
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
تِلـكَ الطَبيعَـةُ قِـف بِنا يا ساري
حَتّـى أُريـكَ بَـديعَ صـُنعِ البـاري
الأَرضُ حَولَــكَ وَالســَماءُ اِهتَزَّتـا
لِــــرَوائِعِ الآيـــاتِ وَالآثـــارِ
مِــن كُــلِّ ناطِقَـةِ الجَلالِ كَأَنَّهـا
أُمُّ الكِتـابِ عَلـى لِسـانِ القـاري
دَلَّـت عَلـى مَلِـكِ المُلوكِ فَلَم تَدَع
لِأَدِلَّـــةِ الفُقَهـــاءِ وَالأَحبـــارِ
مَـن شـَكَّ فيـهِ فَنَظـرَةٌ فـي صـُنعِهِ
تَمحــو أَثيــمَ الشــَكِّ وَالإِنكـارِ
كَشـَفَ الغَطـاءُ عَنِ الطُرولِ وَأَشرَقَت
مِنــهُ الطَبيعَـةُ غَيـرَ ذاتِ سـِتارِ
شــَبَّهتُها بَلقيــسَ فَـوقَ سـَريرِها
فــي نَضــرَةٍ وَمَــواكِبٍ وَجَــواري
أَو بِــاِبنِ داوُدٍ وَواســِعِ مُلكِــهِ
وَمَعـــالِمٍ لِلعِــزِّ فيــهِ كِبــارِ
هـوجُ الرِيـاحِ خَواشـِعٌ فـي بـابِهِ
وَالطَيــرُ فيـهِ نَـواكِسُ المِنقـارِ
قـامَت عَلـى ضـاحي الجِنانِ كَأَنَّها
رَضــوانُ يُزجــي الخُلـدُ لِلأَبـرارِ
كَـم في الخَمائِلِ وَهيَ بَعضُ إِمائِها
مِـــن ذاتِ خِلخــالٍ وَذاتِ ســِوارِ
وَحَســيرَةٍ عَنهــا الثِيـابُ وَبَضـَّةٍ
فــي الناعِمـاتِ تَجُـرُّ فَضـلَ إِزارِ
وَضــَحوكِ ســِنٍّ تَملَأُ الـدُنيا سـَنىً
وَغَريقَــةٍ فــي دَمعِهـا المِـدرارِ
وَوَحيــدَةٍ بِالنَجــدِ تَشـكو وَحشـَةً
وَكَـــثيرَةِ الأَتـــرابِ بِــالأَغوارِ
وَلَقَـد تَمُـرُّ عَلـى الغَـديرِ تَخالُهُ
وَالنَبــتُ مِــرآةً زَهَــت بِإِطــارِ
حُلــوُ التَسَلســُلِ مَـوجُهُ وَجَريـرُهُ
كَأَنامِـــلٍ مَــرَّت عَلــى أَوتــارِ
مَــدَّت ســَواعِدُ مــائِهِ وَتَــأَلَّقَت
فيهـا الجَـواهِرُ مِـن حَصـىً وَجِمارِ
يَنســـابُ فــي مُخضــَلَّةٍ مُبتَلَّــةٍ
مَنســـوجَةٍ مِــن ســُندُسٍ وَنُضــارِ
زَهـراءَ عَونِ العاشِقينَ عَلى الهَوى
مُختـــارَةِ الشــُعَراءِ فــي آذارِ
قـامَ الجَليـدُ بِهـا وَسـالَ كَـأَنَّهُ
دَمــعُ الصـَبابَةِ بَـلَّ غُضـنَ عَـذارِ
وَتَرى السَماءَ ضُحىً وَفي جُنحِ الدُجى
مُنشـــَقَّةً مِـــن أَنهُــرٍ وَبِحــارِ
فــي كُــلِّ ناحِيَـةٍ سـَلَكتَ وَمَـذهَبٍ
جَبَلانِ مِــن صــَخرٍ وَمــاءٍ جــاري
مِـن كُـلِّ مُنهَمِـرِ الجَوانِبِ وَالذُرى
غَمــرِ الحَضــيضِ مُحَلَّــلٍ بِوَقــارِ
عَقَـدَ الضـَريبُ لَـهُ عَمامَـةَ فـارِعٍ
جَــمِّ المَهابَـةِ مِـن شـُيوخِ نِـزارِ
وَمُكَــذِّبٍ بِــالجِنِّ ريــعَ لِصـَوتِها
فـي المـاءِ مُنحَـدِراً وَفي التَيّارِ
مَلَأَ الفَضـاءَ عَلـى المَسـامِعِ ضـَجَّةً
فَكَأَنَّمـــا مَلَأَ الجِهــاتِ ضــَواري
وَكَأَنَّمــا طوفـانُ نـوحٍ مـا نَـرى
وَالفُلـكُ قَـد مُسـِخَت حَـثيثَ قِطـارِ
يَجـري عَلـى مَثَـلِ الصـِراطِ وَتارَةً
مــا بَيــنَ هاوِيَـةٍ وَجُـرفٍ هـاري
جـابَ المَمالِـكَ حَزنَهـا وَسـُهولَها
وَطَــوى شـِعابَ الصـِربِ وَالبُلغـارِ
حَتّــى رَمــى بِرِحالِنـا وَرَجائِنـا
فــي سـاحِ مَـأمولٍ عَزيـزِ الجـارِ
مَلِــكٌ بِمَفرَقِــهِ إِذا اِســتَقبَلتَهُ
تاجــانِ تـاجُ هُـدىً وَتـاجُ فَخـارِ
ســَكَنَ الثُرَيّــا مُســتَقَرَّ جَلالِــهِ
وَمَشــَت مَكــارِمُهُ إِلــى الأَمصـارِ
فَالشــَرقُ يُســقى ديمَـةً بِيَمينِـهِ
وَالغَــربُ تُمطِــرُهُ غُيــوثُ يَسـارِ
وَمَــدائِنُ البَرَّيــنِ فـي إِعظـامِهِ
وَعَــوالِمُ البَحرَيـنِ فـي الإِكبـارِ
اللَــهُ أَيَّــدَهُ بِآســادِ الشــَرى
فــي صــورَةِ المُتَدَجِّــجِ الجَـرّارِ
الصـاعِدينَ إِلى العَدُوِّ عَلى الظُبى
النـازِلينَ عَلـى القَنـا الخَطّـارِ
المُشــتَرينَ اللَـهَ بِالأَبنـاءِ وَال
أَزواجِ وَالأَمــــوالِ وَالأَعمــــارِ
القــائِمينَ عَلــى لِــواءِ نَبِيِّـهِ
المُنزَليـــنَ مَنـــازِلَ الأَنصــارِ
يـا عَـرشَ قُسـطَنطينَ نِلـتَ مَكانَـةً
لَــم تُعطَهـا فـي سـالِفِ الأَعصـارِ
شــُرِّفتَ بِالصـَديقِ وَالفـاروقِ بَـل
بِــالأَقرَبِ الأَدنــى مِـنَ المُختـارِ
حـامي الخِلافَـةِ مَجـدِها وَكِيانِهـا
بِـــالرَأيِ آوِنَـــةً وَبِالبَتّـــارِ
تـاهَت فُروقُ عَلى العَواصِمِ وَاِزدَهَت
بِجُلــوسِ أَصــيَدَ بـاذِخِ المِقـدارِ
جَـــمِّ الجَلالِ كَأَنَّمـــا كُرســـِيُّهُ
جُــزءٌ مِــنَ الكُرسـِيِّ ذي الأَنـوارِ
أَخَـذَت عَلى البوسفورِ زُخرُفَها دُجىً
وَتَلَألَأَت كَمَنـــــازِلِ الأَقمـــــارِ
فَالبَـدرُ يَنظُـرُ مِـن نَوافِـذِ مَنزِلٍ
وَالشــَمسُ ثَــمَّ مُطِلَّــةٌ مِــن دارِ
وَكَـواكِبُ الجَوزاءِ تَخطُرُ في الرُبى
وَالنَســرُ مَطلَعُــهُ مِــنَ الأَشـجارِ
وَاِسـمُ الخَليفَـةِ في الجِهاتِ مُنَوِّرٌ
تَبـدو السـَبيلُ بِهِ وَيَهدي الساري
كَتَبـوهُ فـي شـُرَفِ القُصورِ وَطالَما
كَتَبــوهُ فــي الأَسـماعِ وَالأَبصـارِ
يــا واحِـدَ الإِسـلامِ غَيـرَ مُـدافِعٍ
أَنـا فـي زَمانِـكَ واحِـدُ الأَشـعارِ
لـي فـي ثَنـائِكَ وَهـوَ بـاقٍ خالِدٌ
شـَعرٌ عَلـى الشِعرى المَنيعَةِ زاري
أَخلَصـتُ حُبّـي فـي الإِمـامِ دِيانَـةً
وَجَعَلتُــهُ حَتّــى المَمـاتِ شـِعاري
لَـم أَلتَمِـس عَـرضَ الحَيـاةِ وَإِنَّما
أَقرَضــتُهُ فــي اللَـهِ وَالمُختـارِ
إِنَّ الصــَنيعَةَ لا تَكــونُ كَريمَــةً
حَتّـــى تُقَلِّــدُها كَريــمَ نِجــارِ
وَالحُـبُّ لَيـسَ بِصـادِقٍ مـا لَم تَكُن
حَســَنَ التَكَــرُّمِ فيــهِ وَالإيثـارِ
وَالشــِعرُ إِنجيـلٌ إِذا اِسـتَعمَلتَهُ
فــي نَشــرِ مَكرُمَـةٍ وَسـَترِ عَـوارِ
وَثَنَيـتَ عَـن كَـدَرِ الحِيـاضِ عِنانَهُ
إِنَّ الأَديـــبَ مُســـامِحٌ وَمُــداري
عِنـدَ العَواهِـلِ مِـن سِياسَةِ دَهرِهِم
ســـِرٌّ وَعِنــدَكَ ســائِرُ الأَســرارِ
هَــذا مُقــامٌ أَنــتَ فيـهِ مُحَمَّـدٌ
أَعـداءُ ذاتِـكَ فِرقَـةٌ فـي النـارِ
إِنَّ الهِلالَ وَأَنــتَ وَحــدَكَ كَهفُــهُ
بَيــنَ المَعاقِــلِ مِنـكَ وَالأَسـوارِ
لَـم يَبـقَ غَيـرُكَ مَـن يَقولُ أَصونُهُ
صــُنهُ بِحَــولِ الواحِــدِ القَهّـارِ
أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932