
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
بِســَيفِكَ يَعلـو الحَـقُّ وَالحَـقُّ أَغلَـبُ
وَيُنصــَرُ ديــنُ اللَــهِ أَيّـانَ تَضـرِبُ
وَمـا السَيفُ إِلّا آيَةُ المُلكِ في الوَرى
وَلا الأَمــــرُ إِلّا لِلَّــــذي يَتَغَلَّـــبُ
فَــأَدِّب بِــهِ القَـومَ الطُغـاةَ فَـإِنَّهُ
لَنِعــمَ المَرَبــي لِلطُغــاةِ المُـؤَدِّبُ
وَداوِ بِــهِ الـدولاتِ مِـن كُـلِّ دائِهـا
فَنِعــمَ الحُســامُ الطِــبُّ وَالمُتَطَبِّـبُ
تَنـامُ خُطـوبُ المُلـكِ إِن بـاتَ ساهِراً
وَإِن هُــوَ نــامَ اِســتَيقَظَت تَتَــأَلَّبُ
أَمِنّــا اللَيــالي أَن نُـراعَ بِحـادِثٍ
وَأَرمينيــا ثَكلــى وَحَــورانَ أَشـيَبُ
وَمَملَكَــةُ اليونـانِ مَحلولَـةُ العُـرى
رَجـــاؤُكَ يُعطيهــا وَخَوفُــكَ يُســلَبُ
هَــدَدتَ أَميــرَ المُــؤمِنينَ كَيانَهـا
بِأَســـطَعَ مِثــلِ الصــُبحِ لا يَتَكَــذَّبُ
وَمـازالَ فَجـراً سـَيفُ عُثمـانَ صـادِقاً
يُســاريهِ مِــن عـالي ذَكـائِكَ كَـوكَبُ
إِذا مــا صــَدَعتَ الحادِثــاتِ بِحَـدِّهِ
تَكَشـَّفَ داجـي الخَطـبِ وَاِنجـابَ غَيهَـبُ
وَهــابَ العِــدا فيـهِ خِلافَتَـكَ الَّـتي
لَهُــم مَــأرَبٌ فيهــا وَلِلَّــهِ مَـأرَبُ
ســَما بِـكَ يـا عَبـدَ الحَميـدِ أُبُـوَّةٌ
ثَلاثـــونَ خُضـــّارُ الجَلالَـــةِ غُيَّــبُ
قَياصــــِرُ أَحيانـــاً خَلائِفُ تـــارَةً
خَــواقينُ طَــوراً وَالفَخـارُ المُقَلَّـبُ
نُجــومُ سـُعودِ المَلـكِ أَقمـارُ زُهـرِهِ
لَـوَ اَنَّ النُجـومَ الزُهـرَ يَجمَعُهـا أَبُ
تَواصــَوا بِـهِ عَصـراً فَعَصـراً فَـزادَهُ
مُعَمَّمُهُـــم مِـــن هَيبَــةٍ وَالمُعَصــَّبُ
هُـمُ الشـَمسُ لَـم تَـبرَح سَماواتِ عِزِّها
وَفينــا ضــُحاها وَالشـُعاعُ المُحَبَّـبُ
نَهَضــتَ بِعَــرشٍ يَنهَــضُ الــدَهرُ بِـهِ
خُشــوعاً وَتَخشــاهُ اللَيـالي وَتَرهَـبُ
مَكيــنٍ عَلــى مَتــنِ الوُجـودِ مُؤَيَّـدٍ
بِشـَمسِ اِسـتِواءٍ مالَهـا الـدَهرَ مَغرِبُ
تَرَقَّــت لَـهُ الأَسـواءُ حَتّـى اِرتَقَيتَـهُ
فَقُمــتَ بِهــا فـي بَعـضِ مـا تَتَنَكَّـبُ
فَكُنـــتَ كَعَيــنٍ ذاتِ جَــريٍ كَمينَــةٍ
تَفيــضُ عَلــى مَــرِّ الزَمـانِ وَتَعـذُبُ
مُوَكَّلَــةٍ بِـالأَرضِ تَنسـابُ فـي الثَـرى
فَيَحيــا وَتَجــري فـي البِلادِ فَتُخضـِبُ
فَـأَحيَيتَ مَيتـاً دارِسَ الرَسـمِ غـابِراً
كَأَنَّــكَ فيمــا جِئتَ عيســى المُقَـرَّبُ
وَشــِدتَ مَنـاراً لِلخِلافَـةِ فـي الـوَرى
تُشـــَرِّقُ فيهِـــم شَمســـُهُ وَتُغَـــرِّبُ
ســَهِرتَ وَنــامَ المُســلِمونَ بِغَبطَــةٍ
وَمــا يُزعِـجُ النُـوّامَ وَالسـاهِرُ الأَبُ
فَنَبَّهَنــا الفَتـحُ الَّـذي مـا بِفَجـرِهِ
وَلا بِــكَ يــا فَجــرَ الســَلامِ مُكَـذِّبُ
حُسـامُكَ مِـن سـُقراطَ فـي الخَطبِ أَخطَبُ
وَعــودُكَ مِــن عـودِ المَنـابِرِ أَصـلَبُ
وَعَزمُــكَ مِــن هـوميرَ أَمضـى بَديهَـةً
وَأَجلـى بَيانـاً فـي القُلـوبِ وَأَعـذَبُ
وَإِن يَـــذكُروا إِســكَندَراً وَفُتــوحَهُ
فَعَهــدُكَ بِالفَتــحِ المُحَجَّــلِ أَقــرَبُ
وَمُلكُــكَ أَرقــى بِالــدَليلِ حُكومَــةً
وَأَنفَــذُ ســَهماً فـي الأُمـورِ وَأَصـوَبُ
ظَهَـرتَ أَميـرَ المُـؤمِنينَ عَلـى العِدا
ظُهــوراً يَســوءُ الحاســِدينَ وَيُتعِـبُ
سـَلِ العَصـرَ وَالأَيّـامَ وَالناسَ هَل نَبا
لِرَأيِــكَ فيهِــم أَو لِســَيفِكَ مَضــرِبُ
هُــمُ مَلَئوا الــدُنيا جَهامـاً وَراءَهُ
جَهــامٌ مِــنَ الأَعـوانِ أَهـذى وَأَكـذَبُ
فَلَمّـا اِسـتَلَلتَ السـَيفَ أَخلَـبَ بَرقُهُم
وَمـا كُنـتَ يـا بَـرقَ المَنِيَّـةِ تُخلِـبُ
أَخَــــذتَهُمُ لا مـــالِكينَ لِحَوضـــِهِم
مِـنَ الـذَودِ إِلّا مـا أَطالوا وَأَسهَبوا
وَلــم يَتَكَلَّــف قَومُــكَ الأُسـدُ أُهبَـةً
وَلَكِــنَّ خُلقـاً فـي السـِباعِ التَـأَهُّبُ
كَـذا النـاسُ بِـالأَخلاقِ يَبقـى صـَلاحُهُم
وَيَــذهَبُ عَنهُــم أَمرُهُـم حيـنَ تَـذهَبُ
وَمِــن شــَرَفِ الأَوطــانِ أَلّا يَفوتَهــا
حُســـامٌ مُعِـــزٌّ أَو يَـــراعٌ مُهَــذَّبُ
مَلَكـتَ سـَبيلَيهِم فَفـي الشـَرقِ مَضـرِبٌ
لِجَيشــِكَ مَمـدودٌ وَفـي الغَـربِ مَضـرِبُ
ثَمــانونَ أَلفــاً أُسـدُ غـابٍ ضـَراغِمٌ
لَهــا مِخلَــبٌ فيهِـم وَلِلمَـوتِ مَخلِـبُ
إِذا حَلِمَــت فَالشــَرُّ وَســنانُ حـالِمٌ
وَإِن غَضــِبَت فَالشــَرُّ يَقظــانُ مُغضـِبُ
فَيـالِقُ أَفشـى فـي البِلادِ مِـنَ الضُحى
وَأَبعَــدُ مِــن شـَمسِ النَهـارِ وَأَقـرَبُ
وَتُصــبِحُ تَلقــاهُم وَتُمســي تَصــُدُّهُم
وَتَظهَــرُ فــي جِــدِّ القِتـالِ وَتَلعَـبُ
تَلــوحُ لَهُـم فـي كُـلِّ أُفـقٍ وَتَعتَلـي
وَتَطلُــعُ فيهِــم مِــن مَكـانٍ وَتَغـرُبُ
وَتُقــدِمُ إِقــدامَ اللُيــوثِ وَتَنثَنـي
وَتُـــدبِرُ عِلمــاً بِــالوَغى وَتُعَقِّــبُ
وَتَملِــكُ أَطــرافَ الشــِعابِ وَتَلتَقـي
وَتَأخُــذُ عَفــواً كُــلَّ عــالٍ وَتَغصـِبُ
وَتَغشــى أَبِيّــاتِ المَعاقِـلِ وَالـذُرا
فَثَيِّبُهُـــنَّ البِكــرُ وَالبِكــرُ ثَيِّــبُ
يَقــودُ ســَراياها وَيَحمــي لِواءَهـا
سـَديدُ المَـرائي فـي الحُـروبِ مُجَـرِّبُ
يَجيــءُ بِهــا حينــاً وَيَرجِــعُ مَـرَّةً
كَمــا تَـدفَعُ اللَـجَّ البِحـارُ وَتَجـذِبُ
وَيَرمـي بِهـا كَـالبَحرِ مِـن كُـلِّ جانِبٍ
فَكُــــلُّ خَميــــسٍ لُجَّـــةٌ تَتَضـــَرَّبُ
وَيُنفِــذُها مِــن كُــلِّ شـِعبٍ فَتَلتَقـي
كَمــا يَتَلاقــى العــارِضُ المُتَشــَعِّبُ
وَيَجعَــلُ ميقاتــاً لَهـا تَنبَـري لَـهُ
كَمـا دارَ يَلقـى عَقـرَبَ السـَيرِ عَقرَبُ
فَظَلَّـت عُيـونُ الحَـربِ حَيـرى لِما تَرى
نَــواظِرَ مـا تَـأتي اللُيـوثُ وَتُغـرِبُ
تُبـالِغُ بِـالرامي وَتَزهـو بِمـا رَمـى
وَتُعجَــبُ بِــالقُوّادِ وَالجُنــدُ أَعجَـبُ
وَتُثنـي عَلـى مُزجـي الجُيـوشِ بِيَلـدِزٍ
وَمُلهِمِهـــا فيمــا تَنــالُ وَتَكســِبُ
وَمـا المُلـكُ إِلّا الجَيشُ شَأناً وَمَظهَراً
وَلا الجَيــشُ إِلّا رَبُّــهُ حيــنَ يُنســَبُ
تُحَــذِّرُني مِـن قَومِهـا التُـركِ زَينَـبُ
وَتُعجِــمُ فــي وَصـفِ اللُيـوثِ وَتُعـرِبُ
وَتُكثِــرُ ذِكــرَ الباســِلينَ وَتَنثَنـي
بِعِــزٍّ عَلــى عِــزِّ الجَمــالِ وَتُعجَـبُ
وَتَســحَبُ ذَيــلَ الكِبرِيــاءِ وَهَكَــذا
يَــتيهُ وَيَختــالُ القَــوِيُّ المُغَلِّــبُ
وَزَينَــبُ إِن تــاهَت وَإِن هِـيَ فـاخَرَت
فَمــا قَومُهــا إِلّا العَشـيرُ المُحَبَّـبُ
يُؤَلِّـــفُ إيلامُ الحَـــوادِثِ بَينَنـــا
وَيَجمَعُنــا فــي اللَـهِ ديـنٌ وَمَـذهَبُ
نَمـا الـوُدُّ حَتّـى مَهَّـدَ السُبلَ لِلهَوى
فَمـا فـي سـَبيلِ الوَصـلِ مـا يُتَصـَعَّبُ
وَدانـى الهَـوى ما شاءَ بَيني وَبَينَها
فَلَــم يَبــقَ إِلّا الأَرضُ وَالأَرضُ تَقــرُبُ
رَكِبــتُ إِلَيهـا البَحـرَ وَهـوَ مَصـيدَةٌ
تُمَــدُّ بِهــا ســُفنُ الحَديـدِ وَتُنصـَبُ
تَـروحُ المَنايـا الـزُرقُ فيهِ وَتَغتَدي
وَمــا هِـيَ إِلّا المَـوجُ يَـأتي وَيَـذهَبُ
وَتَبــدو عَلَيـهِ الفُلـكُ شـَتّى كَأَنَّهـا
بُـؤوزٌ تُراعيهـا عَلـى البُعـدِ أَعقُـبُ
حَوامِــــلُ أَعلامِ القَياصـــِرِ حُضـــرٌ
عَلَيهـــا ســـَلاطينُ البَرِيَّــةِ غُيَّــبُ
تُجــاري خُطاهـا الحادِثـاتِ وَتَقتَفـي
وَتَطفــو حَوالَيهــا الخُطـوبُ وَتَرسـُبُ
وَيوشـِكُ يَجـري المـاءُ مِن تَحتِها دَماً
إِذا جَمَعَــــت أَثقالَهـــا تَتَرَقَّـــبُ
فَقُلــتُ أَأَشــراطُ القِيامَـةِ مـا أَرى
أَمِ الحَـربُ أَدنـى مِـن وَريـدٍ وَأَقـرَبُ
أَمانـاً أَمانـاً لُجَّـةَ الـرومِ لِلـوَرى
لَــوَ اَنَّ أَمانـاً عِنـدَ دَأمـاءَ يُطلَـبُ
كَـــأَنّي بِأَحــداثِ الزَمــانِ مُلِمَّــةً
وَقَــد فــاضَ مِنهـا حَوضـُكِ المُتَضـَرِّبُ
فَأُزعِــــجَ مَغبــــوطٌ وَرُوِّعَ آمِــــنٌ
وَغــالَ ســَلامَ العــالَمينَ التَعَصــُّبُ
فَقــالَت أَطَلـتَ الهَـمَّ لِلخَلـقِ مَلجَـأٌ
أَبَــرُّ بِهِــم مِــن كُــلِّ بَـرٍّ وَأَحـدَبُ
ســَلامُ البَرايــا فــي كَلاءَةِ فَرقَــدٍ
بِيَلــــدِزَ لا يَغفــــو وَلا يَتَغَيَّـــبُ
وَإِنَّ أَميـــرَ المُـــؤمِنينَ لَوابِـــلٌ
مِـنَ الغَـوثِ مُنهَـلٌ عَلـى الخَلـقِ صَيِّبُ
رَأى الفِتنَـةَ الكُبرى فَوالى اِنهِمالَهُ
فَبـــادَت وَكـــانَت جَمــرَةً تَتَلَهَّــبُ
فَمـا زِلـتُ بِـالأَهوالِ حَتّـى اِقتَحَمتُها
وَقَـد تُركِـبُ الحاجـاتُ مـا لَيسَ يُركَبُ
أَخـوضُ اللَيـالي مِـن عُبـابٍ وَمِن دُجىً
إِلــى أُفــقٍ فيــهِ الخَليفَـةُ كَـوكَبُ
إِلـى مُلـكِ عُثمـانَ الَّـذي دونَ حَوضـِهِ
بِنــاءُ العَـوالي المُشـمَخِرُّ المُطَنَّـبُ
فَلاحَ يُنــاغي النَجــمَ صــَرحٌ مُثَقَّــبٌ
عَلـى المـاءِ قَـد حـاذاهُ صـَرحٌ مُثقَبُ
بُــروجٌ أَعارَتهــا المَنـونُ عُيونَهـا
لَهــا فـي الجَـواري نَظـرَةٌ لا تُخَيَّـبُ
رَواسـي اِبتِـداعٍ فـي رَواسـي طَبيعَـةٍ
تَكــادُ ذُراهــا فـي السـَحابِ تُغَيَّـبُ
فَقُمـتُ أُجيـلُ الطَـرفَ حَيـرانَ قـائِلاً
أَهَـذى ثُغـورُ التُـركِ أَم أَنـا أَحسـَبُ
فَمِثـلَ بِنـاءِ التُـركِ لَـم يَبـنِ مُشرِقٌ
وَمِثـلَ بِنـاءِ التُـركِ لَـم يَبـنِ مَغرِبُ
تَظَـــلُّ مَهـــولاتُ البَــوارِجِ دونَــهُ
حَــوائِرَ مــا يَــدرينَ مـاذا تُخَـرِّبُ
إِذا طـاشَ بَيـنَ الماءِ وَالصَخرِ سَهمُها
أَتاهــا حَديــدٌ مــا يَطيـشُ وَأَسـرَبُ
يُســـَدِّدُهُ عِزريـــلُ فــي زِيِّ قــاذِفٍ
وَأَيـدي المَنايـا وَالقَضـاءُ المُـدَرَّبُ
قَــذائِفُ تَخشـى مُهجَـةُ الشـَمسِ كُلَّمـا
عَلَـــت مُصـــعِداتٍ أَنَّهــا لا تُصــَوَّبُ
إِذا صـُبَّ حاميهـا عَلـى السُفنِ اِنثَنَت
وَغانِمُهــا النــاجي فَكَيـفَ المُخَيَّـبُ
سـَلِ الـرومَ هَـل فيهِـنَّ لِلفُلـكِ حيلَةٌ
وَهَـــل عاصــِمٌ مِنهُــنَّ إِلّا التَنَكُّــبُ
تَذَبــــذَبَ أُســــطولاهُمُ فَـــدَعَتهُما
إِلــى الرُشــدِ نـارٌ ثَـمَّ لا تَتَذَبـذَبُ
فَلا الشـَرقُ فـي أُسـطولِهِ مُتقى الحِمى
وَلا الغَــربُ فــي أُســطولِهِ مُتَهَيَّــبُ
وَمـــا راعَنـــي إِلّا لِــواءٌ مُخَضــَّبٌ
هُنالِـــكَ يَحميـــهِ بَنـــانٌ مُخَضــَّبُ
فَقُلــتُ مَــنِ الحـامي أَلَيـثٌ غَضـَنفَرٌ
مِــنَ التُــركِ ضـارٍ أَم غَـزالٌ مُرَبَّـبُ
أَمِ المَلِـكُ الغـازي المُجاهِدُ قَد بَدا
أَمِ النَجـمُ فـي الآرامِ أَم أَنـتِ زَينَبُ
رَفَعـتِ بَنـاتَ التُـركِ قـالَت وَهَل بِنا
بَنــاتِ الضــَواري أَن نَصــولَ تَعَجُّـبُ
إِذا مـا الـدِيارُ اِستَصرَخَت بَدَرَت لَها
كَـــرائِمُ مِنّـــا بِالقَنــا تَتَنَقَّــبُ
تُقَـــرِّبُ رَبّــاتُ البُعــولِ بُعولَهــا
فَــإِن لَـم يَكُـن بَعـلٌ فَنَفسـاً تُقَـرِّبُ
وَلاحَـــت بِآفـــاقِ العَـــدُوِّ ســَرِيَّةٌ
فَـــوارِسُ تَبـــدو تـــارَةً وَتُحَجَّــبُ
نَـواهِضُ فـي حُـزنٍ كَمـا تَنهَـضُ القَطا
رَواكِـضُ فـي سـَهلٍ كَمـا اِنسـابَ ثَعلَبُ
قَليلـونَ مِـن بُعـدٍ كَـثيرونَ إِن دَنَوا
لَهُـــم ســَكَنٌ آنــاً وَآنــاً تَهَيُّــبُ
فَقـالَت شـَهِدتَ الحَـربَ أَو أَنـتَ موشِكٌ
فَصــِفنا فَــأَنتَ الباســِلُ المُتَـأَدِّبُ
وَنـادَت فَلَبّـى الخَيـلُ مِـن كُـلِّ جانِبٍ
وَلَبّــى عَلَيهــا القَســوَرُ المُتَرَقِّـبُ
خِفافـاً إِلـى الـداعي سـِراعاً كَأَنَّما
مِـــنَ الحَــربِ داعٍ لِلصــَلاةِ مُثَــوِّبُ
مُنيفيــنَ مِـن حَـولِ اللِـواءِ كَـأَنَّهُم
لَــهُ مَعقِــلٌ فَــوقَ المَعاقِـلِ أَغلَـبُ
وَمـــا هِـــيَ إِلّا دَعـــوَةٌ وَإِجابَــةٌ
أَنِ اِلتَحَمَــت وَالحَــربُ بَكـرٌ وَتَغلِـبُ
فَأَبصـَرتُ مـا لَـم تُبصـِرا مِـن مَشاهِدٍ
وَلا شـــَهِدَت يَومـــاً مَعَــدٌّ وَيَعــرُبُ
جِبــالَ مَلونــا لا تَخــوري وَتَجزَعـي
إِذا مـــالَ رَأسٌ أَو تَضَعضــَعَ مَنكِــبُ
فَمـا كُنـتِ إِلّا السـَيفَ وَالنارَ مَركَباً
وَمـا كـانَ يَستَعصـي عَلى التُركِ مَركَبُ
عَلَــوا فَـوقَ عَليـاءِ العَـدُوِّ وَدونَـهُ
مَضــيقٌ كَحَلـقِ اللَيـثِ أَو هُـوَ أَصـعَبُ
فَكـانَ صـِراطُ الحَشـرِ مـا ثَـمَّ ريبَـةٌ
وَكـانوا فَريـقَ اللَـهِ مـا ثَـمَّ مُذنِبُ
يَمُــرّونَ مَــرَّ البَــرقِ تَحــتَ دُجُنَّـةٍ
دُخانـــاً بِــهِ أَشــباحُهُم تَتَجَلبَــبُ
حَثيـثينَ مِـن فَـوقِ الجِبـالِ وَتَحتِهـا
كَمـا اِنهارَ طَودٌ أَو كَما اِنهالَ مِذنَبُ
تُمِــــدُّهُمُ قُــــذّافُهُم وَرُمــــاتُهُم
بِنــارٍ كَنيــرانِ البَراكيــنِ تَـدأَبُ
تُـذَرّى بِهـا شـُمُّ الـذُرا حيـنَ تَعتَلي
وَيَســفَحُ مِنهــا الســَفحُ إِذ تَتَصـَبَّبُ
تُســـَمَّرُ فـــي رَأسِ القِلاعِ كُراتُهــا
وَيَســكُنُ أَعجــازَ الحُصــونِ المُـذَنَّبُ
فَلَمّـا دَجـى داجـي العَـوانِ وَأَطبَقَـت
تَبَلَّـــجَ وَالنَصـــرَ الهِلالُ المُحَجَّــبُ
وَرُدَّت عَلـى أَعقابِهـا الـرومُ بَعـدَما
تَنـاثَرَ مِنهـا الجَيـشُ أَو كـادَ يَذهَبُ
جَنـاحَينِ فـي شـِبهِ الشِباكَينِ مِن قَنا
وَقَلبــاً عَلــى حُــرِّ الـوَغى يَتَقَلَّـبُ
عَلــى قُلَـلِ الأَجبـالِ حَيـرى جُمـوعُهُم
شــَواخِصُ مـا إِن تَهتَـدي أَيـنَ تَـذهَبُ
إِذا صــَعَدَت فَالســَيفُ أَبيَــضُ خـاطِفٌ
وَإِن نَزَلَــت فَالنــارُ حَمـراءُ تَلهَـبُ
تَطَــوَّعَ أَســراً مِنهُــمُ ذَلِــكَ الَّـذي
تَطَـــوَّعَ حَربـــاً وَالزَمــانُ تَقَلُّــبُ
وَتَـمَّ لَنـا النَصرُ المُبينُ عَلى العِدا
وَفَتــحُ المَعـالي وَالنَهـارُ المُـذَهَّبُ
فَجِئتُ فَتــاةَ التُـركِ أَجـزي دِفاعَهـا
عَـنِ المُلـكِ وَالأَوطـانِ ما الحَقُّ يوجِبُ
فَقَبَّلــتُ كَفّـاً كـانَ بِالسـَيفِ ضـارِباً
وَقَبَّلــتُ ســَيفاً كـانَ بِـالكَفِّ يَضـرِبُ
وَقُلــتُ أَفـي الـدُنيا لِقَومِـكِ غـالِبٌ
وَفـي مِثـلِ هَـذا الحِجرِ رُبّوا وَهُذِّبوا
رُوَيـداً بَنـي عُثمـانَ فـي طَلَبِ العُلا
وَهَيهــاتَ لَــم يُسـتَبقَ شـَيءٌ فَيُطلَـبُ
أَفـــي كُــلِّ آنٍ تَغرِســونَ وَنَجتَنــي
وَفــي كُــلِّ يَــومٍ تَفتَحــونَ وَنَكتُـبُ
وَمــا زِلتُـمُ يَسـقيكُمُ النَصـرُ حُمـرَهُ
وَتَســقونَهُ وَالكُــلُّ نَشــوانَ مُصــأَبُ
إِلــى أَن أَحَـلَّ السـُكرَ مَـن لا يُحِلُّـهُ
وَمَـدَّ بِسـاطَ الشـُربِ مَـن لَيـسَ يَشـرَبُ
وَأَشـــمَطَ ســَوّاسِ الفَــوارِسِ أَشــيَبُ
يَسـيرُ بِـهِ فـي الشـَعبِ أَشـمَطُ أَشـيَبُ
رَفيقــاً ذَهــابٍ فـي الحُـروبِ وَجيئَةٍ
قَــدِ اِصــطَحَبا وَالحُـرُّ لِلحُـرِّ يَصـحَبُ
إِذا شــَهِداها جَــدَّدا هِــزَّةَ الصـِبا
كَمــا يَتَصــابى ذو ثَمــانينَ يَطـرُبُ
فَيَهتَــزُّ هَــذا كَالحُســامِ وَيَنثَنــي
وَيَنفُـــرُ هَــذا كَــالغَزالِ وَيَلعَــبُ
تَــوالى رَصــاصُ المُطلِقيـنَ عَلَيهِمـا
يُخَضـــِّلُ مِـــن شـــَيبِهِما وَيُخَضـــِّبُ
فَقيــلَ أَنِــل أَقــدامَكَ الأَرضَ إِنَّهـا
أَبَـــرُّ جَــواداً إِن فَعَلــتَ وَأَنجَــبُ
فَقــالَ أَيَرضـى واهِـبُ النَصـرِ أَنَّنـا
نَمــوتُ كَمَــوتِ الغانِيــاتِ وَنُعطَــبُ
ذَرونــي وَشـَأني وَالـوَغى لا مُبالِيـاً
إِلى المَوتِ أَمشي أَم إِلى المَوتِ أَركَبُ
أَيَحمِلُنــي عُمــراً وَيَحمــي شـَبيبَتي
وَأَخـــذُلُهُ فـــي وَهنِـــهِ وَأُخَيِّـــبُ
إِذا نَحــنُ مِتنـا فَاِدفِنونـا بِبُقعَـةٍ
يَظَـــلُّ بِـــذِكرانا ثَراهــا يُطَيِّــبُ
وَلا تَعجَبـوا أَن تَبسـُلَ الخَيـلُ إِنَّهـا
لَهـا مِثـلُ ما لِلناسِ في المَوتِ مَشرَبُ
فَماتــا أَمــامَ اللَـهِ مَـوتَ بَسـالَةٍ
كَأَنَّهُمـــا فيـــهِ مِثـــالٌ مُنَصـــَّبُ
وَمــا شــُهَداءُ الحَــربِ إِلّا عِمادُهـا
وَإِن شــَيَّدَ الأَحيــاءُ فيهـا وَطَنَّبـوا
مِــدادُ سـِجِلِّ النَصـرِ فيهـا دِمـاؤُهُم
وَبِــالتِبرِ مِـن غـالي ثَراهُـم يُتَـرَّبُ
فَهَــل مِــن مَلونــا مَوقِـفٌ وَمَسـامِعٌ
وَمِــن جَبَلَيهــا مِنبَــرٌ لـي فَـأَخطُبُ
فَأَسـأَلُ حِصـنَيها العَجيبَينِ في الوَرى
وَمَــدخَلُها الأَعصـى الَّـذي هُـوَ أَعجَـبُ
وَأَستَشــهِدُ الأَطــوادَ شـَمّاءَ وَالـذُرا
بَــواذِخَ تُلــوي بِــالنُجومِ وَتُجــذَبُ
هَــلِ البَــأسُ إِلّا بَأســُهُم وَثَبـاتُهُم
أَوِ العَـــزمُ إِلّا عَزمُهُــم وَالتَلَبُّــبُ
أَوِ الـدينُ إِلّا مـا رَأَت مِـن جِهـادِهِم
أَوِ المُلــكُ إِلّا مـا أَعَـزّوا وَهَيَّبـوا
وَأَيُّ فَضـاءٍ فـي الـوَغى لَـم يُضـَيِّقوا
وَأَيُّ مَضـيقٍ فـي الـوَرى لَـم يُرَحِّبـوا
وَهَـل قَبلَهُـم مَـن عانَقَ النارَ راغِباً
وَلَـــو أَنَّـــهُ عُبّادُهــا المُتَرَهِّــبُ
وَهَـل نـالَ ما نالوا مِنَ الفَخرِ حاضِرٌ
وَهَـل حُبِـيَ الخـالونَ مِنهُ الَّذي حُبوا
ســَلاماً مَلونــا وَاِحتِفاظــاً وَعِصـمَةً
لِمَـن بـاتَ فـي عـالي الرِضـى يَتَقَلَّبُ
وَضــِنّي بِعَظــمٍ فــي ثَــراكِ مُعَظَّــمٍ
يُقَرِبُـــهُ الرَحمَـــنُ فيمــا يُقَــرِّبُ
وَطِرنــاوُ إِذ طـارَ الـذُهولُ بِجَيشـِها
وَبِالشـَعبِ فَوضـى فـي المَـذاهِبِ يَذهَبُ
عَشـــِيَّةَ ضــاقَت أَرضــُها وَســَماؤُها
وَضـــاقَ فَضـــاءٌ بَيــنَ ذاكَ مُرَحِّــبُ
خَلَـت مِـن بَني الجَيشِ الحُصونُ وَأَقفَرَت
مَســـاكِنُ أَهليهــا وَعَــمَّ التَخَــرُّبُ
وَنــادى مُنـادٍ لِلهَزيمَـةِ فـي المَلا
وَإِنَّ مُنــادي التُــركِ يَـدنو وَيَقـرُبُ
فَــأَعرَضَ عَـن قُـوّادِهِ الجُنـدُ شـارِداً
وَعَلَّمَـــهُ قُـــوّادُهُ كَيـــفَ يَهـــرُبُ
وَطـارَ الأَهـالي نـافِرينَ إِلـى الفَلا
مِئيـــنَ وَآلافـــاً تَهيـــمُ وَتَســرُبُ
نَجَـوا بِـالنُفوسِ الـذاهِلاتِ وَما نَجَوا
بِغَيــرِ يَــدٍ صــِفرٍ وَأُخــرى تُقَلِّــبُ
وَطـالَت يَـدٌ لِلجَمعِ في الجَمعِ بِالخَنا
وَبِالسـَلبِ لَـم يَمـدُد بِهـا فيهِ أَجنَبُ
يَســيرُ عَلــى أَشـلاءِ والِـدِهِ الفَـتى
وَيَنســى هُنــاكَ المُرضــَعَ الأُمُّ وَالأَبُ
وَتَمضــي الســَرايا واطِئاتٍ بِخَيلِهـا
أَرامِــلَ تَبكــي أَو ثَواكِــلَ تَنــدُبُ
فَمِــن راجِـلٍ تَهـوي السـِنونُ بِرِجلِـهِ
وَمِــن فـارِسٍ تَمشـي النِسـاءُ وَيَركَـبُ
وَمــاضٍ بِمـالٍ قَـد مَضـى عَنـهُ وَألُـهُ
وَمُــزجٍ أَثاثــاً بَيـنَ عَينَيـهِ يُنهَـبُ
يَكــادونَ مِــن ذُعــرٍ تَفُـرُّ دِيـارُهُم
وَتَنجـو الرَواسـي لَـو حَـواهُنَّ مَشـعَبُ
يَكـادُ الثَـرى مِـن تَحتِهِم يَلِجُ الثَرى
وَيَقضــِمُ بَعــضُ الأَرضِ بَعضــاً وَيُقضـِبُ
تَكــادُ خُطـاهُم تَسـبِقُ البَـرقَ سـُرعَةً
وَتَـــذهَبُ بِالأَبصــارِ أَيّــانَ تَــذهَبُ
تَكـادُ عَلـى أَبصـارِهِم تَقطَـعُ المَـدى
وَتَنفُــذُ مَرماهــا البَعيــدَ وَتَحجُـبُ
تَكــادُ تَمُــسُّ الأَرضَ مَســّاً نِعــالُهُم
وَلَـو وَجَـدوا سـُبلاً إِلـى الجَوِّ نَكَّبوا
هَزيمَـــةُ مَـــن لا هــازِمٌ يَســتَحِثُّهُ
وَلا طـــارِدٌ يَــدعو لِــذاكَ وَيــوجِبُ
قَعَـدنا فَلَـم يَعدَم فَتى الرومِ فَيلَقاً
مِــنَ الرُعــبِ يَغــزوهُ وَآخَـرَ يَسـلُبُ
ظَفِرنــا بِــهِ وَجهــاً فَظَــنَّ تَعَقُّبـاً
وَمــاذا يَزيــدُ الظـافِرينَ التَعَقُّـبُ
فَــوَلّى وَمــا وَلّــى نِظــامُ جُنـودِهِ
وَيــا شــُؤمَ جَيــشٍ لِلفَــرارِ يُرَتِّـبُ
يَســوقُ وَيَحــدو لِلنَجــاةِ كَتائِبــاً
لَــهُ مَــوكِبٌ مِنهــا وَلِلعـارِ مَـوكِبُ
مُنَظَّمَــةٌ مِــن حَــولِهِ بَيــدَ أَنَّهــا
تَــوَدُّ لَــوِ اِنشــَقَّ الثَــرى فَتُغَيَّـبُ
مُـــؤَزَّرَةٌ بِـــالرُعبِ مَلدوغَــةٌ بِــهِ
فَفــي كُــلِّ ثَـوبٍ عَقـرَبٌ مِنـهُ تَلسـِبُ
تَـرى الخَيـلَ مِـن كُـلِّ الجِهاتِ تَخَيُّلاً
فَيَأخُــذُ مِنهــا وَهمُهــا وَالتَهَيُّــبُ
فَمِـن خَلفِهـا طَـوراً وَحينـاً أَمامَهـا
وَآوِنَـــةً مِـــن كُـــلِّ أَوبٍ تَـــأَلَّبُ
فَــوارِسُ فـي طـولِ الجِبـالِ وَعَرضـِها
إِذا غــابَ مِنهُــم مِقنَــبٌ لاحَ مِقنَـبُ
فَمَهمــا تَهِـم يَسـنَح لَهـا ذو مُهَنَّـدٍ
وَيَخـرُج لَهـا مِـن بـاطِنِ الأَرضِ مِحـرَبُ
وَتَنــزِل عَلَيهـا مِـن سـَماءِ خَيالِهـا
صــَواعِقٌ فيهِــنَّ الــرَدى المُتَصــَبِّبُ
رُؤىً إِن تَكُـن حَقّـاً يَكُـن مِـن وَرائِها
مَلائِكَــةُ اللَــهِ الَّــذي لَيـسَ يُغلَـبُ
وَفِرسـالُ إِذ بـاتوا وَبِتنـا أَعادِيـاً
عَلــى السـَهلِ لُـدّاً يَرقُبـونَ وَنَرقُـبُ
وَقـامَ فَتانـا اللَيـلَ يَحمـي لِـواءَهُ
وَقـــامَ فَتـــاهُم لَيلَـــهُ يَتَلَعَّــبُ
تَوَســَّدَ هَــذا قــائِمَ السـَيفِ يَتَّقـي
وَهَـــذا عَلـــى أَحلامِـــهِ يَتَحَســـَّبُ
وَهَــل يَسـتَوي القِرنـانُ هَـذا مُنَعَّـمٌ
غَريـــرٌ وَهَــذا ذو تَجــاريبَ قُلَّــبُ
حَمَينــا كِلانـا أَرضَ فِرسـالَ وَالسـَما
فَكُـــلُّ ســَبيلٍ بَيــنَ ذَلِــكَ مَعطَــبُ
وَرُحنــا يَهُــبُّ الشـَرُّ فينـا وَفيهِـمُ
وَتَشـــمُلُ أَرواحُ القِتـــالِ وَتَجنُــبُ
كَأَنّـــا أُســـودٌ رابِضــاتٌ كَــأَنَّهُم
قَطيـعٌ بِأَقصـى السـَهلِ حَيـرانَ مُـذئِبُ
كَـأَنَّ خِيـامَ الجَيـشِ فـي السَهلِ أَينَقُ
نَواشـِزُ فَوضـى فـي دُجـى اللَيـلِ شُزَّبُ
كَــأَنَّ الســَرايا ســاكِناتٍ مَوائِجـاً
قَطــائِعُ تُعطـى الأَمـنَ طَـوراً وَتُسـلَبُ
كَــأَنَّ القَنـا دونَ الخِيـامِ نَـوازِلاً
جَـــداوِلُ يُجريهـــا الظَلامُ وَيُســكَبُ
كَـأَنَّ الـدُجى بَحـرٌ إِلـى النَجمِ صاعِدٌ
كَــأَنَّ الســَرايا مَــوجُهُ المُتَضــَرِّبُ
كَــأَنَّ المَنايــا فــي ضـَميرِ ظَلامِـهِ
هُمــومٌ بِهـا فـاضَ الضـَميرُ المُحَجَّـبُ
كَــأَنَّ صــَهيلَ الخَيــلِ نــاعٍ مُبَشـِّرٌ
تَراهُــنَّ فيهــا ضــُحَّكاً وَهــيَ نُحَّـبُ
كَــأَنَّ وُجــوهَ الخَيــلِ غُـرّاً وَسـيمَةً
دَرارِيُّ لَيـــلٍ طُلَّـــعٌ فيـــهِ ثُقَّــبُ
كَـأَنَّ أُنـوفَ الخَيـلِ حَـرّى مِـنَ الوَغى
مَجـامِرُ فـي الظَلمـاءِ تَهـدا وَتَلهُـبُ
كَـأَنَّ صـُدورَ الخَيـلِ غُـدرٌ عَلى الدُجى
كَــأَنَّ بَقايــا النَضـحِ فيهِـنَّ طُحلُـبُ
كَـأَنَّ سـَنى الأَبـواقِ فـي اللَيلِ بَرقُهُ
كَــأَنَّ صـَداها الرَعـدُ لِلبَـرقِ يَصـحَبُ
كَــأَنَّ نِـداءَ الجَيـشِ مِـن كُـلِّ جـانِبٍ
دَوِيُّ رِيـــاحٍ فــي الــدُجى تَتَــذَأَّبُ
كَــأَنَّ عُيـونَ الجَيـشِ مِـن كُـلِّ مَـذهَبٍ
مِــنَ الســَهلِ جُــنَّ جُـوَّلٌ فيـهِ جُـوَّبُ
كَــأَنَّ الــوَغى نــارٌ كَـأَنَّ جُنودَنـا
مَجـوسٌ إِذا مـا يَمَّمـوا النارَ قَرَّبوا
كَـأَنَّ الـوَغى نـارٌ كَـأَنَّ الـرَدى قِرىً
كَــأَنَّ وَراءَ النــارِ حــاتِمَ يَــأدِبُ
كَـأَنَّ الـوَغى نـارٌ كَـأَنَّ بَنـي الوَغى
فَــراشٌ لَــهُ مَلمَــسُ النــارِ مَـأرَبُ
وَثَبنـا يَضـيقُ السـَهلُ عَـن وَثَباتِنـا
وَتَقــدُمُنا نـارٌ إِلـى الـرومِ أَوثَـبُ
مَشــَت فـي سـَراياهُم فَحَلَّـت نِظامَهـا
فَلَمّـــا مَشــَينا أَدبَــرَت لا تُعَقِّــبُ
رَأى السَهلُ مِنهُم ما رَأى الوَعرُ قَبلَهُ
فَيـا قَومُ حَتّى السَهلُ في الحَربِ يَصعُبُ
وَحِصــنٌ تَســامى مِــن دُموقـو كَـأَنَّهُ
مُعَشـــِّشُ نَســـرٍ أَو بِهَـــذا يُلَقَّــبُ
أَشـــُمُّ عَلــى طَــودٍ أَشــَمَّ كِلاهُمــا
مَنــونُ المُفـاجي وَالحِمـامُ المُرَحِّـبُ
تَكـــادُ تَقــادُ الغادِيــاتُ لِرَبِّــهِ
فَيُزجــي وَتَنــزُمُّ الرِيــاحُ فَيَركَــبُ
حَمَتــهُ لُيــوثٌ مِــن حَديــدٍ تَرَكَّـزَت
عَلـــى عَجَـــلٍ وَاِســتَجمَعَت تَتَرَقَّــبُ
تَثــورُ وَتَســتَأني وَتَنــأى وَتَــدَّني
وَتَغــدو بِمـا تَغـدي وَتَرمـي وَتَنشـُبُ
تَــأبّى فَظَــنَّ العــالِمونَ اِسـتَحالَةً
وَأَعيــا عَلــى أَوهــامِهِم فَتَرَيَّبـوا
فَمـا فـي القِوى أَنَّ السَماواتِ تُرتَقى
بِجَيــشٍ وَأَنَّ النَجــمَ يُغشــى فَيُغضـِبُ
ســَمَوتُم إِلَيــهِ وَالقَنابِــلُ دونَــهُ
وَشــُهبُ المَنايـا وَالرَصـاصُ المُصـَوَّبُ
فَكُنتُــم يَــواقيتَ الحُــروبِ كَرامَـةً
عَلـى النـارِ أَو أَنتُـم أَشـَدُّ وَأَصـلَبُ
صـَعَدتُم وَمـا غَيـرُ القَنـا ثَـمَّ مَصعَدٌ
وَلا ســـُلَّمٌ إِلّا الحَديـــدُ المُـــذَرَّبُ
كَمــا اِزدَحَمَــت بَيـزانُ جَـوٍّ بِمَـورِدٍ
أَوِ اِرتَفَعَــت تَلقـى الفَريسـَةَ أَعقَـبُ
فَمــا زِلتُــمُ حَتّــى نَزَلتُـم بُروجَـهُ
وَلَــم تَحتَضـِر شـَمسُ النَهـارِ فَتَغـرُبُ
هُنالِــكَ غـالى فـي الأَماديـحِ مَشـرِقٌ
وَبــالَغَ فيكُــم آلَ عُثمــانَ مَغــرِبُ
وَزَيــدَ حَمــى الإِســلامَ عِـزّاً وَمَنعَـةً
وَرُدَّ جِمــاحُ العَصــرِ فَالعَصــرُ هَيِّـبُ
رَفَعنـا إِلـى النَجـمِ الرُؤوسِ بِنَصرِكُم
وَكُنّـــا بِحُكــمِ الحادِثــاتِ نُصــَوِّبُ
وَمَـن كـانَ مَنسـوباً إِلى دَولَةِ القَنا
فَلَيـسَ إِلـى شـَيءٍ سـِوى العِـزِّ يُنسـَبُ
فَيـا قَـومُ أَيـنَ الجَيـشُ فيما زَعَمتُمُ
وَأَيــنَ الجَـواري وَالـدِفاعُ المُرَكَّـبُ
وَأَيـنَ أَميـرُ البَـأسِ وَالعَزمِ وَالحِجى
وَأَيــنَ رَجــاءٌ فــي الأَميــرِ مُخَيَّـبُ
وَأَيــنَ تُخــومٌ تَســتَبيحونَ دَوســَها
وَأَيـــنَ عِصـــاباتٌ لَكُـــم تَتَــوَثَّبُ
وَأَيـنَ الَّـذي قـالَت لَنا الصُحفُ عَنكُمُ
وَأَســنَدَ أَهلوهــا إِلَيكُـم فَـأَطنَبوا
وَمـا قَـد رَوى بَـرقٌ مِـنَ القَولِ كاذِبٌ
وَآخَــرُ مِــن فِعــلِ المُحِبّيـنَ أَكـذَبُ
وَمـا شـِدتُمُ مِـن دَولَـةٍ عَرضُها الثَرى
يَــدينُ لَهـا الجِنسـانِ تُـركٌ وَصـَقلَبُ
لَهـــا عَلَـــمٌ فَــوقَ الهِلالِ وَســُدَّةٌ
تُنَــصُّ عَلــى هــامِ النُجـومِ وَتُنصـَبُ
أَهَــذا هُــوَ الـذَودُ الَّـذي تَـدَّعونَهُ
وَنَصـــرُ كَريــدٍ وَالــوَلا وَالتَحَبُّــبُ
أَهَـذا الَّـذي لِلمُلـكِ وَالعِـرضِ عِندَكُم
وَلِلجـارِ إِن أَعيـا عَلـى الجارِ مَطلَبُ
أَهَـذا سـِلاحُ الفَتـحِ وَالنَصـرِ وَالعُلا
أَهَـذا مَطايـا مَـن إِلـى المَجدِ يَركَبُ
أَهَــذا الَّــذي لِلــذِكرِ خُلَّـبُ مَعشـَرٌ
عَلـى ذِكرِهِـم يَـأتي الزَمـانُ وَيَـذهَبُ
أَسـَأتُم وَكـانَ السـوءُ مِنكُـم إِلَيكُـمُ
إِلـى خَيـرِ جـارٍ عِنـدَهُ الخَيـرُ يُطلَبُ
إِلــى ذي اِنتِقــامٍ لا يَنـامُ غَريمُـهُ
وَلَــو أَنَّــهُ شـَخصُ المَنـامِ المُحَجَّـبُ
شــَقيتُم بِهــا مِـن حيلَـةٍ مُسـتَحيلَةٍ
وَأَيــنَ مِـنَ المُحتـالِ عَنقـاءُ مُغـرِبُ
فَلَــولا ســُيوفُ التُـركِ جَـرَّبَ غَيرُكُـم
وَلَكِــن مِــنَ الأَشــياءِ مـا لا يُجَـرَّبُ
فَعَفـــواً أَميــرَ المُــؤمِنينَ لِأُمَّــةٍ
دَعَـت قـادِراً مـازالَ في العَفوِ يَرغَبُ
ضـــَرَبتَ عَلـــى آمالِهــا وَمَآلِهــا
وَأَنـتَ عَلـى اِسـتِقلالِها اليَـومَ تَضرِبُ
إِذا خـانَ عَبـدُ السـوءِ مَـولاهُ مُعتَقاً
فَمـــا يَفعَـــلُ الكَريــمُ المُهَــذَّبُ
وَلا تَضــرِبَن بِــالرَأيِ مُنحَـلَّ مُلكِهِـم
فَمـا يَفعَـلُ المَـولى الكَريمُ المُهَذَّبُ
لَقَــد فَنِيَــت أَرزاقُهُــم وَرِجــالُهُم
وَليـــسَ بِفــانٍ طَيشــُهُم وَالتَقَلُّــبُ
فَـإِن يَجِـدوا لِلنَفـسِ بِـالعَودِ راحَـةً
فَقَـد يَشـتَهي المَـوتَ المَريضُ المُعَذَّبُ
وَإِن هَــمَّ بِـالعَفوِ الكَريـمِ رَجـاؤُهُم
فَمِـــن كَــرَمِ الأَخلاقِ أَن لا يُخَيَّبــوا
فَمـا زِلـتَ جـارَ البِـرِّ وَالسَيِّدَ الَّذي
إِلـى فَضـلِهِ مِـن عَـدلِهِ الجـارُ يَهرُبُ
يُلاقــي بَعيــدُ الأَهــلِ عِنـدَكَ أَهلَـهُ
وَيَمـــرَحُ فــي أَوطــانِهِ المُتَغَــرِّبُ
أَمَــولايَ غَنَّتــكَ الســُيوفُ فَــأَطرَبَت
فَهَــل لِيَراعــي أَن يُغَنّــي فَيُطــرِبُ
فَعِنـدي كَمـا عِنـدَ الظُبـا لَـكَ نَغمَةٌ
وَمُختَلِـــفُ الأَنغــامِ لِلأُنــسِ أَجلَــبُ
أُعَـــرِّبُ مـــا تُنشـــي عُلاكَ وَإِنَّــهُ
لَفــي لُطفِــهِ مـا لا يَنـالُ المُعَـرِّبُ
مَــدَحتُكَ وَالــدُنيا لِســانٌ وَأَهلُهـا
جَميعـــاً لِســانٌ يُملِيــانِ وَأَكتُــبُ
أُنــاوِلُ مِــن شــِعرِ الخِلافَـةِ رَبَّهـا
وَأَكسـو القَـوافي مـا يَـدومُ فَيُقشـِبُ
وَهَـل أَنـتَ إِلّا الشـَمسُ فـي كُـلِّ أُمَّـةٍ
فَكُـــلُّ لِســانٍ فــي مَــديحِكَ طَيِّــبُ
فَـإِن لَـم يَلِـق شـِعري لِبابِـكَ مِدحَـةً
فَمُـر يَنفَتِـح بـابٌ مِـنَ العُـذرِ أَرحَبُ
وَإِنّــي لَطَيـرُ النيـلِ لا طَيـرَ غَيـرُهُ
وَمــا النيـلُ إِلّا مِـن رِياضـِكَ يُحسـَبُ
إِذا قُلــتُ شـِعراً فَـالقَوافي حَواضـِرٌ
وَبَغـــدادُ بَغــدادٌ وَيَــثرِبُ يَــثرِبُ
وَلَــم أَعـدَمِ الظِـلَّ الخَصـيبَ وَإِنَّمـا
أُجاذِبُــكَ الظِــلَّ الَّــذي هُـوَ أَخصـَبُ
فَلا زِلـتَ كَهـفَ الـدينِ وَالهادِيَ الَّذي
إِلــى اللَــهِ بِـالزُلفى لَـهُ نَتَقَـرَّبُ
أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932