مُعْجِـزَةً
فـي الجاهِليَّـةِ وَالتَّأْدِيبِ في اليُتُمِ
خَـــدَمْتُهُ بِمَدِيـــحٍ أســْتَقِيلُ بِــهِ
ذُنُـوبَ عُمْـرٍ مَضـَى في الشِّعْرِ والخِدَمِ
إذْ قَلَّــدانِيَ مــا تُخْشــَى عَـواقِبُهُ
كــأنَّني بِهِمــا هَــدْيٌ مِـنَ النَّعَـمِ
أطعـتُ غـيَّ الصَبَا في الحَالَتينِ وَما
حَصــَلْتُ إلاَّ عَلَــى الآثَــامِ والنَّـدَمِ
فيــا خَســَارَةَ نَفْـسٍ فـي تِجَارَتِهـا
لَـمْ تَشـْتَرِ الدِّينَ بالدُّنيا ولَمْ تَسُمِ
وَمَـــنْ يَبِــعْ آجِلاً منــهُ بِعــاجِلِهِ
بَيْـنَ لـهُ الغَبْـنُ فـي بَيْعٍ وَفي سَلَمِ
إنْ آتِ ذَنْبــاً فمـا عَهْـدِي بِمُنْتَقِـضٍ
مِــنَ النــبيِّ وَلا حَبْلِــي بِمُنْصــَرِمِ
فــإنَّ لِــي ذِمَّــةً منــهُ بِتَسـْمِيَتي
مُحمـداً وَهْـوَ أَوْفَـى الخَلْـقِ بالذِّمَمِ
إنْ لَـمْ يَكُـنْ فـي مَعادِي آخِذاً بِيَدِي
فَضــْلاً وَإلاَّ فَقُــلْ يـا زَلَّـةَ القَـدَمِ
حاشـاهُ أنْ يَحْـرِمَ الرَّاجِـي مَكـارِمَهُ
أَوْ يَرْجِـعُ الجـارُ منـهُ غيـرَ مُحَتَرَمِ
وَمُنْــذُ ألزَمْــتُ أفكــارِي مَـدائِحَهُ
وَجَـــدْتُهُ لِخَلاَصـــِي خيــرَ مُلْتَــزِمِ
وَلَنـء يَفُـوتَ الغِنَـى مِنْهُ يَداً تَرِبَتْ
إنَّ الحَيـا يُنْبِـتُ الأزهـارَ في الأُكَمِ
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنيا التي اقتَطَفَتْ
يَـدَا زُهَيْـرٍ بمـا أَثْنَـى عَلَـى هَـرَمِ
يـا أكْـرَمَ الرُّسْلِ مالِي مَنْ أَلوذُ به
سـِواكَ عنـدَ حلـولِ الحـادِثِ العَمِـمِ
وَلَـنْ يَضـِيقَ رَسـولَ اللـهِ جاهُـكَ بي
إذا الكريــمُ تَحَلَّـى باسـْمِ مُنْتَقِـمِ
فــإنَّ مِـنْ جُـودِكَ الـدنيا وضـَرَّتَها
وَمِـنْ عُلُومِـكَ عِلـمَ اللَّـوْحِ والقَلَـمِ
يـا نَفْـسُ لا تَقْنُطِـي مِـنْ زَلَّـةٍ عَظُمَتْ
إنَّ الكَبَـائِرَ فـي الغُفْـرانِ كاللَّمَمِ
لَعَــلَّ رَحْمَــةَ رَبِّــي حيــنَ يَقْسـِمُه
تـأْتي عَلَـى حَسَبِ العِصْيانِ في القِسَمِ
يـارَبِّ وَاجْعَـلْ رَجـائي غَيـرَ مُنْعَكِـسِ
لَـدَيْكَ وَاجْعَـلْ حِسـابِي غَيْـرَ مُنْخَـرِمِ
وَالْطُـفْ بِعَبْـدِكَ فـي الدَّاريْنِ إنَّ لَهُ
صـَبْراُ مَـتى تَـدْعُهُ الأهـوالُ يَنْهَـزِمِ
وَائْذَنْ لِســُحْبِ صــلاةٍ مِنــكَ دائِمـةً
عَلَـــى النَّــبيِّ بِمُنْهَــلٍّ ومُنْســَجِمِ
مـا رَنَّحَـتْ عَـذَباتِ البـانِ ريحُ صَباً
وأطْـرَبَ العِيـسَ حادي العِيسِ بِالنَّغَمِ
محمد بن سعيد بن حماد بن عبد الله الصنهاجي البوصيري المصري شرف الدين أبو عبد الله.شاعر حسن الديباجة، مليح المعاني، نسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر، أمّه منها.وأصله من المغرب من قلعة حماد من قبيل يعرفون ببني حبنون.ومولده في بهشيم من أعمال البهنساويةووفاته بالإسكندرية له (ديوان شعر -ط)، وأشهر شعره البردة مطلعها:أمن تذكّر جيران بذي سلمشرحها وعارضها الكثيرون، والهمزية ومطلعها:كيف ترقى رقيك الأنبياء وعارض (بانت سعاد) بقصيدة مطلعها إلى متى أنت باللذات مشغول