
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
جميع الحقوق محفوظة © الشعر العربي 2025
يـا نـائِحَ الطَلـحِ أَشـباهٌ عَوادينا
نَشـجى لِواديـكَ أَم نَأسـى لِوادينـا
مــاذا تَقُـصُّ عَلَينـا غَيـرَ أَنَّ يَـداً
قَصــَّت جَناحَـكَ جـالَت فـي حَواشـينا
رَمـى بِنـا البَينُ أَيكاً غَيرَ سامِرِنا
أَخــا الغَريــبِ وَظِلّاً غَيـرَ نادينـا
كُـلٌّ رَمَتـهُ النَـوى ريشَ الفِراقُ لَنا
ســَهماً وَسـُلَّ عَلَيـكَ البَيـنُ سـِكّينا
إِذا دَعـا الشـَوقُ لَـم نَبرَح بِمُنصَدِعٍ
مِــنَ الجَنــاحَينِ عَــيٍّ لا يُلَبّينــا
فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا
إِنَّ المَصــائِبَ يَجمَعــنَ المُصـابينا
لَــم تَـألُ مـاءَكَ تَحنانـاً وَلا ظَمَـأً
وَلا اِدِّكــاراً وَلا شــَجوا أَفانينــا
تَجُــرُّ مِــن فَنَـنٍ سـاقاً إِلـى فَنَـنٍ
وَتَسـحَبُ الـذَيلَ تَرتـادُ المُؤاسـينا
أُســاةُ جِســمِكَ شـَتّى حيـنَ تَطلُبُهُـم
فَمَــن لِروحِـكَ بِـالنُطسِ المُـداوينا
آهــا لَنــا نـازِحي أَيـكٍ بِأَنـدَلُسٍ
وَإِن حَلَلنــا رَفيقـاً مِـن رَوابينـا
رَسـمٌ وَقَفنـا عَلـى رَسـمِ الوَفاءِ لَهُ
نَجيــشُ بِالــدَمعِ وَالإِجلالِ يَثنينــا
لِفِتيَـــةٍ لا تَنــالُ الأَرضُ أَدمُعَهُــم
وَلا مَفــــــارِقَهُم إِلّا مُصـــــَلّينا
لَـو لَـم يَسـودوا بِـدينٍ فيهِ مَنبَهَةٌ
لِلنـاسِ كـانَت لَهُـم أَخلاقُهُـم دينـا
لَــم نَسـرِ مِـن حَـرَمٍ إِلّا إِلـى حَـرَمٍ
كَـالخَمرِ مِـن بابِـلٍ سـارَت لِدارينا
لَمّـا نَبـا الخُلـدُ نابَت عَنهُ نُسخَتُهُ
تَماثُــلَ الــوَردِ خِيرِيّـاً وَنَسـرينا
نَســقي ثَراهُـم ثَنـاءً كُلَّمـا نُثِـرَت
دُموعُنــا نُظِمَــت مِنهــا مَراثينـا
كــادَت عُيــونُ قَوافينــا تُحَرِّكُــهُ
وَكِـدنَ يـوقِظنَ فـي التُربِ السَلاطينا
لَكِــنَّ مِصــرَ وَإِن أَغضـَت عَلـى مِقَـةٍ
عَيـنٌ مِـنَ الخُلـدِ بِالكافورِ تَسقينا
عَلــى جَوانِبِهــا رَفَّــت تَمائِمُنــا
وَحَــولَ حافاتِهــا قـامَت رَواقينـا
مَلاعِـــبٌ مَرِحَـــت فيهــا مَآرِبُنــا
وَأَربُــعٌ أَنِســَت فيهــا أَمانينــا
وَمَطلَـــعٌ لِســُعودٍ مِــن أَواخِرِنــا
وَمَغـــرِبٌ لِجُــدودٍ مِــن أَوالينــا
بِنّـا فَلَـم نَخـلُ مِـن رَوحٍ يُراوِحُنـا
مِــن بَــرِّ مِصـرَ وَرَيحـانٍ يُغادينـا
كَـأُمِّ موسـى عَلـى اِسمِ اللَهِ تَكفُلُنا
وَبِاِسـمِهِ ذَهَبَـت فـي اليَـمِّ تُلقينـا
وَمِصـرُ كَـالكَرمِ ذي الإِحسـانِ فاكِهَـةٌ
لِحاضـــِرينَ وَأَكـــوابٌ لِبادينـــا
يـا سـارِيَ البَرقِ يَرمي عَن جَوانِحِنا
بَعـدَ الهُـدوءِ وَيَهمـي عَـن مَآقينـا
لَمّـا تَرَقـرَقَ فـي دَمـعِ السَماءِ دَماً
هـاجَ البُكـا فَخَضـَبنا الأَرضَ باكينا
اللَيــلُ يَشـهَدُ لَـم نَهتِـك دَيـاجِيَهُ
عَلــى نِيـامٍ وَلَـم نَهتِـف بِسـالينا
وَالنَجــمُ لَـم يَرَنـا إِلّا عَلـى قَـدَمٍ
قِيـامَ لَيـلِ الهَـوى لِلعَهـدِ راعينا
كَزَفــرَةٍ فـي سـَماءِ اللَيـلِ حـائِرَةٍ
مِمّــا نُــرَدِّدُ فيــهِ حيـنَ يُضـوينا
بِـاللَهِ إِن جُبـتَ ظَلماءَ العُبابِ عَلى
نَجــائِبِ النــورِ مَحــدُوّاً بِجرينـا
تَــرُدُّ عَنــكَ يَــداهُ كُــلَّ عادِيَــةٍ
إِنســاً يَعِثـنَ فَسـاداً أَو شـَياطينا
حَتّــى حَوَتـكَ سـَماءُ النيـلِ عالِيَـةٍ
عَلـى الغُيـوثِ وَإِن كـانَت مَيامينـا
وَأَحرَزَتـــكَ شــُفوفُ اللازَوَردِ عَلــى
وَشـيِ الزَبَرجَـدِ مِـن أَفـوافِ وادينا
وَحــازَكَ الريــفُ أَرجــاءً مُؤَرَّجَــةً
رَبَــت خَمــائِلَ وَاِهتَــزَّت بَسـاتينا
فَقِـف إِلـى النيلِ وَاِهتُف في خَمائِلِهِ
وَاِنـزِل كَمـا نَـزَلَ الطَلُّ الرَياحينا
وَآسِ مـا بـاتَ يَـذوي مِـن مَنازِلِنـا
بِالحادِثــاتِ وَيَضـوى مِـن مَغانينـا
وَيــا مُعَطِّـرَةَ الـوادي سـَرَت سـَحَراً
فَطــابَ كُــلُّ طُــروحٍ مِـن مَرامينـا
ذَكِيَّــةُ الـذَيلِ لَـو خِلنـا غِلالَتَهـا
قَميــصَ يوسـُفَ لَـم نُحسـَب مُغالينـا
جَشـِمتِ شـَوكَ السـُرى حَتّـى أَتَيتِ لَنا
بِـالوَردِ كُتبـاً وَبِالرَيّـا عَناوينـا
فَلَــو جَزَينــاكِ بِــالأَرواحِ غالِيَـةً
عَـن طيـبِ مَسـراكِ لَم تَنهَض جَوازينا
هَــل مِــن ذُيولِــكِ مَســكِيٌّ نُحَمِّلُـهُ
غَـرائِبَ الشـَوقِ وَشـياً مِـن أَمالينا
إِلــى الَّــذينَ وَجَــدنا وُدَّ غَيرِهِـمُ
دُنيـا وَوُدَّهُمـو الصـافي هُوَ الدينا
يـا مَـن نَغـارُ عَلَيهِـم مِن ضَمائِرِنا
وَمِــن مَصـونِ هَـواهُم فـي تَناجينـا
غـابَ الحَنيـنُ إِلَيكُـم فـي خَواطِرِنا
عَــنِ الـدَلالِ عَلَيكُـم فـي أَمانينـا
جِئنـا إِلـى الصـَبرِ نَدعوهُ كَعادَتِنا
فـي النائِبـاتِ فَلَـم يَأخُذ بِأَيدينا
وَمــا غُلِبنــا عَلـى دَمـعٍ وَلا جَلَـدٍ
حَتّـى أَتَتنـا نَـواكُم مِـن صَياصـينا
وَنـــابِغي كَـــأَنَّ الحَشــرَ آخِــرُهُ
تُميتُنــا فيــهِ ذِكراكُـم وَتُحيينـا
نَطــوي دُجـاهُ بِجُـرحٍ مِـن فُراقِكُمـو
يَكــادُ فـي غَلَـسِ الأَسـحارِ يَطوينـا
إِذا رَسـا النَجـمُ لَم تَرقَأ مَحاجِرُنا
حَتّــى يَـزولَ وَلَـم تَهـدَأ تَراقينـا
بِتنـا نُقاسـي الـدَواهي مِن كَواكِبِهِ
حَتّـى قَعَـدنا بِهـا حَسـرى تُقاسـينا
يَبــدو النَهــارُ فَيَخفيـهِ تَجَلُّـدُنا
لِلشـــامِتينَ وَيَأســـوهُ تَأَســـّينا
سـَقياً لِعَهـدٍ كَأَكنـافِ الرُبـى رِفَـةً
أَنّـى ذَهَبنـا وَأَعطـافِ الصـَبا لينا
إِذِ الزَمــانُ بِنــا غَينـاءُ زاهِيَـةٌ
تَــرِفُّ أَوقاتُنــا فيهــا رَياحينـا
الوَصــلُ صــافِيَةٌ وَالعَيــشُ ناغِيَـةٌ
وَالســَعدُ حاشـِيَةٌ وَالـدَهرُ ماشـينا
وَالشـَمسُ تَختالُ في العِقيانِ تَحسَبُها
بَلقيـسَ تَرفُـلُ فـي وَشـيِ اليَمانينا
وَالنيـلُ يُقبِلُ كَالدُنيا إِذا اِحتَفَلَت
لَـو كـانَ فيهـا وَفـاءٌ لِلمُصـافينا
وَالسـَعدُ لَو دامَ وَالنُعمى لَوِ اِطَّرَدَت
وَالسـَيلُ لَـو عَفَّ وَالمِقدارُ لَو دينا
أَلقـى عَلـى الأَرضِ حَتّـى رَدَّهـا ذَهَباً
مـاءً لَمَسـنا بِـهِ الإِكسـيرَ أَو طينا
أَعـداهُ مِـن يُمنِهِ التابوتُ وَاِرتَسَمَت
عَلــى جَـوانِبِهِ الأَنـوارُ مِـن سـينا
لَـهُ مَبـالِغُ مـا فـي الخُلقِ مِن كَرَمٍ
عَهــدُ الكِـرامِ وَميثـاقُ الوَفِيّينـا
لَــم يَجـرِ لِلـدَهرِ إِعـذارٌ وَلا عُـرُسٌ
إِلّا بِأَيّامِنـــا أَو فــي لَيالينــا
وَلا حَـوى السـَعدُ أَطغـى فـي أَعِنَّتِـهِ
مِنّــا جِيــاداً وَلا أَرحـى مَيادينـا
نَحـنُ اليَـواقيتُ خاضَ النارَ جَوهَرُنا
وَلَـم يَهُـن بِيَـدِ التَشـتيتِ غالينـا
وَلا يَحـــولُ لَنــا صــِبغٌ وَلا خُلُــقٌ
إِذا تَلَـــوَّنَ كَالحِربــاءِ شــانينا
لَـم تَنـزِلِ الشـَمسُ ميزاناً وَلا صَعَدَت
فـي مُلكِها الضَخمِ عَرشاً مِثلَ وادينا
أَلَــم تُــؤَلَّه عَلــى حافـاتِهِ وَرَأَت
عَلَيـهِ أَبناءَهـا الغُـرَّ المَيامينـا
إِن غـازَلَت شـاطِئَيهِ في الضُحى لَبِسا
خَمـائِلَ السـُندُسِ المَوشـِيَّةِ الغينـا
وَبـاتَ كُـلُّ مُجـاجِ الـوادِ مِـن شـَجَرٍ
لَــوافِظَ القَـزِّ بِالخيطـانِ تَرمينـا
وَهَــذِهِ الأَرضُ مِــن سـَهلٍ وَمِـن جَبَـلٍ
قَبــلَ القَياصــِرِ دِنّاهـا فَراعينـا
وَلَــم يَضـَع حَجَـراً بـانٍ عَلـى حَجَـرٍ
فــي الأَرضِ إِلّا عَلـى آثـارِ بانينـا
كَــأَنَّ أَهــرامَ مِصــرٍ حـائِطٌ نَهَضـَت
بِـهِ يَـدُ الـدَهرِ لا بُنيـانُ فانينـا
إيـوانُهُ الفَخـمُ مِـن عُليـا مَقاصِرِهِ
يُفنـي المُلـوكَ وَلا يُبقـي الأَواوينا
كَأَنَّهــا وَرِمــالاً حَولَهــا اِلتَطَمَـت
ســــَفينَةٌ غَرِقَـــت إِلّا أَســـاطينا
كَأَنَّهــا تَحــتَ لَألاءِ الضــُحى ذَهَبـاً
كُنــوزُ فِرعَــونَ غَطَّيـنَ المَوازينـا
أَرضُ الأُبُــــوَّةِ وَالميلادِ طَيَّبَهــــا
مَـرُّ الصـِبا فـي ذُيـولٍ مِن تَصابينا
كــانَت مُحَجَّلَــةٌ فيهــا مَواقِفُنــا
غُــرّاً مُسَلســَلَةَ المَجـرى قَوافينـا
فَــآبَ مِــن كُــرَةِ الأَيّــامِ لاعِبُنـا
وَثــابَ مِــن ســِنَةِ الأَحلامِ لاهينــا
وَلَــم نَـدَع لِلَيـالي صـافِياً فَـدَعَت
بِــأَن نَغَــصَّ فَقـالَ الـدَهرُ آمينـا
لَـوِ اِسـتَطَعنا لَخُضـنا الجَـوَّ صاعِقَةً
وَالبَـرَّ نـارَ وَغـىً وَالبَحـرَ غِسلينا
سـَعياً إِلـى مِصـرَ نَقضـي حَقَّ ذاكِرِنا
فيهـا إِذا نَسـِيَ الـوافي وَباكينـا
كَنــزٌ بِحُلـوانَ عِنـدَ اللَـهِ نَطلُبُـهُ
خَيـرَ الـوَدائِعِ مِـن خَيـرِ المُؤَدّينا
لَـو غـابَ كُـلُّ عَزيـزٍ عَنـهُ غَيبَتَنـا
لَـم يَـأتِهِ الشـَوقُ إِلّا مِـن نَواحينا
إِذا حَمَلنــا لِمِصــرٍ أَو لَـهُ شـَجَناً
لَـم نَـدرِ أَيُّ هَـوى الأُمَّيـنِ شـاجينا
أحمد بن علي بن أحمد شوقي. أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة، كتب عن نفسه: (سمعت أبي يردّ أصلنا إلى الأكراد فالعرب) نشأ في ظل البيت المالك بمصر، وتعلم في بعض المدارس الحكومية، وقضى سنتين في قسم الترجمة بمدرسة الحقوق، وارسله الخديوي توفيق سنة 1887م إلى فرنسا، فتابع دراسة الحقوق في مونبلية، واطلع على الأدب الفرنسي وعاد سنة 1891م فعين رئيساً للقلم الإفرنجي في ديوان الخديوي عباس حلمي. وندب سنة 1896م لتمثيل الحكومة المصرية في مؤتمر المستشرقين بجينيف. عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.مولده 16-10-1868 ووفاته 14-10-1932